الصومال وشركاؤه في الحرب على الإرهاب
الصومال الجديد
آخر تحديث: 13/05/2023
القاهرة: صفاء عزب
كان حديث الرئيس شيخ محمود مع المواطنين مؤخرا خلال جلسته العامة معهم عن الدعم العسكري الذي طلبه من دول الجوار ،إثيوبيا وكينيا وجيبوتي، للمشاركة في الحرب على حركة الشباب، توضيحا مبينا لأهمية دور الشركاء الإقليميين والدوليين في مواجهة قوى العنف والإرهاب، بما لا ينتقص من سيادة البلاد، لا سيما وأنه أشار إلى أن حكومته هي التي تملك توجيه العمليات، وأن هذا التعاون مرتبط بمدة محدددة قوامها تسعون يوما.
لقد أبلت السلطات الصومالية خلال الفترة الماضية بلاء حسنا في مواجهة ظاهرة الإرهاب والتصدي لها وبذلت جهودا كبيرة في مطاردة عناصره واستعادة عدد كبير من الأراضي التي كانت تحت سيطرة جماعاته العنيفة. وهي جهود متواصلة عبر فترات طويلة كان الشعب الصومالي يدفع خلالها فاتورة ضخمة باهظة الثمن، بسبب فداحة الأحداث، ولكن هذه الجهود لم تؤت ثمارها بشكل واضح إلا مؤخرا، وما كان له أن يحقق ما حققه من إنجازات على أرض الواقع في حربه على الإرهاب لولا المساندة الدولية والدعم المادي والمعنوي الذي أخذ يحصل عليه والذي كان الصومال بحاجة ملحة إليه ولا زال لإتمام مهمته بنجاح. إن الإرهاب ظاهرة عالمية لا تقتصر على بلد أو قارة وإنما باتت وباء يستشري في مختلف دول العالم، ولا شك أن عدم مواجهته في أي مكان يظهر فيه أو التراخي في التعامل معه إنما يؤدي لاستفحاله وامتداده كالنار التي تسري في الهشيم، ومن هذا المنطلق تأتي أهمية التعاون الدولي مع الصوماليين ومساعدتهم على التعافي من هذه الظاهرة، وهو ما كشفته جهود الشراكة التي تمت بين الصومال وبعض الدول أو المؤسسات الدولية للتغلب على الإرهاب والتي أشار إليها مسؤولون صوماليون.
وقد انعكست التطورات السياسية الإيجابية في الصومال على تطور علاقاته بدول العالم وبناء جدار الثقة الدولية في قدرات الإدارة الصومالية وجدارتها بتولي زمام الأمور واتخاذ القرارات الحكيمة والصائبة لتجاوز الأزمات المزمنة بعزيمة وإصرار مبنيين على روح العمل الجماعي من كل المؤسسات العاملة في الدولة. ومع السياسة الخارجية المتوازنة نجح الرئيس شيخ محمود في مد جسور التعاون مع مختلف دول العالم خاصة التعاون في المجال الأمني، حتى أصبح هناك شركاء للصومال يدعمونه ويمدونه ببعض الآليات المطلوبة في رفع قدراته الأمنية ومواجهة الأسلحة المدمرة التي تستخدمها جماعات العنف الإرهابية.
على الصعيد العربي تعد دولة الإمارات العربية المتحدة الداعم الأساسي للصومال في حربه ضد الإرهاب وأحد أهم الشركاء الدوليين له في هذا المجال، وهو ما أكده الرئيس شيخ محمود في تصريحات حديثة وقال إن الإمارات ساعدت حكومته في تدريب القوات التي أعادت الاستقرار إلى العاصمة مقديشو، وجهزتها بالمعدات العسكرية التي تستخدمها.
وعلى الصعيد الإفريقي تعد بعثة الإتحاد الإفريقي على رأس شركاء الصومال في مواجهة الإرهاب حيث اتخذ مجلس السلم والأمن الأفريقي في فبراير 2007 قرارا بإرسال قوة إفريقية قوامها ثمانية آلاف جندي إلى الصومال ثم تطورت بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال AMISOM، حيث كانت تضم حتى عام 2012 ما يقرب من 5000 جندي من دولتي أوغندا وبورندي، حتى صارت تضم 22 ألف جندي من خمس دول أفريقية، هي: أوغندا (6000 جندي)، وبورندي (5400 جندي)، وإثيوبيا (4300 جندي)، وكينيا (3600 جندي)، وجيبوتي (1000 جندي). ويعد الاتحاد الأوروبي الداعم الأكبر للبعثة؛ حيث قد قدم 1.1 مليار يورو لبعثة أميصوم خلال الفترة من (2007- 2015). كما أعلن مؤخرا عن تقديم مساعدات مالية إضافية بقيمة 120 مليون يورو و2.3 مليون جنيه إسترليني على التوالي لدعم الجيش الصومالي وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال. كما أعلنت بعثة الاتحاد الإفريقي (أتميص) أكثر من مرة أنَّها جزء من العمليات العسكرية التي حرَّرت بعض المناطق من الشباب، وإن كان دورها يقتصر على المشاركة في المعارك القريبة من قواعد تمركزها، وهي تعطي الأولوية للقيام بمهام حماية المواقع الحيوية، مثل المؤسسات الحكومية والمطارات والموانئ والطرق الرئيسة، لكنه دور حيوي أيضا وداعم للإدارة الصومالية في أداء مهمامها وواجباتها.
ومن بين الدول الإفريقية تأتي كل من إثيوبيا وكينيا وجيبوتي على رأس قائمة أهم الشركاء الأفارقة للشعب الصومالي في مواجهة الإرهاب بحكم التقارب الجغرافي وانتمائهم لمنطقة حيوية واحدة من العالم وهي منطقة القرن الإفريقي. وفي هذا الإطار كثَّف الجيشان الكيني والإثيوبي انتشارهما على طول حدودهما مع الصومال، كما شنَّت المقاتلات الكينية والإثيوبية العديد من الغارات على معاقل الحركة في الأقاليم المتاخمة للدولتين، بخاصة في أقاليم هيران وبكول وغدو وسط وجنوب الصومال، كما اتجهت الجارات الثلاث لتعزيز التنسيق والتعاون العسكري والأمني مع إدارة الرئيس شيخ محمود لمواجهة التهديدات المتصاعدة لحركة الشباب، لا سيما بعد الهجمات التي قامت بها الحركة في شمال شرق كينيا، وتنفيذ المئات من مقاتليها توغلات كبيرة (قرابة 100 كم) في العمق الإثيوبي، قبل التصدّي لهم وتكبُّدهم نحو 800 قتيل على يد شرطة “ليو” التابعة لإقليم الصومال الإثيوبي وقوات الدفاع الإثيوبية، وهو التعاون الذي أشار إليه الرئيس شيخ محمود في لقائه الأخير مع المواطنين.
كما سعت تركيا لتعزيز شراكتها مع الصومال وكان للمجال العسكري والأمني نصيب الأسد من هذه الشراكة حيث أنشأت تركيا أكبر معسكر تدريبي لها خارج البلاد في الصومال في 30 سبتمبر 2017، وقامت بتدريب ما يقرب من 5 آلاف كوماندوز يعرفون باسم (النسر)، و316 ضابطا و 392 من ضباط الصف.
جاء ظهور الرئيس شيخ محمود في الساحة السياسية بعد انتخابه رئيسا للجمهورية، عاملا إيجابيا في حث وتشجيع العالم الغربي لدعم الصومال في قضيته العادلة ضد الإرهاب. وعلى ذكر الاتحاد الأوروبي سابقا، تجدر الإشارة إلى أن هناك خارطة طريق تشغيلية مشتركة بينه وبين الحكومة الصومالية تم إطلاقها والإعلان عنها مؤخرا. وقد أشاد الممثل الأعلى الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل بالجهود الجادة للحكومة الاتحادية والتقدم المحرز في بناء السلام والتنمية في الصومال لصالح المواطنين الصوماليين وكذلك بالعمليات المستمرة الناجحة لمحاربة الجماعات الإرهابية.
وكانت عودة عناصر من القوات الأمريكية لدعم الإدارة الصومالية الجديدة في مواجهتها للإرهاب بمثابة نقطة تحول مهمة في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصومال بعد أن كانت قد انسحبت من المنطقة في ظل حكم ترامب. ففي أعقاب نجاح شيخ محمود في الانتخابات الصومالية، سمح بايدن لحوالي 500 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأمريكية بإعادة الانتشار في الصومال، وهي الخطوة التي اتخذها الرئيس الأمريكي لدعم الإدارة الصومالية وشعبها وشركائها في مواجهة الإرهاب. وقد بدا هذا الدعم في عدة صور منها تدريب مزيد من القوات الصومالية الخاصة المعروفة بـاسم “دنب”، في قاعدة بلي دوغلي في شبيلي السفلى التي يديرها الجيش الأمريكي والتي تنطلق منها الطائرات المسيرة لتوفير الغطاء الجوي للجنود أثناء المعارك، وكذلك توفير الدعم الجوي والاستخباراتي للجيش ورجال العشائر في حملتهم العسكرية المستمرة ضد حركة الشباب، وهو ما أثمر عن نتائج مهمة لتصفية الحركة عسكريا وتقويض عناصرها ماليا.
لا شك أن هذه الشراكات إلى جانب اتفاقيات التعاون المبرمة بين الصومال ودول أخرى في مختلف أنحاء العالم ما كانت لتتم وتكتمل لتحقيق مصالح الشعب الصومالي، لولا الجهود السياسية والدبلوماسية الكبيرة والخطوات الوثابة التي اتخذتها إدارة الرئيس شيخ محمود منذ توليه السلطة في البلاد لإذابة الجليد بين بلاده ودول العالم وتصفية المشاكل مع الجيران والأصدقاء والتحرك وفق منهج براجماتي يعلي المصلحة الوطنية، والعمل الدؤوب لاستقطاب الدعم العالمي لتحقيق استراتيجية دولته في النهوض الشامل على كافة المستويات والذي لا يمكن أن يتحقق في غياب عنصر الأمن ومن ثم كانت أهمية التعاون والدخول في شراكات مع الآخرين لأن ما أفسدته السنوات الطويلة في البلاد من حروب وصراعات وفساد، أكبر من أن يستطيع الصومال تغييره بمفرده خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها ونقص البنى التحتية والأدوات اللوجستية اللازمة لتحقيق الإنجازات المطلوبة سواء في المجال الأمني أو الاقتصادي والاجتماعي.
ويحسب للصومال توازنه الحالي في شراكاته وفق اعتبارات مصالحه الداخلية، وهو ما أكد عليه الرئيس شيخ محمود في لقائه بالمواطنين مؤخرا، ولكن يبقى أن تسعى الدولة جاهدة لاكتمال مقومات وعناصر قوتها وعلى رأسها وجود جيش قوي ومدرب ويمتلك أسلحة كافية لتمكينه من القيام بمهامه في حماية حدوده وأراضيه من أي تهديد، وكذلك تطوير الأجهزة الشرطية والاستعانة بخبرات وتجارب الأشقاء والجيران والأصدقاء في هذا الصدد لضمان ترقيتها بما يكفل قدراتها على ضبط النظام والأمن في ربوع البلاد.