السياسة الخارجية الإثيوبية الجديدة.. هل من جديد؟
عبد الله الفاتح
آخر تحديث: 16/05/2018
توطئـة:
لا يمكـن الاستخفـاف بالأهميـة الكبيـرة للتحـولات السيـاسية التي تعيـشهـا إثيـوبيا حاليـاً، ولا تأثيـراتها وتداعيـاتها البالغـة على دول المنطقـة.
ومنـذ اختيـار الدكتـور أبـاي أحمـد على، رئيسـاً جـديداً للـوزراء الإثيـوبي، تواصـل عديـد من الدول متابعتهـا الحثيثـة لتطـورات الموقـف الإثيـوبي على مختلـف الأصعـدة السيـاسية والأمنيـة والعسكـرية، وهـو ما يثيـر الكثيـر من عـلامات الاستفهـام حـول الاستـراتيجيـة الإثيـوبية الجـديدة تجـاه القضـايا السيـاسية والأمنيـة في المنطقـة ومن أهمهـا: هـل هنـاك أي جـديد في السيـاسة الخارجيـة الإثيـوبيـة ؟؟؟.
ويحـال هـذا التقـرير الإطـلالة على السيـاسة الخارجيـة الإثيـوبية، من خـلال تسليـط الضـوء على مواقـف رئيـس الوزراء الجـديد أبـاي أحمـد علي، مـن أهـم القضـايا والملفـات الخارجيـة وأكثـرها سخـونة وتعقيـداً، وفي مقـدمتهـا النـزاع الحـدودي مـع الإريتـريا، والعـلاقات الإثيـوبية ـ الصـومالية، بالإضـافة إلى الخـلافات الإثيـوبية المصـرية، بشـأن بنـاء سـد النهضـة الإثيـوبي، وذلك على أمـل أن نخصـص تقـريراً لاحقـاً للإضـاءة على موقـف رئيـس الوزراء الجـديد من تـدافع القـوى الكبـرى والدول الإقليميـة الصـاعدة على منطقـة القـرن الإفريـفي.
أولاً: مـلامح السيـاسة الإثيـوبية الجـديدة:
لقـد تباينـت القـراءات والتحليـلات السيـاسية حـول خطـاب التنصيـب الذي ألقـاه رئيـس الـوزراء الجـديد أمـام مجلـس نواب الشعـب “البرلمـان الإثيـوبي” في صبـاح الإثنيـن المواقف 2/4/2018م.
ويـرى العـديد من المحلليـن، بأن الخطـاب الذي ألقـاه رئيـس الوزراء أبـاي أحمـد أمـام البرلمـان، كـان خطابـاً برتكـولياً في المقـام الأول، حيـث تركـز الخطـاب على الأوضـاع الداخليـة وفي مقـدمتها ملـف تحقيـق الاستقـرار والمصـالحة الوطنيـة، فضـلاً عن مكافحـة الفسـاد وتعـزيز الحـريات السيـاسية والممارسـة الديمقـراطية في البـلاد، مشيـراً إلى أن مضمـون الخطـاب لم يحمـل أي مفـاجأة تذكـر على مستـوى السيـاسة الإثيـوبية تجـاه مجمـل الملفـات والقضـايا الخارجيـة السـاخنة.
فيمـا وصـف آخـرون خطـاب الدكتـور أبـاي أحمـد بأنـه كـان خطـاباً عقـلانياً متـوازناً في تنـاوله لمختلـف الملفـات الداخليـة والخارجيـة، مؤكـداً أن الهـدوء والنبـرة “التصـالحية” التي تميـز بهـا الخطـاب، تكشـف جـانبا من مـلامح السيـاسة الخارجيـة الجـديدة التي يتطلـع إليهـا رئيـس الوزراء، لتحسيـن العـلاقات الثنـائية مـع دول الجـوار.
ويمكـننا المـلاحظة بالسيـاسة الخارجيـة المتوقـع أن تنتهجهـا إثيـوبيا في المرحلـة المقلبـة تجـاه دول الجـوار، مـن خـلال الزاويتيـن التاليـة:
الأولى: الاهتمـام السيـاسي الجـديد أظهـره رئيـس الوزراء لإنهـاء النـزاع الحـدودي مـع دولة إريتـريا، حيـث أعلـن عن استعـداده التـام للعمـل على تسـوية الخـلافات مـع جـارة إريتـريا.
وحـسب رأي المحلليـن السيـاسييـن، فإن هـذا الاهتمـام الجـديد لم يـأتي من فـراغ، لأن الملـف الإريتـري، يحتـل على رأس قائمـة التحـديات السيـاسية والأمنيـة التي تواجـه القيـادة الجـديدة على المستـوى الخارجـي.
ولعـل أهميـة ذلك تعـود إلى التعقيـدات الكبيـرة التي تحيـط بالنـزاع الإثيـوبي الإريتـري الذي تسـبب في صـراع شـامل تجـاوزت تداعيـاته حـدود الدولتيـن لتغطـي معظـم دول المنطقـة خاصـة الصـومال المجـاورة التي أصبـحت سـاحة مفتـوحة لهـذا النـزاع وتداعيـاته المختلفـة.
ولا يختلـف النـزاع الإثيـوبي الإريتـري كثيـراً عـن بقيـة النـزاعات الحـدوديـة التي تحـدث من حيـن لآخـر بيـن دول القـرن الإفريـقي، سـوى أنه تحـول من نـزاع على منطقـة حـدودية معينـة إلى صـراع عسكـري شـامل دار على طـول الحـدود الممتـدة لأكثـر من 1000 كيلومتـر، خلـف آثاراً إنسـانية واقتصـادية وسيـاسية وأمنيـة عميـقة على مستـوى البـلدين.
وتعـود الجـذور التاريخيـة لهـذا النـزاع إلى حقبـة الكفـاح المسلحـ ضـد نظـام منغيستـو هيـلا مريـام في إثيـوبيا، حيـث نشـب خـلاف بيـن الجبهـة الشعبيـة لتحـرير إريتـريا، والجبهـة الشعبيـة لتحـرير تغـراي (TPLF) حـول منطقـة “بادمـي”، ولكـن سـرعان ما تـم احتـواء الخـلاف، بموجـب اتفـاق مبـدئي توصـل إليـه الطرفـان نـص على تأجيـل الخـلافات بشـأن هـذه المنطقـة إلى ما بعـد التحـرير والاستقـلال.
ورغـم التطـور الكبيـر الذي شهـدته العـلاقات الثنـائية بيـن البـلدين، بعـد استقـلال إريتـريا الذي مهـد الطريق لسقـوط نظـام منغيستـو هيـلا مريـام في إثيـوبيا عـام 1991م، إلا أن انـدلاع الحـرب بينهمـا في 6 مايـو 1998م، قـد جـاء دون مقـدمات كافيـة وشكـل مفاجـأة للجميـع.
الثانيـة: تمثـلت في سعـي القيـادة الإثيـوبية الجـديدة وحـرصها الشـديد على توثيـق العـلاقات مـع محيطهـا الإقليمـي، خاصـة دول القـرن الإفريـقي المطلـة على البحـر الأحمـر والمحيـط الهنـدي.
ومن الواضـح جـداً أن رئيـس الوزراء يعطـي أولـوية أكثـر لهـذه الـدول، وبالتـالي يسعـى لوضـع خطـة عمـل استـراتيجية جـديدة من أجـل توسيـع مجـالات التعـاون السيـاسية والاقتصـادية والأمنيـة مـع جيبـوتي نظـراً لموقعهـا الجيـوبولتيكـي الذي يجعلهـا تتحكـم مـداخل البحـر الأحمـر ومنطقـة باب المنـدب وخليـج عـدن.
وكـذلك الحـال بالنسبـة للدول الأخـرى التي شملـت الجـولة الخارجيـة الإخيـرة لرئيـس الوزراء الجـديد مثـل السـودان وكينيـا، علمـاً أن أي تحـرك إثيـوبي في المجـال البحـري يجـب أن يمـر عبـر هـذه الـدول.
ثانيـاً: موقفـة من الأزمـة الصـوماليـة:
مـع أن الحـديث عـن تحـولات جـديدة في السيـاسة الخارجيـة الإثيـوبية تجـاه الأزمـة الصـوماليـة، يبـدو سابقـاً، إلا أن مصـادر إعـلامية مقـربة لـحزب (OPDO) كشفـت مؤخـراً، بأن الدكتـور أبـاي أحمـد يتبنـى رؤيـة سيـاسية في العـلاقات مـع الصـومال قائمـة على أسـاس احتـرام سيـادتها ووحـدة أراضيهـا، وأشـارة إلى أن الحكـومة الصـومالية ستكـون محـور العـلاقات الإثيـوبية الجـديدة، بعكـس السيـاسية القـديمة التي كانـت تتعـامل مـع الإدارات المحليـة كحكـومات مستقـلة عـن الصـومال.
وطبقـاً للمصـادر فإن السيـاسة الخارجيـة الجـديدة ستكـون أكثـر تفهمـاً لضـرورة استعـادة الأمـن والاستقـرار في الصـومال، باعتبـاره عـامـلاً أسيـاسيا لتحقيـق السـلام والتنميـة المستـدامة في منطقـة القـرن الإفريـقي.
ثالثـاً: موقف رئيـس الوزراء من أزمـة سـد النهضـة:
كمـا كان متوقعـاً فإن موقـف رئيـس الوزراء الجـديد من ملـف سـد النهضـة لم يشهـد حتى اللحظـة أي تغيـراً يذكـر، وخـلال خطـابه أمـام البرلمـان الإثيـوبي، لم يتطـرق بشكـل عميـق لهـذه المسـألة، حـيث اكتفـى فقـط بوصـف سـد النهضـة بأنـه يوحـد جميـع العـرقيات الإثيـوبية، كمـا دعـا الموطنيـن للاستفـادة من الـروح الوحـدوية التي أوجـدها هـذا المشـروع من أجـل تحقيـق النمـو الاقتصـادي المنشـود في البـلاد.
وحسـب رأي المحلليـن، فإن الدكتـور أبـاي أحمـد لا يستطيـع أن يقـدم تنـازلات أو تغييـر موقـف بـلاه إزاء هـذا الملـف باعتبـاره بأنه مشـروع قـومي يوحـد شعبـه.
وهنـا وجـد البعـض في محتـوى خطـاب التنصيـب مؤشـرا واضحـاً لاتخـاذه مـوقفا أكثـر تشـدداً وصـلابة من مواقـف سابقيـه بشـأن التعـامل مـع مصـر والدول الأخـرى المعنيـة فيمـا يخـص ملـف سـد النهـضة بسـبب سـوء الأوضـاع الاقتصـادية والاجتمـاعية الناجمـة عـن الاضطـرابات السياسيـة والاقتصـادية التي شهـدتها البـلاد خـلال السنـوات الأخيـرة، كمـا أن الكثيـر من الإثيـوبييـن ما زالـوا ينظـرون إلى مشـروع سـد النهضـة بمثـابة بارقـة أمـل لتحسيـن أوضـاعهم الاقتصـادية الصعبـة.