الصومال عند مفترق الطرق: مواجهة حركة الشباب الارهابية وإخفاقات الحكم بين المأزق والأمل   

الصومال الجديد

آخر تحديث: 13/05/2025

[supsystic-social-sharing id="1"]

1. حركة الشباب: تهديد لا ينتهي

لا تزال حركة الشباب تمثل التحدي الأمني الأكثر خطورة في المنطقة، حيث تحولت من تنظيم متمرد إلى “دولة ظل” تسيطر على مساحة شاسعة من البلاد وتفرض الإتاوات على الشعب، بل وتُجيد استغلال ثغرات الحكومة المركزية. ورغم الحملات العسكرية المدعومة من بعثة الاتحاد الأفريقي (AUSSOM) والغارات الجوية للدول المتحالفة، تظل المعركة غير متوازنة وبدون نجاعة حقيقية. عندما تحرر القوات المسلحة المدن الكبيرة، تنسحب “الشباب” إلى الأرياف وتنشر فكرتها الإرهابية من أجل التأثير والتجنيد، مستفيدةً من الفقر المدقع وغياب الخدمات وانتشار الفساد. الأكثر خطورةً هو تحول حركة الشباب المتطرفة إلى “ظاهرة مجتمعية” تجتذب اليائسين والمهمشين -وهو ما يُظهر أن الحل الأمني وحده غير كافٍ في دحر التطرف دون استراتيجية اقتصادية وسياسية موازية. فبمجرد أن يصبح الفساد أمرًا طبيعيًا ويتغلغل في جميع مؤسسات الدولة، لا يعود اللوم على الشعب إذا لجأ إلى الأيديولوجيات المتطرفة والأفكار المتطرفة بحثًا عن حلول.

2. القيادة المنعزلة: حين يصبح الحكم “فن تفويت الفرص”  

يفتقر الرئيس حسن شيخ محمود إلى الرؤية الجامعة والحس القيادي، حيث تحولت إدارته إلى نموذج للحكم المركزي الضيق، الذي يعتمد على دائرة مغلقة من المستشارين المنفصلين عن واقع الشارع الصومالي. والأنكى من ذلك فشله في توحيد الجبهة الوطنية وقيادة الأمة نحو الأهداف السامية؛ فبدلاً من أن تكون الدولة حاضنة للجميع والرئيس جسرًا يربط بين الأقاليم  والحكومة المركزية والمجتمع الدولي، أصبح مصدرًا للانقسام والاحتقان المجتمعي بسبب قراراته الأحادية، مثل التعديلات الدستورية المثيرة للجدل، وتجاهله مطالب القوي السياسية المعارضة مما أدى إلى احباط الشعب الصومالي وتضعضع ثقة المجتمع الدولي، وتنامي الشكوك حول قدرة الصومال على قيادة نفسه بعد ربع قرن من المساعدات الخارجية.  

3. الفساد: الورم الذي ينخر جسد الدولة

لا يزال الفساد المستشري يُضعف ثقة المجتمع في الحكومة ويزعزع القيم الأخلاقية ويُعيق الحوكمة الفعالة. ومن المؤسف أن تعاني مؤسساتنا الرئيسة -بما في ذلك المؤسسات الأمنية- من تفشي الاختلاس والمحسوبية وإساءة استخدام السلطة، حتى باتت مؤسسات الدولة أدوات للزبونية، مما يقوض أي جهد للإصلاح والنهضة. وحتى الآن، تظل الإجراءات الرقابية حبرًا على ورق، بينما تُشترى الولاءات السياسية بأموال دافعي الضرائب المحلية والدوليين.  

4. الاقتصاد: الإعاقة الدائمة: يعتمد 80% من الموازنة الصومالية على المساعدات الخارجية، بينما تصل البطالة بين الشباب إلى 75% وهي أرض خصبة للتجنيد الإرهابي. ومع ذلك، لا توجد رؤية واضحة لتنويع الاقتصاد أو دعم القطاعات الإنتاجية، مما يحكم على الصومال اعتمادا كليا على المجتمع الدولي.

السياسة الخارجية غير المنتظمة: في ظل قيادة الرئيس حسن شيخ محمود. اتسمت السياسة الخارجية الصومالية بالتذبذب وعدم وضوح الرؤية. ونظرًا لموقعها الاستراتيجي الجيوسياسي، واجه الرئيس صعوبة في الحفاظ على نهج متوازن في إدارة العلاقات والمصالح الإقليمية المتنافسة. وقد أضعفت التغييرات المتكررة في التحالفات، والمواقف الدبلوماسية غير الواضحة، والفشل في وضع أجندة موحدة السياسة الخارجية مما أدي  إلى سياسة خارجية غير مستقرة ومتوازنة.

بدون إطار عمل عملي وواضح للسياسة الخارجية، يظل الصومال عرضة للضغوط الخارجية، مما يعوق قدرته على تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي على المدى الطويل. وللتعامل بفعالية مع المشهد الجيوسياسي المعقد، يجب على الصومال تعزيز مؤسساته الدبلوماسية، وإعطاء الأولوية للدول التي ترتبط الصومال معها بالأواصر الثقافية والارتباط التاريخي،  والأمن القومي،  والتعاون الإقليمي، وهذا يتطلب صياغة رؤية استراتيجية واضحة للنجاح الدبلوماسي.

مسارات الاستقرار

تواجه الصومال تحديات حوكمة منهجية، متجذرة في عيوب هيكلية لا يمكن لأي إدارة بمفردها حلها. ومع ذلك، فإن خطورة الأزمة الحالية تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع المزيد من زعزعة الاستقرار. ولا بد من توجيه هذا التدخل نحو أولويتين أساسيتين:

1. تشكيل حكومة تكنوقراطية: من الضروري وجود إدارة جديدة بقيادة رئيس وزراء كفؤ وكوادر مؤهلة. يجب على هذا الفريق وضع استراتيجية شاملة للتصدي لهجوم حركة الشباب وضمان التنسيق العملي بين القوات الاتحادية والإقليمية، ووضع خطة انتقالية محددة زمنياً مع معايير مرجعية قابلة للتحقق لتمكين القوات الصومالية من تولي مسؤولياتها الأمنية كاملة.

2. مصالحة سياسية حقيقية: يجب على جميع أصحاب المصلحة – الولايات الاتحادية، والقوي المعارضة، والمجتمع المدني – الانخراط في مفاوضات منظمة لوضع إطار انتخابي شامل، يضمن الشفافية والرقابة الدولية.

لا شك في قدرة الصومال على الصمود، ولكن لا يمكن تحقيق إمكاناتها إلا من خلال قيادة تُعطي الأولوية للوطن على الفصائل، وللاستراتيجية على التكتيكات قصيرة المدى، وللشرعية على المصالح السياسية. ويظل البديل هو استمرار عدم الاستقرار الدوري.

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال