الرئيس الكيني ويليام روتو .. هل ينجح في الاختبار الصعب أمام شعبه؟
الصومال الجديد
آخر تحديث: 12/04/2023
القاهرة: صفاء عزب
لاشك أن خبر إعلان كينيا عن قيامها بإطلاق أول قمر صناعي لها هذا الشهر، يعد إنجازا علميا تاريخيا لها ولكل الدول الإفريقية، لأنه يفتح أبواب الأمل نحو آفاق أرحب وأوسع في عالم الفضاء أمام دول القارة السمراء، لتلحق بركب الدول المتقدمة. ولكن من المفارقات الغريبة، أن يتواكب ذلك الحدث الكبير في كينيا، مع تعرض البلاد لحالة من عدم الاستقرار السياسي في ظل الاحتجاجات والمظاهرات التي قامت بها المعارضة الكينية ضد الحكومة، وأدت إلى سقوط ضحايا ما بين قتلى وجرحى. وعلى الرغم مما أعلن مؤخرا عن قيام زعيم المعارضة الكيني رايلا أودينجا بتجميد الاحتجاجات بناء على وساطات إقليمية ودولية، إلا أن حالة الاستقطاب السياسي الحاد بين زعيم المعارضة والرئيس المنتخب ويليام روتو تثير المخاوف من تدهور الأوضاع في حالة حدوث مزيد من التصعيد المحتمل.
وما بين هذه الحالة الخطيرة من الاحتقان السياسي والاحتفال بإنجازهم العلمي التاريخي، يعيش الكينيون أوضاعا متناقضة ويواجهون ظروفا معيشية صعبة لم يخفف من وطأتها ظهور ويليام روتو على مسرح الأحداث كرئيس جديد منتخب للبلاد. كما تتعرض كينيا لضغوطات اقتصادية كبيرة من جراء التضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية مما زاد من معاناة شعبها، في الوقت الذي تصنف فيه مؤسسات اقتصادية دولية النظام الاقتصادي الكيني بأنه من أفضل وأقوى الأنظمة في إفريقيا لما حققه من قفزات خلال فترات سابقة. كما تعتبر الدول الغربية التجربة الكينية نموذجا جيدا للتطبيق التدريجي للديمقراطية في الدول الإفريقية، الأمر الذي يجعلها تنظر لما تشهده حاليا من صراعات سياسية ومظاهرات دموية في الساحات والشوارع على أنه أمر يتناقض مع هذه الديمقراطية، وهو ما يثير التساؤل عما يحدث في كينيا والأسباب الكامنة وراء هذه الأحداث، خاصة وأنها تأتي بعد فترة قصيرة من تولي الرئيس الكيني الجديد المنتخب ويليام روتو والذي لم يكمل بعد عامه الأول في منصبه السياسي.
لقد بدأت الأحداث الساخنة تشتعل في كينيا منذ العشرين من مارس الماضي عندما دعا المعارض الكيني أودينجا إلى المظاهرات للتنديد بتردي الأوضاع الاقتصادية، ومهاجمة الرئيس المنتخب روتو واصفا الإنتخابات التي أتت به رئيسا للبلاد بأنها “انتخابات مسروقة” على حد قوله. وأخذت الاحتجاجات في التصعيد على مدار الأسابيع الماضية، ليرتفع سقف المطالب من خفض الضرائب وتكاليف المعيشة وإعادة الدعم، إلى المطالبة باستقالة الرئيس روتو وفتح تحقيق في انتخابات الرئاسة التي جاءت به رئيسا، وتأجيل إعادة تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات. ونتيجة لهذا التصعيد تدهورت الأوضاع الأمنية بسبب الاشتباكات التي حدثت بين قوات الشرطة وبين المتظاهرين، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى منهم 60 من رجال الأمن إضافة إلى طلاب وأفراد من الصحافة والإعلام.
وزاد من خطورة الأوضاع أن انتقلت حالة الاحتقان السياسي من المستويات العليا فيما بين قوى المعارضة ورجال النظام إلى رجل الشارع الكيني البسيط فظهرت حالة الاقتتال التي تزداد المخاوف من تحولها لحروب عرقية وأهلية. وفي المقابل قال الزعيم المعارض أودينجا أنه تعرض لمحاولة اغتيال خلال مظاهرات نيروبي عندما تم إطلاق النار على سيارته، موجها التهمة لحكومة الرئيس روتو بالتدبير لاغتياله. كما تزامن مع هذا الحدث قيام مجهولين باقتحام مزرعة الرئيس السابق، أوهورو كينياتا، وهو ما اعتبره أودينجا أنه إجراء انتقامي مُدبر من قبل حكومة «روتو» للرد على دعم كينياتا لمطالب المعارضة، وهو ما يشي بخطورة حالة الاستقطاب السياسي بين الحكومة والمعارضة في كينيا وما أفرزته من غضب شعبي وعدم رضا عن أداء الرئيس المنتخب رغم كل الآمال التي كانت معقودة عليه خلال حملته الانتخابية قبل انتخابه.
مع ذلك لم يكن هذا الاستقطاب مفاجئا للمراقبين الذين أعربوا من قبل عن تخوفهم مما أسفرت عنه الانتخابات الرئاسية من نتائج متقاربة جدا بين المرشحين المتنافسين روتو وأودينجا، حيث كان الفارق بينهما ضئيلا جدا ما جعل الخاسر منهما يعتبر نفسه أنه الأولى بالنجاح بعد تشكيكه في النتائج سيما مع تأخر إعلان النتائج.
كانت كينيا قد شهدت انتخابات رئاسية ساخنة في شهر أغسطس الماضي بين مرشحين كلاهما ينتمي إلى الطبقة الحاكمة إلا أن روتو اختار لنفسه أن يخوض الانتخابات كفرد من الكادحين في مواجهة الفئة التي تحكم البلاد لسنوات طويلة قاصدا الخلفية الاجتماعية المختلفة التي ينحدر منها كل من الرئيس السابق كينياتا ومنافسه أودينجا. ولكن لم يكن فوز روتو قويا بالدرجة التي تدعمه وتثبت كيانه وتضمن له الاستقرار في فترة حكمه حيث يظل معارضوه يشكلون نسبة كبيرة تقترب من النصف بحسب ما كشفته نتائج الانتخابات. لقد فاز روتو بنسبة 50.05% أي أن منافسه كان قريبا جدا من الفوز لولا النسبة الضئيلة الفارقة، وهو ما أشعل نيران الغضب والمشاحنات وتسبب في تأخر إعلان النتائج لبعض الوقت بشكل أثار الشكوك لدى المعارض أودينجا ومؤيديه.
آمال كثيرة وكبيرة عقدها الكينيون على روتو خلال حملته الانتخابية خاصة مع تصريحاته القوية حول سياساته التي سينتهجها في حال فوزه، والتي حملت شعارات ووعودا بحل المشكلات المزمنة التي يعاني منها المجتمع الكيني. وتصدر شعاره ” التغيير من القاعدة إلى القمة” حملته الرئاسية في حديثه عن اقتصاد بلاده، ووعد بمعالجة ارتفاع معدلات البطالة ومشكلة التضخم خاصة في أسعار الوقود والمواد الغذائية والأسمدة والبذور. كما كشف عن رؤيته الخاصة بالإصلاح لإخراج بلاده من أزمتها الإقتصادية، وأعلن عن إنشاء صندوق رأسماله 50 مليار شلن كيني (نحو 410 ملايين يورو) لمنح قروض للأعمال الصغيرة، وكذلك خطته لنقل العاصمة نيروبي بشكل كامل وعادل إلى مرحلة الكهرباء المنتجة حصريا عن طريق الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية بحلول عام 2030، لتعظيم استفادة شعبه.
عندما وصل ويليام روتو إلى سدة الحكم، كانت تلك الشعارات آمالا في عقول الكينيين يعلقونها عليه، وينتظرون تحقيقها على يديه. لكن الواقع الصعب فرض نفسه بكل قيوده على كل من الرئيس المنتخب والشعب لتسوء الأحوال المعيشية خاصة في ظل بعض الإجراءات التي اضطرت الإدارة الجديدة لاتخاذها. فمع الجفاف والمجاعات التي أصابت الملايين، والارتفاع الشديد في أسعار السلع الرئيسية، وارتفاع التضخم، انخفضت قيمة العملة الوطنية ووصل الشلن الكيني لمستويات دنيا بشكل حاد في مواجهة الدولار الأمريكي. وفي الوقت الذي وعد روتو بعدم المساس بقطاع الطاقة، فوجئ الكينيون بارتفاع في أسعار الكهرباء مع بداية إبريل الجاري، الأمر الذي زاد من تعميق معاناة الشعب وأدى إلى مزيد من الغضب في الشارع الكيني. وعلى جانب آخر تراجع الاحتياط الأجنبي في كينيا لأدنى مستوى منذ ما يقرب من 13 عاما، وذلك في ظل ارتفاع تكلفة الواردات حيث ذكرت وكالة بلومبرج للأنباء أن بيانات البنك المركزي أظهرت أن احتياطي النقد الأجنبي تراجع بنسبة 13.6% على أساس ربعي، ليصل إلى 6.43 مليار دولار في نهاية مارس الماضي. وهو مستوى احتياطي خطير لا يكفي لتغطية واردات أربعة أشهر، الأمر الذي يهدد بمخاطر أكبر.
ومن الطبيعي أن تستغل جبهة المعارضة هذا الغضب الشعبي وتستثمره لإثبات عجز الرئيس الذي جاء في “انتخابات مسروقة” على حد وصفهم، والتأكيد على أنهم الأجدر بقيادة البلاد، وهو ما يفعله أودينجا بتحريك موجات الاحتجاجات وتهدئتها وفق معطيات الواقع السياسي الذي يواجهه، الأمر الذي وصفه الرئيس روتو بأنه محاولة من المعارضة لابتزاز الحكومة لتعطيل أجندتها التنموية.
لم تكن هذه هي أول أزمة سياسية تشهدها كينيا حيث تعرضت البلاد في أعقاب انتخابات 2007 لصراع عرقي خطير أدى لمقتل أكثر من ألف شخص، لذلك أثارت التوترات الأخيرة مخاوف الكثيرين من تحولها لما يشبه كارثة 2007 خاصة وأن الأحداث الأخيرة شهدت عمليات عنف وسلب ونهب للأموال وتطاول على أماكن العبادة حينما تم الاعتداء على كنيسة ومسجد في أحد الأحياء الفقيرة في نيروبي.
ومن هذا المنطلق سارعت أطراف دولية بدعوة الفرقاء في كينيا لضبط النفس والتراجع عن حالة العنف التي اشتعلت في البلاد. ودعا الاتحاد الإفريقي الأطراف المتنازعة للحوار، محذرا من مخاطر استمرار العنف في البلاد. وأعرب رئيس الاتحاد موسى فقي محمد، عن قلقه العميق إزاء أعمال العنف التي شهدتها الاحتجاجات. وأصدر بيانا صحفيا مطالبا الكينيين بالتحلي بالهدوء، والانخراط في حوار لمعالجة أي خلافات، وإعلاء المصلحة العليا للبلاد، كما جدد دعمه لحكومة الرئيس الكيني ويليام روتو، ولجهوده نحو الوحدة الوطنية والسلام والاستقرار في البلاد. وهو نفس الموقف الذي تبناه زعماء دينيون من المجلس المشترك بين الأديان عندما دعوا الزعماء السياسيين للحوار.
على الصعيد الدولي العالمي طالبت الولايات المتحدة الأمريكية كافة الأطراف إلى نبذ العنف وضبط النفس مشيرة إلى احترام الحق في التظاهر، مع تأكيدها على أن حقوق حرية التعبير وتشكيل الجمعيات والتجمّع السلمي هي مبادئ أساسية للديمقراطية.
وفي ظل هذه المواقف الدولية والإقليمية والمحلية، أعلن زعيم المعارضة أودينجا عن تعليقه الاحتجاجات المناهضة للحكومة، وأعرب عن استعداده لإجراء محادثات. وهو ما تزامن مع تصريحات له بأنه يتفق على ضرورة المضي قدما في عملية برلمانية متوازنة يشترك في قيادتها الجانبان، ويدعمها خبراء من الخارج. ثم عاد يهدد من جديد أنه إذا لم يكن هناك تفاعل أو استجابة ذات مغزى من روتو، فستبدأ الاحتجاجات مرة أخرى.
وكان الرئيس روتو قد طلب من أودينجا إلغاء الاحتجاجات في مبادرة منه مشيرا فيها إلى إمكانية عمل الحكومة والمعارضة معا على إجراء إصلاح لمفوضية الانتخابات، وهو أحد المطالب الرئيسية للمعارضة، فيما وصفه أودينجا بأنه تلويح بغصن زيتون و«تطور إيجابي». لكن روتو أبدى صرامة في موقفه حينما قال إنه فقط «يعرض بيئة للمعارضة لكي تراقب حكومته (دون إلقاء الحجارة)» نافيا أن تكون هناك تلك المصافحة التي تعني سياسيا في كينيا ترتيبا ائتلافيا فضفاضا بين الحكومة والمعارضة ينطوي على تقاسم السلطة.
أمام هذه المعطيات السياسية داخل وخارج كينيا وما تتضمنه من مواقف متباينة نكون أمام حالة سياسية يصعب توقع تطوراتها في ظل حالة الاستقطاب المعقد الذي عكسته تصريحات روتو وأودينجا، وتمسك كل منهما بوجهة نظره ومطالبه. وبالنظر إلى مقارنة قوة موقفيهما نجد أن الرئيس الكيني قد يكون صاحب الموقف الأقوى دستوريا وسياسيا بحكم كونه رئيسا منتخبا يمتلك مقاليد الحكم وهو ما جعل الطرف الإقليمي المتمثل في رئيس الاتحاد الافريقي يؤكد استمرار دعمه له، كما أنه يسيطر على القوة الأمنية التي تواجه الاحتجاجات بقوة، ولكن في المقابل تواجهه عقبة كبيرة متمثلة في خطورة التصعيد وما ينجم عنه من سقوط ضحايا بخلاف ما يجره عليه من انتقادات دولية كبيرة خاصة من يدافعون عن الديمقراطية وحقوق التظاهر كما في التصريحات الأمريكية، الأمر الذي يمثل ضغوطا على روتو في استخدام ورقة القبضة الأمنية.
وعن موقف زعيم المعارضة أودينجا، فإنه يعتمد على تأجيج الاحتجاجات الشعبية وإثارتها في صورة موجات متتابعة يحركها وفق أهدافه بما لا ينفي إمكانية استقوائه بجهات أجنبية، ولكنه يجب أن يعلم جيدا أن من أعطوا أصواتهم لروتو لن يفرطوا في حقوقهم ويتركوه دون تأييد، وهنا يأتي الخوف من خروج الأمر عن السيطرة مع زيادة التصعيد والاحتقان لدرجة الاقتتال، خاصة وأن هناك سابقة مريرة عام 2007.
ويأتي تصريحه بأنه لا يسعى لاتفاق تقاسم السلطة، تأكيدا على إدراكه لحجم قوته ولذلك لا يتوقع الخبراء أن يستمر كثيرا في التصعيد خاصة لو نجحت إدارة روتو في احتوائه من خلال منحه منصب سياسي رفيع أو إشراكه بصورة أو أخرى في العملية السياسية في إطار ديمقراطي، مع ضرورة العمل على امتصاص الغضب الشعبي باتخاذ إجراءات إصلاحية سريعة لتخفيف الأعباء عن كواهل الكينيين وإشعارهم بصدق الوعود الانتخابية للرئيس الذي انتخبوه.
لاشك أن الشعب الكيني لا يريد أن يعرض حياته للخطر اندفاعا وراء زعيم معارض ولكن الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها هي الدافع القوي لمشاركته في الاحتجاجات وبالتالي فإن إيجاد علاج سريع للأزمة، يكفل ضمان حياة كريمة للمواطنين، هو أفضل الوسائل التي يمكن للرئيس روتو أن يسد بها أبواب الذرائع أمام منافسيه لتحريض الشعب على الاحتجاجات والمظاهرات الغاضبة ويكسب بها شعبه.
وهذا هو الاختبار الحقيقي والصعب للرئيس الكيني أمام شعبه فهل ينجح في اجتيازه؟!
هذا ما ستكشفه الفترة المقبلة.