السلفيـة في جيبــــــوتي.. الواقـع وآفـاق المستقبـل (الجزء الرابع)
عبد الله الفاتح
آخر تحديث: 11/11/2018
قراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 54
تناولت الحلقتان السابقتان الثانية والثالثة من هذه الدراسة مفهوم السلفية لغة واصطلاحا ودلالاتها، وموقف منظري الفكر السلفي وموقف المعارضين، بالإضافة إلى انطباع الكتاب والباحثين في الغرب عن الفكر السلفي المنتشر في بعض الدول الإسلامية. وتركز هذه الحلقة وهي الرابعة على النشأة التاريخية للدعوة السلفية، وأولويات هذه الدعوة، بالإضافة إلى المرتكزات الفكرية التي تنبني عليها الدعوة السلفية
المبحث الثاني:
النشأة التاريخية للدعوة السلفية المعاصرة
تعتبـر الجماعة السلفية أو الدعوة السلفية – كما يحلو للبعض تسميتها – واحدة من الحركات الإسلامية المعاصرة، التي تنادي بتطبيق الشريعة في الحياة العامة والخاصة، وهي حــركة تدعو إلى العودة بالعقيدة الإسلامية إلى أصولها الصافية، وتلح على تنقية مفهوم “التوحيد” مما علق به من أنواع الشرك والبدع.
وقد تأسست الدعوة السلفية المعاصـــــرة في نجـــــد في أواسط القرن الثاني عشر الهجري، عندما تحالف الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي مع محمد بن سعود – مؤسس الدولة السعودية، لتأسيس دولة تقوم على منهج العقيدة السلفية في الجزيرة العربية، فدخلت الرياض عام 1187ه، ثٌم مكة المكرمة عام 1219ه، فالمدينة المنورة عام 1220ه.
ولهذا يعتبر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مرجعاً أساسياً للفكر السلفي، ومنــــــه أخذت التيـارات السلفية لقبها الأكثر شهــــــــــرة “الوهابيـــــــة”، وهو لا زال يحتــــــل مكانة رفيـــــعة في الوجـــــدان والعقل السلفي، على اعتبــــــــاره “إماماً مجــــــدداً” حارب جميـــــــــع أشكال الزنـــــدقة والبـــــــدع والخرافات التي كانت منتشــــــرة في بــــــلاد الحجـــــاز في عصــــره، وتركزت أهم معــــــاركه على محاربــــــة فكر التصوف والطرق الصوفية وإزالـــــة مزاراتها وأضرحتها، وكذلك احتفالاتها بالمواليـــــد والأعيـــــــاد.
مـــــــع ظهور النفط وتوفر الدعم المالي والسياسي لها، بدأت الدعــــوة السلفية بالانتشار والتوسع في بلــــــدان الخليج والدول العربية المجاورة للسعودية مثل الكويت ومصر، ومن ثم امتـــــداد إلى كثير من الدول العربية والإسلامية.
وترجع جــــذور الدعوة السلفية في الســـــودان إلى بدايات القرن العشرين، حيـن وصل للسودان الشيـخ عبد الرحمن أبو حجر الجزائري، الذي كان معتنقـــــــاً لأفكار الشيخ محمد بن عبد الوهــــــــــــاب، ومتصــــــلاً في الوقت نفسه برشيــــــــــد رضــــــــاء، وقد انتقل هذا الشيخ من السودان إلى مصر ومنها إلى الحجـــــــــاز حيث توفي فيهـــــــا عام 1939م، إلا أنه كان قد خلف وراءه طبقة من التـــــلاميذ، من بينهم: الشيخ أحمد حسون الكنزي، والشيخ الفاضل التقلاوي، وأنشـــــأ الأخيـــــر بعد اتصاله بالشيخ محمد حامد الفقهي، “جماعة أنصار السنة المحمدية في الســـــــــودان، وأصبح أول رئيس لها، وتولى بعده الشيخ محمد هاشم هداية الذي ظل رئيساً للجماعة حتى وفاته عام 2007م.
وبمرور الزمن اكتسبت السلفية نفوذاً سياسياً ودينياً كبيراً، في داخل السعودية وخارجها، وأصبحت بمثابة الوسيط ليس بين الحكام والرعية فحسب، بل بين العبد وربه، كما أن أصبح الإلمام بالنصوص الدينية والفكر السلفي الأساس لاكتساب الثروة والمكانة الاجتماعية.
وهكذا بدأت الزعامة السلفية تلعب دوراً أساسياً في تسييس الإســــلام وترويض النصوص الشرعية حتى تتماشى مع رغبات وتوجهات الحكام السعودية، وذلك بهدف كسب ثقة ورضى النظام وبالتالي توسيع نفوذها وامتدادها إلى بلدان العالم الإسلامي المختلفة.
1. المرتكزات الفكرية للدعوة لسلفية:
لقد اتكأت الدعوة السلفية في مرجعيتها الفكرية على مجمـــوعة من المتركزات والمبادئ الأساسيـة، تتمثل في الآتي:
تقليد مذهب الإمام أحمد بن حنبـــــــــل (164- 241ه) في الفروع الفقهية.
تطبيق آراء وتوجهات شيخ الإســلام ابن تيمية (661 – 728ه) وتلميذه الإمام ابن قيم الجوزية (691 – 728ه) في مرجعيتها الفكرية.
نسبة الآراء الاعتقادية إلى الأمام أحمد بن حنبل، ونسبة ذلك كله إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه.
إنكار المجاز في النصوص الشرعية، القرآن الكريم والسنة النبوية.
إنكار التوســـــــل والتبرك وبناء القبور والأضرحة.
تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام هي: توحيد الأسماء والصفات، توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وإثبات الصفات الموهمة للتشبيه للذات الإلهية كاليد والرجل والعين وغيرها، دون تأويل.
الحكم بفساد العقيدة والزيغ على المخالفين مطلقاً، ونسبة الشرك إلى أصحاب البدع في العادات والعبادات على حدٍ سواء.
احتكار النجاة: فهم يطلقون أنفسهم اسم “الفرقة الناجية أو المنصورة” مما يتعارض مع قوله تعالى: (فَلا تُزكُوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعلَمُ بَمَنِ اتَقَى) وقول النبي “لن يدخل أحد الجنة بعمله”.
2. أولويات الدعوة السلفية:
كما سبقت الإشــــــــارة، فإن الدعوة السلفية المعاصـــــرة، اتكأت في مرجعيتها الفكرية على أعلام ثــــــــلاثة هم: الإمام أحمد بن حنبل، وشيـــخ الإســـــلام ابن تيميــــة والشيـــخ ابن قيـم الجوزية، ولذلك فهي تعتبـــــر على الأقل – من الناحية النظرية – صـــــــدى لأفكار وتوجهات هؤلاء الأعـــــلام الثلاثة، ومحاولة ترجمة أهدافهم في واقعها العملي، وبالتالي نلاحظ أن أولوياتهـــــا تتركز على الجوانب الدعوية والتعليمية، ومن أبرزها:
الدعوة إلى الكتاب والسنة والآثار الصحيحة الواردة عن السلف الصالح.
أن تصحيح العقيدة وتطهيرها مما علق بها من أدران الشرك والبـــــــدع والخرافات مقدم على كل شيء.
أن صلاح حال المسلمين وشؤونهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مرهون بصلاح اعتقادها من خلال العودة إلى العقيدة الإسلامية المستمدة من أصولها الصافية ومصادرها الصحيحة.
أن إحياء منهج السلف لا بد له من دولـــــــة ذات قوة وسلطة سياسيـة تتبناه وتدعو إليــــه.
السعي بكل عزم وقوة إلى إقامة مجتمع إسلامي متكامل يؤمن بالإسلام عقيدة وعبادة وشريعة ومنهج حياة.