الصومال بحاجة إلى قيادة وطنية
محمد رشيد
آخر تحديث: 19/12/2016
بقلم محمد رشيد
مر الصومال بمراحل مختلفة منذ سقوط الحكومة المركزية برئاسة اللواء محمد سياد بري في عام 1991 ذاق أهلها في تلك المراحل ويلات الحروب الأهلية التي أعقبت انـهيار النظام نتيجة انشطارات في الجبهات المسلحة المتحالفة لإسقاط النظام؛ مما أدى إلى حدوث كوارث إنسانية في البلاد وهروب ملايين من المواطنين عن البلاد لاجئين إلى دول مختلفة في العالم.
تعاقبت حكومات انتقالية على سدة الحكم في الفترة من عام 2000 إلى 2012 تم تشكيلها في إطار جهود دولية وإقليمية هادفة إلى إعادة النظام والاستقرار للصومال بشكل تدريجي. وعلى الرغم من أن الحكومات أظهرت بروز العلم الصومالي في الساحات الدولية لكونـها معترفة بـها دوليا كنظام انتقالي في البلاد؛ إلا أنـها فشلت في كثير من القضايا الداخلية مثل الأمن والاقتصاد ورعاية تماسك نسيج المجتمع والوحدة، وكذلك فشلت في القضايا الخارجية، نتيجة تأثرها بتدخلات دول أجنبية.
وجهت انتقادات لاذعة إلى القيادات التي تعاقبت على حكم البلاد ابتداء من عام 2000 إلى يومنا هذا. وتتمثل هذه الانتقادات في خلو معظم القيادات عن المشاعر الوطنية، وأتـهم بعضها بالتجرؤ على الإدلاء بتصريحات صحفية تحمل دلالة اقتطاع أجزاء من أرضنا الحبيبة لصالح دول أخرى، ما يدل على أن القيادة في الفترة السابقة كانت ضعيفة أمام أطماع القوى الدولية والإقليمية الرامية إلى استغلال الثروة الصومالية بشكل أو بآخر. وكرست بعض القيادات المتعاقبة على البلاد في هذه الحقبة بصورة متعمدة القبلية والفوئوية وتقديم مصالحها على المصالح العامة بغية الاحتفاظ بمكاسبها السياسية، وبالفعل جرت هذه القيادات البلاد إلى مشاكل أمنية واقتصادية ، وانـهالت عليها لعنات الشعب آناء الليل وأطراف النهار.
ومما يثير الحزن والأسى في قلوب الشعب أن معظم القيادات التي مرت على البلاد اعتبرت الوصول إلى كرسي الرئاسة وسيلة لنهب أموال وممتلكات الشعب، وكانت غايتهم منحصرة في الاستيلاء على الممتلكات العامة بأية طريقة كانت، وبسبب خلو قلوبهم عن المشاعر الوطنية لم يلتفتوا إلى الآلاف من أبناء الصومال يموتون جوعا وعطشا ومرضا في المدن والأرياف.
هناك قصص كثيرة ستكون مسجلة في ديوان التاريخ الحديث للصومال، ومن هذه القصص طبول الحرب التي دقها رجال يقولون إنـهم ينتمون إلى جماعات إسلامية في عهد الرئيس الراحل العقيد عبد الله يوسف أحمد، بحيث إنهم كانوا يرون ذلك الرئيس بأنه عقبة على أجنداتـهم الخفية، وقد تمكنوا من إثارة نعرات قبلية ضده بحجة استعانته بقوات أجنبية ضد قبائل معينة.
ومعلوم أن العقيد يوسف كان أول رئيس استطاع إدارة الوطن من قصر الرئاسة في مقديشو؛ والذي كانت تسيطر عليه مليشيات قبيلة منذ عام 1991، ولولاه لم يستطع من خلفه في الحكم – وكانوا من مناوئيه- الدخول إلى قصر الرئاسة. وسرعان ما بدأت حدة الغضب ضد القوات الأجنبية تتلاشى شيئا فشيئا بعد وصول بعض مناوئيه إلى السلطة والذين أصبحوا بدورهم يستعينون بنفس القوات الأجنبية ومنها القوات الأثيوبية للاحتفاظ بمكاسبهم السياسية، ونبذوا الشعارات الوطنية والدينية التي كان يرفعونـها وراء ظهورهم. وليس من المستبعد أن يتحرك هؤلاء مرة أخرى لإثارة مشاكل جديدة إذا تربع شخص لا يعد من جماعاتـهم على كرسي الرئاسة، وربما تكون الشعارات التي سيرفعونـها –إذا حدث هذا الأمر- محاربة “العلمانية”.
كثير من هؤلاء يترنمون بـ”الوطنية” مع بعدهم كل البعد عن حب الوطن، بل يعتبر بعضهم حب الوطن والقيام تبجيلا لعلم الدولة “شركا”. الجدير بالذكر أن الوطنية مشاعر وجدانية ثابتة لا تتغير بتغير الأزمان والأشخاص، وهي تدقع المواطن الوطني إلى: “التعلق بالوطن وحبه والإخلاص له والتضحية من أجله” وفقا لتعريف قاموس المعاني.
وبعد أكثر من عقدين من الزمن من المعاناة فالوطن بحاجة اليوم إلى قيادة متسمة بالصفات الوطنية تراعي حقوق الوطن والمواطنين وتعطي كل ذي حق حقه وتكف أيدي الظالمين وتقيم موازين العدالة للفصل بين الخصوم بالإنصاف والعدالة، وتضع في حسبانـها أن على عاتقها مسؤولية كبرى ستُسأل عنها أمام الله يوم القيامة.
وأخيرا تشير الإحصاءات إلى أن حوالي 70% من سكان الصومال في سن الشبيبة، ولكنهم لم يحصلوا على حقوقهم السياسية، مع أن المطلوب أن يكون التمثيل السياسي للشباب الصوماليين الوطنيين يصل إلى مستوى 70% في مؤسسات الدولة، الأمر الذي سيحقق التغيير الإيجابي للوطن وللشعب. ويفضل الشباب المثقفون أن يكون الرئيس القادم شخصية يفهم معاناتهم ويحظى بتأييدهم.