الصومال ملك للأموات!!
محمد عبد الله أبوبكر (طالي)
آخر تحديث: 22/06/2015
محمد عبدالله أبوبكر (طالي) / صحفي وناقد اجتماعي
سؤال واحد يكفيك عن فهم شخصية المواطن الصومالي، فإدا سألته “من أنت؟” أول اجابة يعطيك تكون “أنا الفلاني” وفلان الذي ينتسب إليه هو رجل مات قبل قرون وتفرعت منه أجيال لتشكل قبيلة تحمل اسمه.
هو مواطن ينتمي إلى وطن اسمه الصومال، لكنه لا يحمل في قلبه قدر قطرة ماء من ولاء لوطنه، فبدلا من ذلك، يرى نفسه ملكا للقبيلة، والقبيلة عبارة عن اسم رجل مات ودفن قبل قرون، لكن اسمه صار سيد الموقف عند أجيال متتالية، فهم يعيشون بسبب هذا الاسم ويموتون بسببه، يتقاتلون بسببه ويتفقون بسببه، فاسم القبيلة أغلى شيء يوجد في حياة ابناء القبيلة عند بعض الصوماليين.
يعتقد البعض أن القبلية هي العامل الأساسي وراء انهيار الحكومة في الصومال واندلاع المعارك الاهلية في مطلع تسيعنات القرن الماضي، إذ إن مليشيات تأسست على أسس قبلية كانت تقود آنذاك الانتفاضة الشعبية ضد النظام العسكري في البلاد.
ونجحت المليشيات المعارضة في هدف انتفاضتها في اوائل عام 1991م، بعد تمكنها من إسقاط النظام العسكري، لكن الأمور لم تقف عند هذا الحد، بل تأججت الأوضاع بسبب القبلية، في حين بدأت المليشيات تتحارب فيما بينها على انتماءاتها القبلية.
تفتحت أبواب معارك وصفت بالفتن، وانتشرت الفوضى في انحاء البلاد، مما أدى الى أن تصبح الصومال كالغابة حيث يسودها قانون يسمى بـ” قانون الغابة”؛ ذلك القانون الذي يسمح لكل قوى أن يقتل الضعيف دون أن يحترم لأي ضوابط أخلاقية أو شرعية.
كلمة الضعف أخدت تعريفا لغويا آخر عند الكثيرين الذين اعتمدت حياتهم على القبلية بشكل تام، وإذا كانت اللغة تُعرِّف الضعيف بكل من لا يملك القدرة الجسدية اوالمالية أو غيرهما، وتجعل الشخص النحيف أضعف جسديا من الشخص السمين، فالصوماليون الذين تأثروا بالقبلية أعطوا الكلمة معنى آخر؛ جعل الضعيف من القبيلة المسلحة أقوى من القوي من القبيلة المسالمة.
مرت بتاريخ هذا الشعب أيامُ كان فيها قتل الانسان أسهل ما يقوم به الشخص، فكان كل من غضب على شخص يقتله، وكل من تشاجر أو تجادل مع شخص يقتله.
أتذكر أن أحد أبناء منطقتنا قد طلب ذات يوم من أبيه قدرا من المال ليشتري به أشياء كان يريدها، لكن الأب رفض تلبية طلب إبنه، وتوعد الإبن بأنه إن لم يجد ما يطلبه الآن من المال سيخطو خطوات تجعل الأب والقبيلة كلها تندم على رفض طلبه هذا، تجاهل الأب طلب الابن وتهديداته، وذهب الابن إلى السوق بحثا عن شخص من قبيلة أخري ليقتله حتى تندلع بسبب ذلك القتل معركة الاصطياد وتبادل التصفيات بين القبيلتين، وفعلا وجد الابن الذي غضب من أبيه رجلا خرج من مسجد قريب من المنطقة، فأطلق عليه وابلا من الرصاص حتى سقط الرجل قتيلا.
هكذا أطفأ الإبن شرارة الغضب التي كانت تشتعل في داخله، وافتخر بما فعله من قتل شخص مسكين بسبب إنتماءه القبلي، وما حدث بعد تلك الفعلة كانت خطوة أخرى تزيد الفخر والجبروت في نفس الجاني وذلك بعد أن تم حسم القضية بأخد الدية من قبيلة القاتل مقابل افساح المجال للقاتل لتتأكد له بانه حر طليق وبامكانه أن يدمر العالم كله طالما هو تحت مظلة قبيلته القوية التي ترى الأرض ومن يعيش على سطحها ملكا لفلان (جد القبيلة) المتوفي قبل قرون، كأن فلانا يتربع على كرسي في داخل ضريحه ويشاهد ما يفعل أحفاده من بلاء في الكون!!
حاليا، يعيش في نفس المنطقة قاتل الرجل المسكين وأبناء المرحوم، فهل نتتطر منهم غير الحقد والكراهية المبنية على القبلية؟ أبدا، لن ينتهي الحقد القبلي في وسط هذا المجتمع؛ مادامت القبلية تجري في شرايين المواطن الصومالي كما يجري الدم في شرايين جسم الانسان.
كان ذلك خير مثال لما حدث في الصومال في سنوات الحروب الأهلية في التسعينيات وحتى مطلع القرن الجاري. وعلى الرغم من أن الوضع قد تحسن في السنوات الأخيرة بعد انخفاض عدد المعارك القبلية التي كانت تحدث في البلاد سابقا، إلا أن العقلية الصومالية لم تزل تؤمن بالقبلية إيمانا صادقا يجعل حياة الشخص كلها ملكا للجد الراحل الذي تنتسب إليه القبيلة.
روح القبلية انتشرت في أجساد أبناء أمتنا، وأصبحت الدافع الأقوى الذي يجر المواطن الصومالي ويقوده إلى الامام ليخطو خطوات نحو حياته العادية، بل ازداد الأمر خطورة بعد أن باتت القبلية قاعدة لبناء مؤسسات الدولة.
كانت الصومال قد أخدت نظام الحكم الفيدرالي ليكون الحل الأنسب لإنهاء النزاعات بين القبائل الصومالية حول تقاسم السلطة، لكن الفيدرالية أخدت شعار القبلية هي الأخرى وصارت آلة لتأجيج الوضع السياسي المتدهور أصلا.
لم تعد القبائل تتفق على أي خطوة سياسية كما أنه لم ولن تتفق على الخطوات الأخرى المتعلقة بجوانب الحياة. لم يجد الاتفاق والتفاهم مكانا في وسط المجتمع الصومالي المتكون من قبائل يكره بعضها البعض. فمبدأ القبلية في الصومال هو عبارة عن رفع شعار الاختلاف وخفض شعار الاتفاق. كلما وجد بين افراد القبائل تقارب، ارتفع شعار القبلية ليزيل التقارب حتى يحل محله التباعد والتنافر.
الدور الوحيد الذي تلعبه القبيلة في وسط مجتمعنا هو أن ينتسب الفرد إلى القبيلة وأن يحفظ سلسلة نسبه كحفظ سور القرآن، ويقوم الشخص بتلاوة اسماء أجداده وسلسلة نسبه القبلي في كل مكان وزمان وهو فخور بكونه ينتمي إلى تلك القبيلة.
قائد القبيلة هو ذلك الرجل الذي ورث السلطة من أبيه، وقد تم اختياره أيضا لكونه خبيرا في تاريخ القبيلة والمعارك التي خاضتها مع القبائل الأخرى، كما هو يتمتع بمعرفة عميقة حول تفرعات القبيلة وغيرها من المعلومات المتعلقة بها. كل تلك الصفات جعلته مؤهلا لقيادة مصير القبيلة. فالهدف الوحيد الذي يسعي هذا القائد إلى تحقيقه هو الحفاظ على اسم القبيلة ليكون مكتوبا في سجل القبائل الكبرى في البلاد لأن القبليين يعتقدون بأنهم موجودون في هذا الكون من أجل الخدمة لذلك الاسم. نعم، هي الخدمة المفضلة عند القبليين، فهم يضحون بالنفس والنفيس من أجل رفع اسمهم في حين أن العشرات من أبناء القبيلة يموتون جوعا دون أن يجدوا حبة خبز من هؤلاء الذين يخدمون لصالح اسم القبيلة.
لا شك أن من يسعى إلى إحياء اسم القبيلة وإماتة الأنفس الحية المنتمية إلى القبيلة هو من يخدم للأموت لأن إسم القبيلة كان ملكا لذلك الجد الذي توفي قبل قرون بينما هؤلاء الضعفاء المنتمون لنفس القبيلة والذين يموتون الآن بسبب الجوع يستحقون المساعدة للحفاظ على حياتهم.
يمكن القول بأن القبلية سم خبيث يدخل في قلب المرء ليقنعه بأن يفضل كل ما يفرح القبيلة على كل شيء آخر حتى وإن كان ذلك الشيء مفيدا لحياة البشرية باكملها. هدا دليل على أن القبلية هي التي تضع القفل على عقل الانسان وتغطي أعينه حتى لا يبصر الجمال في محيطه.
وفي النهاية أقدم الي القراء الأعزاء عدة نقاط كتوصيات لمقالي هذا، واعتقد بأن تلك النقاط إذا تم تطبيقها ستؤدي إلى استخدام اسم القبيلة في الطرق الأكثر فائدة لأبناء القبيلة كلهم:
1. تبني ايديولوجيات وطنية تحل محل القبلية لتؤدي إلى الحصول على هوية توحد شرائح المجتمع تحت مظلة قومية. وهذه الايديولوجية تحتاج إلى فترة زمنية ليتم زرعها في نفوس الأجيال القادمة مادام الجيل الحالي ومن قبله من الأجيال قد تلطخت قلوبهم بالافكار القبلية السيئة.
2.محاولة إيجاد قادة مثقفين للقبائل والذين بدورهم سيخدمون من أجل تطوير عقول أبناء القبيلة وفتح المجال للتنافس على العلم والتعليم بدلا من التنافس على الانساب التي لا تخدم مصلحة حياة الانسان.
3. الاستفادة من اسم القبيلة بطرق إيجابية والتخلي عن الطرق السلبية التي كان هذا الاسم يستعمل فيها، هذه الطرق الايجابية من ضمنها جمع تبرعات مالية من أفراد القبيلة لتقديمها إلى المحتاجين وعلى رأسهم طلبة العلم حتى ينشأ في المستقبل القادم جيل يتمتع بالعلم والمعرفة، وذلك الجيل سيكون له تأثير ايجابي على سياسة البلاد ، وعند تحقيق سياسي ينتسب إلى هذا الجيل انجازات فالثناء سيعود إلى القبيلة التي ينتمي إليها هذا السياسي الناجح.
4. أن يفتخر المرأ باسمه الشخصي وإنجازاته بدلا من الافتخار باسم القبيلة الذي لا يعكس الشخصية الحقيقية للمرء، فاذا رفع المواطن الصومالي شعاره الشخصي ووضعه على رأسه فعندها سينتهي الدور الوهمي للقبيلة في تكوين شخصية المرء، مما سيقود المجتمع الصومالي كله الى التفاخر والتنافس بالنجاحات والانجازات الشخصية لتكون الأمة على طريق التقدم وليكون الوطن ملكا للأحياء بدلا من كونه ملكا للأموات كما هو الوضع الآن.