الصومال بعد نصف قرن من ثورة سياد بري

صفاء عزب

آخر تحديث: 2/11/2019

[supsystic-social-sharing id="1"]

القاهرة- خمسون عاما كاملة مرت على ثورة الحادي والعشرين من أكتوبر التي قام بها الجنرال محمد سياد بري عام 1969 واستولى من خلالها على الحكم في الصومال من خلال ما سمي ب”الإنقلاب الأبيض” ليشكل حكما عسكريا صارما جاء في أعقاب فترة من الحكم المدني الذي استمر قرابة تسع سنوات.
وعلى الرغم من مرور نصف قرن على تلك “الثورة” إلا أنها لا زالت تثير الجدل حول تأثيرها في الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية بالصومال حيث تنقسم الآراء حولها ما بين مؤيد يرى فيها عصرا ذهبيا للصومال بإيجابياتها المهمة التي انعكست على البلاد ، وبين معارض يعتبرها وأدا لتجربة الحكم المدني التي سبقتها وامتدت لسنوات قليلة دون أن تتاح لها الفرصة كاملة لجني ثمارها السياسية.
واقع الأمر أن ظهور الجنرال العسكري سياد بري على الساحة السياسية في الصومال وتشكيله مجلس أعلى للثورة، تبعه إصدار عدد من القرارات الحاسمة منها حل البرلمان والمحكمة العليا وتعليق العمل بالدستور ومنع الأحزاب واعتقال الحكومة المدنية، ونتيجة لذلك أحكم بري قبضته على البلاد على مدار أكثر من عقدين من الزمان. الأمر الذي اعتبره البعض نظاما عسكريا استبداديا بسبب اختصار السلطة كلها في يد بري بشكل أضر بمستقبل البلاد لاستفزازه الجبهات القبلية لحمل السلاح ودخول البلاد في فوضى الصراعات الداخلية والحرب الأهلية، بالإضافة لاتباعه النهج الإقتصادي الشيوعي الذي رفضه المجتمع الصومالي بحكم طبيعته المتدينة.
على الجانب الآخر كانت هناك بعض الإيجابيات التي ثمنها المؤيدون لبري وجعلتهم يرون في حكمه فترة ذهبية في تاريخ الصومال، لما شهدته من إنجازات كثيرة منها رفع كفاءة الجيش الصومالي مما جعله في مصاف القوى العسكرية الكبرى في إفريقيا بعد مصر ونيجيريا وذلك في فترة السبعينات من القرن العشرين، وهو ما حرمت منه البلاد بعد انقضاء فترة حكم بري. كذلك يؤرخ لتلك الفترة بأنها من أهم عصور الإنجازات العلمية والثقافية في الصومال سيما بعد كتابة اللغة الصومالية وتدوينها بالحرف اللاتيني، والذي صاحبهتا حملات تطوير الريف ومكافحة الأمية والتعليم المجاني في منتصف السبعينات من القرن الماضي. يضاف إلى ما سبق أن فترة تلك “الثورة” شهدت حالة من الإستقرار السياسي والأمني الذي ساعد على تحريك عجلة الإقتصاد وسمح بتحقيق ازدهار اقتصادي مقارنة بما أعقبه من فترات غير مستقرة. وعلى المستوى الخارجي كان للصومال وزن دولي وإقليمي كبير سيما مع انضمامه لجامعة الدول العربية عام 1974.
وكان من الممكن أن يجني الصوماليون بعضا من ثمار إيجابيات تلك الفترة لتعويض سلبياتها، لولا بعض الظروف التي مرت بها البلاد وخاصة عندما خاض الجيش الصومالي بأمر سياد بري حربا شرسة ضد إثيوبيا من أجل استعادة “أوجادين” عام 1977، والتي انتهت بهزيمة قاسية للقوات الصومالية بسبب تدخل المعسكر الإشتراكي، وهو ما ترك أثارا سلبية ممتدة لعصور طويلة. كما أدت ديكتاتورية سياد بري إلى إثارة حركات التمرد ضده وانتهى الأمر بالإطاحة به عام 1991 لتدخل الصومال بعدها في حروب أهلية لا زالت توابعها الكارثية مستمرة حتى اليوم.
لقد كانت الفرصة ذهبية أمام نظام بري و”ثورته” أو “إنقلابه” الأبيض لبناء مؤسسات الصومال ودفع بلاده نحو مزيد من التقدم والإزدهار لو لم ينتهج الأسلوب الديكتاتوري في حكمه لبلاده ويثير ضده الغاضبين والثائرين، لكنه تسبب في سلبيات خطيرة لا زال الشعب يعاني ويلات نتائجها وأخطرها ظهور الجماعات المسلحة والحركات المتشددة التي انبثقت من أجواء الصراع السياسي والقبلي في ظل حروب أهلية وظروف معيشية غاية في الصعوبة.
وعلى الرغم من كل ذلك فإن الفرصة تتجدد من وقت لآخر لتوفير مناخ سياسي آمن ومستقر يساعد على تحقيق تقدم اقتصادي ينتظره عدد كبير من الصوماليين الباحثين عن مستوى معيشي آدمي.
إذا كانت ثورة الحادي والعشرين من أكتوبر قد خذلت كثيرا من الصوماليين وتركت آثارا سلبية على حياتهم حتى اللحظة، فإنه مع تجدد ذكراها يجب إعادة قراءتها بشكل مختلف لا يخلو من الموضوعية للإستفادة من خبراتها وتجاربها السيئة قبل الحسنة تجنبا لتكرار الوقوع في أخطائها.
إن الفرصة مواتية للم الشمل الصومالي وسد الثغرات ورأب الصدوع المفتعلة في الجسد الصومالي ووضع المصالح الشخصية جانبا من أجل بناء البلاد وخير العباد. إذا كان هناك صراع سياسي ساخن بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم وكذلك قوى المعارضة المختلفة فلا يجب أن يخرج هذا الصراع عن حدود الحفاظ على سلامة البلاد واستقرارها والعمل في إطار العملية السياسية الديمقراطية التي ضرب فيها الصوماليون مثلا طيبا خلال السنوات الأخيرة باختيارهم لرؤسائهم في أجواء انتخابية راقية، وتمثل قدوة طيبة لكثير من الشعوب الإفريقية. والمطلوب هو المضي قدما في المسيرة الديمقراطية والعمل الدؤوب لتفعيل المناخ الديمقراطي من خلال أدواته المعمول بها في البلاد، ولتكن انتخابات 2020 هي الهدف الذي يعمل السياسيون الصوماليون انتظارا له لإثبات الجدارة السياسية وترك الفرصة للمواطن الصومالي أن يختار الأفضل ليكون الوطن الصومالي هو الفائز الأكبر بأبنائه المخلصين حكاما ومحكومين.

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال