الصومال والسعودية: مراحل تطوير العلاقات التاريخية
عمر عرب
آخر تحديث: 5/02/2022
عمر عرب إبراهيم / كاتب صومالي
بدايةً أود الإشادة بدعم المملكة العربية السعودية لبلادي جمهورية الصومال الفيدرالية، وبالعلاقات الأخوية والتاريخية التي تربط بين البلدين، ودور المملكة الريادي في العالم العربي والإسلامي.
وفي الأسطر التالية سوف أتناول العلاقات التاريخية بين الصومال والجزيرة العربية عامة وبين الصومال والمملكة العربية السعودية الشقيقة خاصة، والتي تستحق أن توصف بجدارة بالعلاقة التاريخية الأخويةبين البلدين الشقيقين، لأنها تمتد عبر التاريخ، وتوطدت منذ ظهور الإسلام ومازالت مستمرة حتى الأن، ويذكر المؤرخون أن هذه العلاقات بجوانبها التجارية والاتصالات البشرية كانت مستمرة عبر الموانئ البحرية التي كانت مزدهرة طوال تاريخها الممتد لقرون عبر مينائي”زيلع” و”بربرة” في شمال الصومال،حيث شكلت الموانئ الصومالية وغيرها العمود الفقري للعلاقة بين سكان ساحل البحر الأحمر والسكانالمقابلين لهم على الضفة الأخرى في الجزيرة العربية قبل الإسلام وبعده.
وقد تطورت هذه العلاقات بطبيعة الحال بعد ظهور الإسلام، وامتدت في بادئ الأمر إلى بلاد الصومال قبل موجات الانتشار الأخرى للدين الحنيف في البلدان المجاورة للجزيرة العربية، أو إلى بلاد الإسلام المنتشرة في كافة أرجاء المعمورةوالتي بلغتها الدعوة أو وصلتها الفتوحات الإسلامية العظيمة.
الهجرات المتبادلة:
على مر العصور والقرون توطدت هذه العلاقات وتطورت بوجود الجسر البحري بينمينائي”زيلع” و”بربرة”، وموانئ المملكة في كل من القنفذة وجيزان وجدة على ساحل البحر الأحمروبروز ظاهرة الهجرات المتبادلة، والتي لا شك أن الباحثين في تاريخ المنطقة سيوفونهاحقها من الدراسة والبحث لأجل فهم أعمق لانسجام النماذج والتقبل الشعبي لتطوير هذه العلاقات من جوانبها الاجتماعية والاقتصادية، وأيضا من جهة الهجرات التي ساعدت على إقامةمصالح تجارية سمحت بنقل السلع والثقافة بين ضفتي البحر الأحمر لقرون طويلة،كما أن العديد منأبناء الصومال وبحكم الروابط الدينية وأدائهم النشط لفريضة الحجوالعمرة أقاموا بالمملكة كعلماء أو طلاب علم، وهذا أدى إلى اندماجهم وانصهارهم فيمجتمع المملكة الإسلامي الذي يقوم على التآخي والمساواة تحت الحكم السعودي، وقد ساهم هذا التمازج في تسهيل نمو وتطور العلاقات بين الشعبين والانطلاق بها نحو آفاق أرحب في مختلف مراحلها التاريخية، وهذادليل على ما يربط بيننا من وشائج القربىوالمحبة والمصالح المشتركة المتجذرة في أعماق التاريخ.
وفي التاريخ الحديث بدأت العلاقات بين البلدين منذ استقلال الصومال عام 1960موتوجت بزيارة جلالة الملك/ فيصل بن عبدالعزيز عام 1962م إلى الصومال،حيث استهل الملك/ فيصل زيارته الأولى للصومال بلقاء رئيسها الأول وزعيمها التاريخي/ آدم عبدالله عثمان.
من أبرزثمار هذه الزيارة والقمة التاريخية بين الزعيمين انعقاد المؤتمر الذي بموجبه تأسست رابطة العالم الإسلامي،حيث ألقي الرئيس الصومالي آنذاك/ آدم عبدالله عثمان،كلمة في القمة طالب فيها بعقد مؤتمر قمة للدول الإسلامية لتدارس شؤون المسلمين، وفي السنة ذاتها انعقد المؤتمر في موسم الحج بمكة المكرمة، ومن جانبه أثنى الملك فيصل في كلمتهعلى دعوة الرئيس الصومالي،وبالتالي كان الصومال إلى جانب السعودية عضواً مؤسساً لمنظمة المؤتمر الإسلامي عام 1969م، ثم انضمت الصومال إلى الجامعة العربية عام 1974م، لكن الازدهار الكبير لهذه العلاقة بدأ عام 1977م بعد حرب “أوغادين”.وقد ظل الرئيس الصومالي على صلة عميقة بالمملكة وزارها عدة مرات، في حين أصدرت الصومال عام 1967م طوابع بريدية بمناسبة زيارة الملك الفيصل لها.
وفي ظل الاستقطابات الدولية بين الغرب والشرق وحرص السعودية على أن تكون الصومال في ذات الصف معها، حيث كانت السعودية تعادي الدول الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي سابقا، وهنا سوف استشهد بجزء من مقابلة أجريت مع سفير المملكة العربية السعودية في مقديشو آنذاك/ طه الدغيثر، نهاية عام 1980م، والتي نشرت في صحيفة المدينة السعودية حيث قال: “لقد كانت الفترة من عام 1977م إلى هذه المرحلة من عمر العلاقات الطويلة بين البلدين زاخرة ومزدهرة بكل المقاييس، وذلك ليس بسبب رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين وترقيته لاستيعاب الأماني المشتركةالتي برزت وتبلورت في هذه الفترة وحسب، بل أيضاً بسبب قنوات الاتصال المباشرة، والوفود المتبادلة، وازدياد اتصالات التشاور والتنسيق حول مختلف القضايا المحلية والدولية والإسلامية والعربية”
وخلال السنوات العشرين الماضية لم تدخر المملكة العربية السعودية جهدا في سبيل نصرة القضية الصومالية وإنهاء الحرب الأهلية، وضخت أموالا طائلة من أجل تحقيقالمصالحة بين الأشقاء الصوماليين المتقاتلين، وشاركت بقوة في جميع مؤتمرات المصالحة التي عقدت في كل من جيبوتي، وأديس أبابا، ونيروبي، بل واستضافت في جدة قيادات من الحكومة الصومالية عام 2007م، ووعدت بتقديم ملايين الدولارات لإعادة بناء المؤسسات الوطنية واعمار البلاد، كما طرحت مبادرة للمصالحة بين حكومة الرئيس الراحل/ عبد الله يوسف والمحاكم الإسلامية.
ومنذ ذلك الحين وإلى اليوم لا تفتأ المملكة من السعي إلى تحقيق هدفها السامي، وهو أن ترى الصومال دولة قوية موحدة، ولهذا فالمملكة لا تترد في دعوة واستضافة رؤساء الصومال إلى الرياض وجدة لبحث سبل تعزيز علاقات التعاون في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك وتقديم مساعدات إنمائية غير مشروطة للصومال وشعبها.
المساعدات الإنسانية:
ومن الناحية الانسانية لم ولن يمحى من ذاكرة الصوماليين دورالمملكة وأشقائها الخليجيينفي الجهود الدولية لمساعدة المنكوبين جراء المجاعات التي ضربت الصومال أعوام 1992ـ 2011ـ2016م، حيث مد السعوديون في مواسم الجفاف هذه جسورا اغاثية إلى الصومال برا وبحرا وجوا،وأرسلوا كميات كبيرة من الأغذية والمواد الاغاثية والأدوية ذات الجودة العالية إلى أقاليم البلاد المختلفة، مما ساهم في إنقاذ أرواح مئات الصوماليين في مراكز اللجوء والنزوح.
أضف إلى ذلك افتتاحالمملكة العربية السعودية في الصومال مكتبا تابعا لمركز الملك سلمان للإغاثة والإعمال الانسانية لدعم ومساندة اللاجئين اليمنيين في الصومال، وأيضا المواطنين الصوماليين، وتنفيذبرامج إغاثية متعددة شملت المجالات الصحية والإغاثية، إلى جانب بعض الجهود في المجالات التعليمية والاجتماعية الرامية لدعم الأسر الصومالية وحمايتها وتأهيلها.
العلاقات التجارية:
تعد الصادرات الصومالية من المواشي من أهم صادرات الصومال للمملكة ودول الخليجالعربي خاصة في موسم الحج. أما في مجال التعاون بين الحكومتين فهناك علاقة قوية بينهما خصوصاًفي مجال التعاون مع وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية في كيفية تطوير التجارة الزراعية والحيوانية بين البلدين الشقيقين، وتنفيذ اتفاقيات سابقة في شأن تطوير الطب البيطري والاعتماد على وثائق الطب الرسمية الصادرة من وزارة الثروة الحيوانية والغابات والمراعي الصومالية.
وبهذه المناسبة أود أن أتوجهبالشكر والعرفان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ الذي أصدر أمره الملكي الكريم لوزارة البيئة والمياهوالزراعة السعودية لرفع الحظر عن استيراد المواشي الصومالية إلى المملكة، وكانت تلك خطوة إيجابية منذ إقرار وزراء خارجية الدول العربية في قمتهم التي عقدت في القاهرة لتعزيز التجارة مع الصومال واعتماد صادرات المواشي من الصومال الى الأسواق العربية.
ختاما، أود التنويه بجهود المملكة في تعزيز العلاقات الثنائية التيتوجت في الآونة الأخير بتعيين سفير لخادم الحرمين الشريفين لدى الصومال وهذا ان دل على شيءفإنما يدل على أن المملكة تسعى إلى توطيد أواصر العلاقات الثنائية مع حكومة جمهورية الصومال الفيدرالية وترغب في تعزيزها لما فيه مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين، ونشكر ايضا دور المملكة المستمر في دعم الصومال بشكل منتظم سياسيا وإنسانيا منذ انهيار حكومتنا المركزية وحتى يومنا هذا.