الصومال وثوابت الإمارات
د. عمر عبد العزيز
آخر تحديث: 6/05/2017
منذ أن وقعت الصومال في محنة الحرب الأهلية إثر سقوط نظام الرئيس الراحل محمد سيد بري.. منذ تلك الأيام التي تمددت على مدى ربع قرن من متاهات التقاتل والحوارات والمؤتمرات والاستقطابات والأجندات الإقليمية والدولية، وجد الصوماليون ملاذاً وحاضناً في الإمارات العربية المتحدة، وكانت الإمارات وما زالت بناءة في استيعابها للحالة الصومالية، مؤيدة مؤتمرات الحوار الوطني الصومالي، وداعية للتمسك بالقواسم المشتركة بين عموم الصوماليين، ومساهمة حاضرة في اللحظات الأكثر حرجاً.
تلك الثوابت في السياسة الإماراتية تجاه المسألة الصومالية تتناسب طرداً مع ذات الثوابت الإماراتية في العلاقة مع الأشقاء والأصدقاء، ولقد أظهرت الأيام والسنين المعاني الإيجابية لسياسات الدعم المباشر وغير المباشر، مما كان له آثار إيجابية في المصالحة الوطنية الصومالية، ونجاح مؤتمرات الحوار الوطني، وصولاً إلى استتباب الشرعية على أساس الدولة الوطنية الاتحادية متعددة الأقاليم، الضامنة للمشاركة والمواطنة المتساوية، والذهاب بعيداً في التنمية.
هذه الحقائق الموضوعية والماثلة في الصومال تتجاور مع المتاعب والمورثات السلبية النابعة من سنوات غياب الدولة وانتشار الميليشيات، وإهمال التنمية، وقد كانت الجغرافيا الصومالية الممتدة على ما لا يقل عن مليون كيلو متر مربع سبباً أساسياً في التحديات التي تواجهها الدولة الصومالية، فهذه الجغرافيا الممتدة في السهول الواسعة والبحار الطويلة، والتداعي الحر مع أحوال الطبيعة، سبب مهم في دورة التعثرات الإنتاجية والمتاعب البيئية وتناقص بعض أوجه الخدمات، خاصة أن الدولة الخارجة من رحم الحرب الأهلية المديدة مازالت تكافح على درب استعادة البنية التحتية، وتدوير الاقتصاد الطبيعي، وترميم الشروخ الغائرة في جسد الاقتصاد الصومالي.
خلال الأيام القليلة الماضية جاءت زيارة الرئيس المنتخب (فرماجيو) للإمارات بمثابة إشارة مهمة لمعنى التعاضد والتكافل على درب تليين المصاعب، وقد جاءت المبادرة الإماراتية تحت عنوان (من أجلك يا صومال) بمثابة الترجمان الناصع لدور الإمارات في اجتراح المبادرات البناءة، ومساعدة الشعب الصومالي على تخطي اللحظة الراهنة.
تتمتع الصومال بكامل المقدمات الجغرافية والديمغرافية والمهنية والاقتصادية، للانطلاق في مسيرة الألف ميل، فسنوات الشتات والهجرة الكبيرة لملايين الصوماليين، وبالرغم من آلامها ومتاعبها أثمرت تفاعلاً خلاقاً مع بيئات دولية متنوعة، وأسفرت عن جيل من العلماء والحرفيين والنشطاء الاقتصاديين والأدباء والفنانين، حتى أنه يمكن القول بكل ثقة إن العودة الكبيرة لملايين الصوماليين من المهاجر من شأنها تنمية بيئة إبداع تفاعلية معولمة بالفكر والمعرفة والمهن، وهذه الحصيلة بجملتها تشكل رافداً حيوياً من روافد التنمية المتسارعة التي سيكون لها آثارها المحمودة في القريب العاجل.
في هذه اللحظة بالذات تكتسي المساهمة الأفقية والرأسية في معاضدة الصومال الشقيق معنى خاصاً، فما يجري هناك استثمار استراتيجي لصالح الأمن والسلم والتطور، ولا يمكن لأي بلد ابتلي بالحروب البينية أن يخرج من متاهاتها إلا بتغيير الوجود الاجتماعي لمواطنيه، كمدخل لتطور الوعي الاجتماعي، والانصراف لما ينفع الناس، والتخلي عن ثقافة العنف والكراهية والإلغاء.
المصدر: الخليج