الصومال: الحاجة إلى التغيير
جبريل إبراهيم
آخر تحديث: 6/12/2016
بقلم جبريل إبراهيم / ناشط سياسي صومالي ومرشح للرئاسة
تعاقبت حكومات كثيرة وأربع رئاسات على حكم الصومال خلال الستة عشر عاماً الماضية، قدمت هذه الحكومات وعوداً كثيرة لحل المشكلة الصومالية، وتحقق القليل من هذه الوعود لكن أغلبها تبخر، وكانت السلطة الحالية المنتهية ولايتها أكثرها إطلاقاً للوعود، وفي نفس الوقت أكثرها إخلافاً لهذه لوعود، الأمر الذي يجعل التغيير السياسي مُلحاً أكثر من أي وقت مضى.
لقد أصبح الفساد السياسي والمالي طقساً يومياً خلال السنوات الأربع الماضية، ومللنا من مسؤولين مستعدين لبيع كل شيء في البلد تصل إليه أيديهم والتصرف في أموال الدولة كأنها ملك خاص، وتتزايد الشكاوى حالياً من تدخلات مستمرة في عملية الانتخابات البرلمانية وفرض مرشحين معينين، حتى يتسنى لرئاسة الجمهورية التأثير على النتائج لصالح مسؤولين بعينهم، وتجاوز الرغبة الشعبية لانتخاب برلمان يعبّر عن إرادة حقيقية للشعب.
وكواحد من الذين يسعون إلى التغيير، فإنني ألخص هنا القضايا السياسية والاجتماعية التي تحتم على الصوماليين السعي إلى إنجازها، على جميع المستويات؛ المجالس التشريعية والتنفيذية والقضائية أيضاً، وذلك في سبيل تحقيق طموحات الشعب الصومالي، وإنهاء ظاهرة الوعود الكاذبة التي تدغدغ مشاعر الجمهور، ويتم رميها من النافذة مع أول يوم في كرسي السلطة.
1- تحقيق السلام:
نريد التغيير الذي يأتي بسلام يصنعه الصوماليون بأنفسهم، سلام يعبر عن حاجتهم الحقيقية للعيش المشترك، لا نريد ذلك السلام الشكلي الذي يصنع في الفنادق الفارهة في الخارج ويتبادل فيه الزعماء الضحكات ثم ينصرفون إلى عادتهم القديمة في ممارسة الشقاق والمناكفات، نريد سلاماً يتيح لنا إعادة توطين النازحين وإرسال أبنائنا إلى المدارس وبناء أسس متينة لحياة كريمة.
2- المصالحة:
نحتاج إلى مصالحة حقيقية قائمة على العدل والإنصاف ورد المظالم المادية والمعنوية، وبناء مجتمع منسجم مع نفسه ومع الدولة، ويكون المواطن فيها المحرك الأساسي ومحط التنمية، والحديث عن أي مصالحة وطنية دون إعطاء اعتبار لحياة المواطن وضمان العيش الكريم ووسائل كسب العيش فهي مصالحة غير حقيقية.
3- الاعتراف:
نريد سلطة تحظى باعتراف المواطنين الصوماليين قبل أن يتم الاعتراف بها من قِبل العالم الخارجي، كما نريد سلطة تعترف بشعبها وبإرادته، وتحسب ألف حساب قبل أن تتخذ قراراً يمس سيادة بلدهم وحياتهم، كما لا نريد سلطة داخل سلطة، سواء على شكل أحزاب أو منظمات أو أي كيان آخر موازٍ للدولة، ونريد أن تكون هناك جهة واحدة شرعية تأخذ القرارات وتحترم الدستور، لا نريد جهات تعتبر نفسها الدولة، أو أن الدولة لها دون بقية الشعب، كما هو حاصل الآن في بلادنا؛ حيث تفرض جماعة نفسها على الشعب دون أن تكون لها أي صفة شرعية، وتتصرف بالمال العام لتحقيق غاياتها السياسية.
4- الأمن:
لقد تم التلاعب بكلمة الأمن وتم استخدامها بشكل فضفاض خلال السنوات الماضية، والأمن الذي نريده هو الأمن الذي يشارك في صنعه الجميع، فليس هناك أمن طالما أن غالبية المواطنين يرزحون تحت الفقر، والقوة العاملة فيه عاطلة، والنظام التعليمي متدهور، إن الأمن لا يأتي به رجال أمن مسلحون يتم نشرهم في الشوارع أو بمساعدة قوى دولية كما نفعله اليوم، ولكن تأتي به التنمية والتعليم وفرص العمل والعيش الكريم، ذلك هو ما يجلب الأمن الحقيقي للشعب الصومالي وللمنطقة بشكل عام.
5- الاقتصاد:
لا يزال الصومال معتمداً على المعونات الخارجية، رغم ما يملكه من مقدرات، ومع امتناننا للأشقاء والأصدقاء الذين يدعموننا، لكنا نريد بناء اقتصاد يعتمد على الذات بشكل تدريجي، ونرد الجميل إذا أمكن، فلا ينبغي أن نملك أكبر ثروة حيوانية في المنطقة ويكون لدينا أطول ساحل بحري بأكثر من ثلاثة آلاف كلم، وأراض زراعية بعشرة ملايين هكتار، ومياه وفيرة، وثروة بترولية واعدة، ومساحة جغرافية هائلة مقارنة بعدد السكان، ثم بعد كل هذا نكون في نفس الوقت من أكثر الدول المتلقية للمعونات الخارجية. أنا أرى أن هذا عار يجب علينا كصوماليين أن نغسله إذا كنا نفهم معنى العار.
6- القبلية:
كثيرة هي الأمراض الاجتماعية التي نعاني منها كصوماليين، ولكن القبلية تشكل هماً للجميع، وخاصة بعد أن تم دمجها في السياسة وجعلت قاعدة لها، كلنا ننتمي إلى قبائل، كبيرة كانت أو صغيرة، ولكن الجرعة القبلية الحالية زائدة عن الحد، فقد كثير من المواطنين حقوقهم السياسية بمجرد انتمائهم القبلي أو العشائري، والحجة في ذلك أن ابن عشيرته أصبح رئيساً أو وزيراً أو برلمانياً.. إلخ. نريد أن تتغير هذه المعادلة ونعود إلى معايير الكفاءة والنزاهة بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.
7- العلاقة بين المركز والأقاليم:
هذه أيضاً معضلة السياسة الصومالية، وربما تنسف السيادة الوطنية في المستقبل، ولذلك نريد أن تصل إلى تغيير ظاهرة المناكفات المستمرة بين المركز والأقاليم، وننشئ علاقة سليمة بينهما باعتبارهما متكاملين ومنسجمين، نريد تقسيماً عادلاً للثروات، وتوصيل الخدمات الأساسية إلى المدن والأرياف، لا نريد حكومة مركزية تعادي الأقاليم أو تحابي إقليماً دون آخر، لا نريد مركزاً ظالماً أو متعالياً، كما لا نريد أقاليم تستقوي بالخارج، وتنال من سيادة وهيبة الدولة، فكلاهما يجلب الأضرار للبلد.
8- العلاقات الخارجية:
إن معظم علاقاتنا مع دول العالم قائمة حالياً على الأشخاص، وتتبدل بتبدل الأشخاص في السلطة، وليس هناك علاقات خارجية صومالية قائمة على أسس راسخة، ولتجاوز ذلك نريد إقامة علاقات خارجية متوازنة مع دول العالم تقوم على أجندة وطنية خالصة، نريد أن نكسب ثقة العالم، وأن ينتهي العهد الذي ينام فيه رئيس الدولة أو رئيس الحكومة ويصحو ثم يمضي على قرارات تسيء إلى دولة شقيقة، وتقع كوارث لا تحمد عقباها، ويدفع ثمنها الصوماليون في كل مكان، نريد سياسة خارجية متوازنة تراعي مصالح وطننا وجيراننا وأمتنا العربية والإسلامية.
9- المهجر:
يمثل صوماليو المهجر ظهيراً أساسياً للاقتصاد الوطني ولتماسك المجتمع المحلي، وتقدر التحويلات التي يرسلونها إلى الوطن ما بين مليار إلى مليارَي دولار سنوياً، وهو أكبر من المساعدات المقدمة للصومال من دول العالم مجتمعة، إضافة إلى أنه يوجد من بينهم الآلاف من الناجحين في حياتهم المهنية ويشغلون مناصب مهمة في بلدان إقامتهم، وينبغي لنا الاستفادة من هذه الثروة وإنشاء وزارة للمهجر تستوعب هذه الطاقات المهاجرة التي قد تكون عامل جذب للاستثمار الأجنبي. وللأسف فإن السلطة الحالية أهملت هذا القطاع المهم وجنينا الخسارة من هذا الإهمال.
10- الشباب:
يشكل الشباب تحت سن الثلاثين عاماً نسبة 70%، وهذه الطاقة الشبابية يجب الاستفادة منها وتوجيهها إلى بناء الوطن، ولا نريد أن نكرر الأخطاء الماضية بجعلهم وقوداً للصراعات القبلية، ويجب وضع استراتيجية للنهوض بشبابنا بعد كل هذه السنوات من اللامبالاة التي تعاملت بها السلطات السابقة مع قضية الشباب.
هذه النقاط السريعة وغيرها لن تتأتى إلا بحدوث تغيير في الهرم السياسي في الصومال، وهناك قوى متعددة تتبنى هذا التغيير باختلاف تصوراتها ومشاريعها السياسية، لكنها متفقة على أن الاستمرار في الوضع الحالي يعني مزيداً من التدهور في البلاد، من شأنه أن يطيل معاناة شعبنا، وأيضاً معاناة أشقائنا وأصدقائنا في العالم.
ففي سنوات السلطة المنتهية ولايتها أُطلقت وعود كثيرة وأخلفت، وتبخرت آمال الشعب الذي يتوق إلى التغيير الآن أكثر من أي وقت مضى، وهذه دعوة مفتوحة لصناعة التغيير في بلادنا؛ لكي نبني مستقبلاً آمناً لأنفسنا ولأطفالنا.
كلمة أخيرة
إن بلادنا تمر بظروف بالغة الحساسية تجري فيها انتخابات غير مباشرة، تكتنفها ظلال من الشبهات، ففي الوقت الذي لم يتلقَّ فيه الموظفون الحكوميون رواتبهم لمدة تزيد عن ستة أشهر، تنقل ملايين الدولارات بالطائرات وبالسيارات المصفحة إلى مقار اختيار نواب البرلمان في المناطق المختلفة لدفعها كرُشى لشراء الذمم، ودعم مرشحين دون غيرهم في انتهاك صارخ للقانون، وممارسة الفساد في وضح النهار.
وبحكم عملي كمؤسس مشارك ورئيس لـ”مركز البحوث والحوار” لسنوات طويلة، فإنني ظللت أعتقد أن هذه النقاط ذات أهمية بالغة لأي نظام حكم في الصومال، ولا أزال أعتقد ذلك، وأنا أسعى إلى المنافسة في نيل منصب الرئاسة كغيري من الساعين إلى إحداث تغيير في الصومال يشارك في تحقيقه الجميع.
المصدر: هافينغتون بوست