السودانيون يترقبون نتائج تحقيقات النائب العام في جرائم دارفور ويتطلعون لتقديم البشير للجنائية الدولية
صفاء عزب
آخر تحديث: 1/01/2020
القاهرة- يترقب السودانيون ما ستسفر عنه التحقيقات التي أعلن عن فتحها لمحاكمة مرتكبي جرائم دارفور ومحاسبتهم، بينما يطالب الكثيرون منهم بتقديم الرئيس المعزول عمر البشير للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته على الجرائم التي تم ارتكابها بحق أهل دارفور خلال حكمه. يأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه منظمات حقوقية عن أسفها لعدم توقيع أي عقاب على المتهمين بمجازر دارفور على الرغم من صدور أوامر دولية من أكثر من عشر سنوات بالقبض الرئيس السوداني المعزول عمر البشير وثلاثة مسؤولين آخرين لاتهامهم بارتكاب جرائم، وهو ما اعتبره الإتحاد الدولي لحقوق الإنسان ومنظمات غير حكومية بأنه أمر ناتج عن غياب الإرادة السياسية الوطنية والإقليمية، وطالبوا بوقف ما أسموه ثقافة الإفلات من العقاب، مؤكدين أهمية الدور الذي يقع على عاتق السلطات الجديدة في الخرطوم في عدم إغفال تلك الجرائم تلبية لمطالب شعبهم وتحقيقا للعدالة والسلام.
وكان النائب العام السوداني تاج السر الحبر قد أعلن في وقت سابق عن فتح التحقيق فيما اصطلح على تسميته “جرائم دار فور” مصرحا بأن النيابة العامة قامت بفتح جميع الملفات ذات الصلة بالقضية بداية من عام 1989 وحتى عام 2019، وأكد النائب العام السوداني بدء التحقيق حول الجرائم التي ارتكبت في دارفور منذ عام 2003 والمتهم فيها قيادات النظام السابق الملاحقين أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم في دارفور.
جاء ذلك بعد الحكم على البشير بالسجن عامين في قضية المبالغ النقدية التي وجدت في حوزته مع الإفادة بأنه سيحاكم على تهم أخرى يجري العمل على استكمال ملفاتها منها تهمة القتل العمد. ويأتي هذا الإجراء الذي أعلن عنه النائب السوداني مؤخرا، متمشيا مع مطلب سوداني شعبي وملح سيما بعد نجاح الثورة السودانية في إسقاط نظام البشير، وارتفاع الأصوات المنددة بسياساته التعسفية واستخدام العنف في ترسيخ حكمه، والداعية إلى محاكمته على كل ما شهدته فترة حكمه من جرائم في حق السودانيين، وأولها محاكمته على جرائم دارفور.
يذكر أن جرائم دارفور ترجع لعام 2003 حينما مارست الخرطوم سياسات عنيفة ضد الجماعات العرقية التي اشتبه في دعمها للمتمردين الذين حملوا السلاح ضد حكومة الرئيس المعزول عمر البشير لتجاهلهم الإهتمام بتلك المنطقة في السودان. ونتج عن ذلك نشوب صراع خطير في المنطقة بين المتمردين والحكومة التي ارتكبت ممارسات وحشية ضد أهل دارفور مما أدى إلى مقتل 300 ألف وتشريد مليوني ونصف المليون سوداني من تلك المنطقة. وكانت لتلك الأحداث أصداء واسعة تجاوزت الحدود الإقليمية وتضمنت استنكارا دوليا لجرائم البشير مما استوجب صدور مذكرتي توقيف من المحكمة الجنائية بحق البشير عامي 2009 و2010 بتهمة ارتكاب إبادة وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
وعلى مدار عشر سنوات نجح البشير في الإفلات من هذه المحاكمة واليوم وبعد 16 عاما من ارتكابه لجرائم دارفور يتم فتح التحقيق من جديد على أيدي حراس القانون في السودان وتحت نظر العالم ومتابعة الشعب ورقابة الأجهزة الحقوقية والمنظمات المدنية غير الحكومية، ليثور التساؤل هل يمكن معاقبة البشير هذه المرة على المنسوب إليه من تهم وجرائم ارتكبها في حق أهل دارفور، خاصة في ظل تولي إدارة سياسية جديدة لحكم السودان، أم ينجح في الإفلات مرة أخرى من المحاكمة!!
إن المحاكمة التي يتطلع إليها السودانيون في قضية دارفور هي المحاكمة الدولية التي تتم بتسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية تنفيذا لمذكرتي التوقيف اللتين صدرتا في حقه قبل عقد من الزمان، وهو الأمر الذي يتوقف على موقف القيادة السياسية الحالية في السودان نظرا لأن المسألة لا تقتصر على الجانب القانوني وإنما تمتد لأبعاد سياسية حيوية وحساسة في نفس الوقت، حيث يعتبر البعض أن اللجوء للمحاكمة الدولية إساءة لأنظمة الدولة السودانية القضائية ويحمل اتهاما ضمنيا بتقصيرها مما يوحي باحتمالات تجاهل المحاكمة الدولية والإكتفاء بالمحاكمات الداخلية وهو الأمر الذي لن يرضي السودانيين ولا يشفي أوجاع ضحايا دارفور وأهليهم ومن ثم قد يتسبب ذلك في استمرار عدم الإستقرار بالبلاد في ظل سيادة شعور بالعدالة الناقصة. وقد تسببت تصريحات سابقة لرئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهاني بعدم وجود نية لتسليم البشير للمحكمة الجنائية في إثارة المخاوف من تكرار السيناريوهات السابقة التي سهلت للبشير عملية الإفلات من المحاكمة الجنائية دوليا، إلا أن تصريحات جديدة للبرهان كشفت عن حدوث تغير في توجه الحكومة السودانية بإمكانية تقديم البشير للمحاكمة الجنائية الدولية. وأكد البرهان في تصريحاته الجديدة على محاكمة ومحاسبة كل من ارتكب جريمة فى دارفور “غرب السودان” موضحا أنه “فى حال لم تتم المحاسبة فى المحاكم السودانية، يُمكن اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية”.
فهل تتحقق هذه الوعود ويعاقب مرتكبو جرائم دارفور حقا؟! هذا ما ستسفر عنه تحقيقات النيابة السودانية خلال الفترة المقبلة.