السلفيـة في جيبــــــوتي.. الواقـع وآفـاق المستقبـل (الجزء الثالث)
عبد الله الفاتح
آخر تحديث: 28/10/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 52
تناولت الحلقة السابقة (الجزؤ الثاني من التقرير) مفهوم السلفية لغة واصطلاحا ودلالاتها ومواقف المنظرين للفكر السلفي والمعارضين له. وتسلط هذه الحلقة، وهي الجزؤ الثالث من التقرير على رؤية الكتاب والباحثين في الغرب تجاه الفكر السلفي
السلفية في المنظور الغربي:
لم يعد الاهتمام بمسألة “السلفية” يقتصــــر على الأوساط الدينية والفكرية في العالم العربي والإســـــلامي فحسب، بل نالت حظاً وافـــــــراً من الاهتمام السياسي والإعلامي من مختلف المؤسسات الدولية والغربية على وجــه الخصوص.
فهناك كم هائل من الكتابات الغربية التي تناولت السلفية كظاهرة فكرية ودينية جديدة، وأفردت لها مساحات واسعة في الصحف والمجلات المحكمة والدراسات، كما عُقدت مؤتمرات عديدة لبحث موضوع السلفية ومناقشته، قُدّمت فيها كثير من أوراق عمل، تناولت المسألة السلفية من وجهة النظر الغربية.
ومن الملاحظ أن الكتابات والدراسات الغربية تعرضت لموضوع السلفية، تكاد تكون في جوهرها متشابهة، كما أن معظم ما احتوته تلك الدراسات تصل إلى درجة التطابق، في أغلب الأحيان، لا سيما في تحديد مفهوم السلفية ودلالاتها وربطها بالوهابيـــــة وكذلك علاقاتها بالعنف والتطرف والإرهاب.
والربط بين السلفية والوهابية، يشكل القاسم المشترك بين معظم الدراسات الغربية، وهو أمر ظاهر لا تخطئه عين القارئ، على الرغم من اعتراف بعض الكتاب بأن هناك غموضاً في تفسير ظاهرة السلفية ودلالاتها وفهمها، واختلاف الجماعات والتيارات التي تنطوي تحت مسمياتها.
وبالتأكيـــــد يتعذر حصر كل هذا الكم الهائل من الكتابات والبحوث والدراسات الغربية واستعرضها في هذه السطور، ولذا نلقي الضوء على بعض الجوانب من الموضوع، نجملها في النقاط التاليــة:
يعتقد كثير من الكتاب الغربيين في تفسيرهم لمفهوم السلفية ودلالاتها، بأن ثمة فرقا كبيرا بين السلفية الوهابية والمذهب السني السائد في العالم الإســـــــلامي، وهنا يقول أحد الكتاب: “الفرق الكبير بين السنة والوهابية يتمثل في المعتقدات والطقوس “الدينية”، ومن جهة أخرى يشكل السنة الأغلبية بنسبة تقريبية تصل إلى 90% من المسلمين في جميع أنحاء العالم حيث ينتمون إلى المذهب السني، في حين يتركز أعضاء الحركة الوهابية في المملكة العربية السعودية”.
وكما يوحي هذا النص، فإن الكاتب يرى أن الوهابية هي دين جديد مختلف كلياً عن المذهب السني السائد في العالم الإســــــلامي، وأنها حركة لا يوجد إلا في المملكة العربية السعودية.
وبدوره يرى كوينتان ويكتورويكز: أن الفرق بين الوهابية والسنة يكمن، فيما سماه “الغموض في تفسير الدين عند الوهابيين، وقد سلط الضوء على هذه الجزئية، من خلال بحثه المسمى: تشريح الحركة السلفية (Anatomy of Salafi Movement) فقال: “نظراً للغموض الذي يكتنف ترجمة آيات القرآن عمليـــــاً، وبالأخص في الأمور المستجدة في العالم المعاصر، فإن الأحاديث النبوية أصبحت أمراً مهماً للتوجيه والإرشاد، حتى أنها باتت أكثر أهمية عند السلفيين من القرآن نفسه، ولهذا السبب يُطلق بعض السلفيين أنفسهم اسم “أهل الحديث”.
وبالرغم من اطلاعه الوسع واهتمامه الكبيرة بدراسة موضـــــــوع حركات الإســـــلام السياسي، إلا أن ويكتورويكز – كحال كثير من الكتاب الغربيين – لم يسلم من إشكالية العجز في فهم المصطلحات والمفاهيم الإســـــلامية، وهذا ما يبدو جلياً في هــــــــذه الفقرة أعلاه، إذ نلاحظ أن هناك خلط واضح يمكن إيجازها في التالي:
أولاً: لا ندري من أين أتى الكاتب بهذا الاستنتاج الغربية بأن السنة النبوية باتت أكثر أهمية عند السلفيين من القرآن نفســـــه، كما تجاهل أن الأحاديث
ثانيــــاً: إن السنة النبوية تعــد أهم مصدر من مصادر تفسير القرآن الكريم وهي مبينة لمتشابهه ومفصلة لمجملاته، على اعتبـــــارها وحي من الله عز وجــــــل؛ كما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): “ألا إني أتيت القرآن ومثـــــله معه” وما كان ينبغي أن يخفى على الكاتب، أمر بديهي كهذا.
ثالثاً: إن مصطلح “أهل الحديث” ليس مصطلحاً جديداً يرتبط بالفكر السلفي المعاصر، بل هو مصطلح قديم أُطلق عليه إحدى المدارس السنية الإسلامية التي تميزت بالاهتمام بالحـــــديث النبوي التي تبلورت ملامحها منذ صــــــدر الإســــــــلام على يد أئمة الحديث وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبــــــل.
وفي سيــــــاق الربط بين السلفية والوهابية، كتب ألكسندر فاسيليف مقالاً بعنوان: السلفية: النظرية والتطبيق (Salafism: Theory and Practice) جاء فيــه: ” إن عقيدة الوهابية هي الاسم الثاني للسلفية، وهي تأسست في العالم الإســـــــلامي عن طريق السيخ محمد بن عبد الوهاب، وقامت على أساس كتابات عالم الكلام الشيخ ابن تيميـــــة في القرن الرابع عشـــــر”.
أما الدكتور هيليل فرادكن – مدير مركز الإسلام والديمقراطية بمعهد هدسون في واشنطن – فقد كتب بحثـــاً بعنوان: التاريخ والمستقبل غير المكتوب للسلفية (The History and Unwritten Future of Salafism) جاء فيـه: “بعد 11 سبتمبر أصبحت القاعدة كلمة شائعة الاستعمال وهي اسم للمنظمات الجهادية الإرهابية.. والأمريكيون باتوا على إطــــلاع بمصطلح الوهابية، وهو الاسم الذي أُطلق على شكل محدد وصارم للإسلام الذي تأسس في السعودية، والسبب الرئيسي لمعرفة الأمريكيين هذا المصطلح هو ما نتج عن أحداث 11 سبتمبر، خاصة وأن الغالبية العظمى من إرهابي هجمات سبتمبر كانوا سعوديين، كما أن السعوديين قاموا بجهود كبيرة لنشر نموذجهم الإسلامي الوهابي والترويج له في مختلف أنحاء العالم بما في ذلك الغرب”.
تريفور ستانلي: فقد استهل بمقاله الذي جاء بعنـــــوان: فهم أصول الوهابية والسلفية (Understanding the Origins of Wahhabism and Salafism) بالعبارة التاليـة: ” إن ظاهرة الإرهاب الإســــــلامي لا يمكن شرحها بصورة ملائمة مثلما هو الحال في تصدير الوهابية السعودية، كما يرى معظم المعلقين”.
وفي هذا السياق كتب الصحفيان ديفيد فان بيما وبروس كروملي، في تقرير شامل اختـــــارا له عنواناً أكثر حدة: “الوهابية: العقيدة السامِّة” وجاء فيه ما يلي: “النسخة الوهابية من الإســــــلام الذي تخيله محمد بن عبد الوهاب، هي الآن الدين الرسمي في المملكة العربية السعودية، وأن الكثيرون ينظرون إلى الوهابية بنظرة سوداوية، فهي عقيدة سامة مرادفة للإرهاب”.
وقد استند الصحفيــــان على صدق مقولتهما بما أورده الصحفي الأمريكي ستيفن شوارنز؛ في كتابه المسمى: الإسلام في السعودية (Islam in Saudi Arabia) عندما قال: ” إذا كانت الوهابية هي العقيدة الرسمية فإن ذلك يُنتجّ دولة إرهابيــة”.
ويرى معظم الكتاب الغربيين أن الإسلام السلفي تفسير متعصب يشدد على الالتزام بمبادئه الأساسية وأن غالبية المتورطين بالإرهاب هم من الملتزمين بهذا المذهب، وأن السلفيين يمكن أن يقعوا بسهولة في أعمال العنف.
وهكذا ارتبط السلفية – في المنظور الغربي – بالوهابية السعودية التي باتت اسم يرادف التطرف و”الأصولية” هي من المسميات التي تُطلق عليها الكثير من وسائل الإعلام الدولية لا سيما الغربية، وهي ترجمة للمصطلح الإنجليزي (Fundamentalism) ويعرقها “قاموس المورد” على أنها مذهب العصمة، وهي حركة دينية متشددة عرفتها “البروتستانتية” في مطلع القرن الماضي، تؤمن بالعصمة الحرفية للكتاب المقدس، والمقتنعة بأنه يتضمن توجيهات لمجمل مناحي الحياة.
وبهــــــــــذا يرى العديد من الكتاب والباحثين، لوجود قواسم مشتركة عديدة بين الحركة “البروتستانتية” المذكورة، والدعوة السلفية المعاصرة، مما يجعل مفهوم هذا المصطلح ينطبق على هذه الأخيرة.
بينما يرى الآخرون، أن ثمة فروقا واضحة بين تلك الحركة “الأصولية” والدعوة السلفية، وأن هذا المصطلح قد أطلق عليها، في محاولة من الغرب لربط الأخيرة بالأصولية المسيحية بكل سلبياتها التي رسبتها في الضمير الأمريكي بصفة خاصة، والغربي المسيحي بصورة عامة.
وفي خـــــــلاصة القول فإن هذه الجزئية، لا تمنع بوجود بعض القواسم المشتركة بين الأصولية المسيحية وبعض التيارات السلفية، ومن أبرزهــــــا الآتي:
1) الجمود الفكري: أي رفض التكيف، والمعارضة لكل نمو وتطور، ومعاداة الحضارة خيرها وشرها.
2) العودة إلى الماضي، من انتساب إلى التراث، والمحافظة عليها.
3) عدم التسامح، والانغلاق، والتحجر المذهبي، وما يستتبعه من تصلب وعناد وتعصب.