الصومال.. احتقان سياسي وخلاف متجدد بين الحكومة والولايات
الصومال الجديد
آخر تحديث: 15/09/2018
توطئة:
لم تتسم العلاقة بين الحكومة الفدرالية الصومالية والولايات الإقليمية بهدوء منذ وصول الرئيس محمد عبد الله فرماجو الى سدة الحكم في بداية عام 2017. فقد أبدى فرماجو قدرا كافيا من المرونة في لأيام الأولى من فترة حكمه فيما يخص ملف التعامل مع تلك الولايات التي كلف تشكيلها من الدولة الكثير من الوقت والمال.
وبعد فترة وجيزة من تشكيل الحكومة الفيدرالية برزت خلافات عميقة بينها وبين إدارات الولايات الإقليمية؛ التي وجهت اتهمامات الى الحكومة، لعل أبرزها محاولة الحكومة الفيدرالية تحجيم دور الولايات وتقزيمها واستبعادها عن المشهد السياسي بالانفراد بالقرارات المصيرية التي تخص سير العملية السياسية بل واستعدائها، بالاضافة الى تقاعسها –حسب الولايات- عن محاربة حركة الشباب التي تسيطر على أجزاء من البلاد.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في عدد من الولايات بدأ الخلاف بين الطرفين يتجدد لكن بصورة أعنف من ذي قبل مما يعنى استمرار الاحتقان السياسي دون أن تلوح في الأفق بوادر لحل الأزمة التي أعاقت -ولا تزال- مسار تحقيق الاستقرار السياسي والامني لهذا البلد الخارج لتوه من حرب أهليه استمرت زهاء ثلاثة عقود من الزمن، وهذا التحليل الموجز يستعرض تطورات الاحتقان السياسي والخلاف المتجدد وما يمكن أن تؤول اليه الأوضاع في ظل غياب الإرادة السياسي الفاعلة للخروج من هذا المأزق.
تعليق التنسيق مع الحكومة الاتحادية
كان إعلان الولايات عن تعليق تنسيقها مع الحكومة الاتحادية أقوى ما كان يمكن فعله بالنسبة للولايات حتى الآن، الا أنه بغض النظر عن تأثيره على العلاقة الواهنة أصلا بين الطرفين يعد مؤشرا قويا على خطورة الموقف والمدى الذي وصل اليه الاحتقان السياسي، فاعلان وقف التنسيق لم ينم عن هوى ممارسة الضغط على الحكومة بغية الحصول على مكاسب سياسية أو اقتصادية بقدر ما كان تعبيرا عن الشعور بالاحباط واليأس عما آلت إليه العلاقة مع الحكومة الفيدرالية.
وفعلا أعلنت بعض الولايات رسميا دخول ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر كسمايو الأخير حيز التنفيذ، حيث قام كل من رئيس ولاية بونت لاند عبد الولي محمد علي “غاس” ورئيس ولاية جنوب غرب شريف حسن شيخ آدم في الحادي عشر من شهر سبتمبر الجاري بإخطار مجلسي وزرائهما قرار تعليق التنسيق مع الحكومة الاتحادية.
الولايات تكتسب تأييدا من أطياف سياسية
من الموقف اللافت للنظر أن كتلة برلمانية وأربعة أحزاب سياسية معارضة أيدت في بيان مشترك لها موقف زعماء الولايات المتعلق بوقف التنسيق مع الحكومة الفدرالية، متهمة الحكومة بعدم جديتها في تطبيق النظام الفيدرالي والتدخل في شؤون الولايات. وذهب كذلك النائب محمد عبدى غاندى عضو مجلس الشعب الصومالي إلى اتهام الحكومة الفيدرالية بمحاولة الإطاحة بإدارات الولايات الإقليمية، وقال غاندي في تصريح لوسائل إعلام محلية “إن الحكومة تتعامل مع قادة الولايات وكأنهم رؤساء مديريات”، مشيرا الى أنها لا تتشاور مع رؤساء الولايات الإقليمية عندما تتخذ قرارات تخص مناطق إداراتهم. وحمّل غاندي الحكومة مسؤولية تدعيات الأزمة السياسية الراهنة.
تجدر الإرشارة هنا إلى رفض مجلس الشيوخ الصومالي المشاركة في افتتاح الدورة الرابعة للبرلمان الفيدرالي الذي افتتحه الرئيس فرماجو في العاشر من هذا الشهر، معلنا تأجيل افتتاح الدورة الرابعة لمجلس الشيوخ لاسباب فنية وسياسية، لكن المحللين يذهبون إلى أن رفض مجلس الشيوخ المشاركة مع مجلس الشعب في مناسبة افتتاح الدورة الرابعة للبرلمان يأتي في ضمن إظهار تضامنه ووقوفه الى جانب الولايات الإقليمية التي يثملها المجلس في البرلمان.
رد الحكومة الفيدرالية على موقف الولايات
رد الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو على قرار رؤساء الولايات الإقليمية بشأن تعليق التنسيق مع الحكومة الفيدرالية بدعوة رؤساء الولايات إلى حضور مؤتمر تشاوري في مقديشو في السابع عشر من شهر سبتمبر الجاري، لكن الولايات بدورها اشترطت على حضور المؤتمر بوقف الحكومة الفيدرالية تدخلها في الولايات، كما جاء في بيان صحفي صدر من مجلس تعاون الولايات الإقليمية.
ويعتقد المحللون أن خطاب الرئيس فرماجو في افتتاح الدورة الربعة لمجلس الشعب الصومالي ساهم في تأزيم الأجواء المتأزمة أصلا، وزاد المشهد احتقانا وقتامة، حيث أكد فرماجو علنا دعم حكومته لرئيسي برلماني ولايتي غلمدغ وهيرشبيلى شخصيا فيما وصفه بتحقيق المصلحة العليا، وليس دعم إدارة الولايتين، وقد أشار مراقبون إلى أن ما قام به الرئيس فرماجو بمثابة منح الضوء الاخضر لرئيسي برلماني ولايتي غلمدغ وهيرشبيلى المعارضين لرئيسي حكومتي الولاياتين الإقليميتين، وتشجيعهما على التحرك لتنفيذ اجندات سياسية تم الاتفاق عليها معهما مسبقا، الأمر الذي اعتبر تصعيدا معتمدا، الهدف منه ارباك المشهد في الولايات، وبالتحديد ولايتي هيرشبيلى وغلمدغ اللتين تشهدان أصلا اضطرابات وخلافات سياسية، وقد حدث ذلك فعلا حيث بادر نواب برلمان غلمدغ إلى عزل علي غعل عصر رئيس برلمان الولاية في اجتماع عقده في دوسمريب عاصمة الولاية قبل تنفيذه أجندته المدعومة من الحكومة الفيدرالية ورفض عصر من جانبه قرار حجب الثقة عنه وبدأ هو ونائب رئيس الولاية محمد حاشي في عدادو المقر السابق لولاية غلمدغ ومعهم بعض النواب تحركات لاتخاذ إجراءات ضد رئيس الولاية أحمد دعالي حاف بينما يواصل النواب في دوسمريب اجتماعاتهم لتشكيل لجنة الانتخابات لاختيار رئيس جديد لبرلمان الولاية خلفا لعلي غعل عصر كما يستعدون أيضا لحجب الثقة عن نائب رئيس الولاية محمد حاشي، وبالإضافة إلى الأزمة السياسية في غلمدغ فإن برلمان هيرشبيلي استدعى الرئيس محمد عبدي واري إلى جوهر عاصمة الولاية ويعتقد أن الدعوة لها صلة بالخلاف القائم بين الحكومة والولاية الإقليمية، كما أن الحكومة الفيدرالية متهمة بإثارة اضطرابات سياسية في ولاية جوبالاند خاصة محافظة غدو التي شهدت مؤخرا مظاهرات مناوئة لرئيس الولاية أحمد مدوبي.
من الخاسر؟
لا شك أن الخاسر الأكبر هو المشروع السياسي والاجندات الوطنية وتثبيت دعائم اركان الدولة وتحقيق الاستقرار السياسي وحلم الانتخابات العامة التي يدلي كل فرد بصوته (صوت واحد- فرد واحد) والذي سيضيع في متاهات المناكفات السياسية التي لا تعرف التنازل للمصلحة للعيا للبلاد. من الواضح أنه لن تكون هناك شراكة سياسية بين قيادات لا تتوانى في توظيف كل طاقاتها لإضعاف أجزاء من الجسد الواحد. لقد كان الرئيس فرماجو محقا عند ما وصف العلاقة بين المركز والإطرف في خطاب تنصيبه حيث قال: ” الإدارات الإقليمية بمثابة الأجنحة التي تطير بها الحكومة الاتحادية كما أن الحكومة بمثابة العيون التي من خلالها ترى الولايات، لذا لا أحد يستطيع أن يعمل دون الآخر”. لكن ترجمة الأقوال الى أفعال على أرض الواقع هو الاختبار الأصعب بالنسبة للسياسيين.
اين تتجه الأمور؟
لا شك أن الأمور تتطور نحو الأسوأ خاصة وأن المعارضة تتحرك بسرعة وهناك ملفات سياسية معقدة ومتشابكة، ويبدو أن الحكومة تراهن على قرب موعد الانتخابات في ثلاث من الولايات وهي جنوب غرب الصومال وجوبالاند وبونتلاند على أمل أن تهب رياح التغيير لصالحها. بينما زعماء الولايات يراهنون على سيطرتهم على مقالد الأمور في ولاياتهم وأن الحكومة وإن كانت هي المسؤلة عن البلاد؛ الا انها تعمل في محافظة بنادر حسب الولايات ولا يمكن لها التأثير على مجريات الأحداث على أرض الواقع في الولايات.