الدَّور الصيني المتنامي في الصومال: قراءة في الاهتمامات والأبعاد
عبد العزيز أحمد جدف
آخر تحديث: 15/04/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 27
تمهيد
يمتد الاهتمام الصيني بالصومال بصفة خاصة إلى فترة ما بعد استقلال البلاد من الاستعمار الأوروبي عام 1960م، وذلك بعوامل ومسوغات متعددة ساهمت في تطبيع علاقاتها مع الصومال، غير أن اهتماماتها اتخذت فيما بعد أشكالا متباينة شملت تارة أبعاداً اقتصادية وسياسية، وأمنية وثقافية تارة أخري مع بداية السياسة الصينية الجديدة تجاه أفريقيا، والتي من خلالها تسعى الصين جاهدة لتعزيز علاقاتها المترامية الأطراف مع أفريقيا؛ لفرض هيمنتها على مصادر الطاقة وبسط نفوذها التجاري على أسواق القارة السمراء كقوة دولية قادرة على مواجهة القوى الفاعلة فيها، الأمر الذي بدوره سيغير مسارات المعادلات والتوازنات المنخرطة فيها خلال فترة زمنية وجيزة.
وكانت القراصنة البحرية التي تشكلت في الصومال إبان العقد الماضي، قد لعبت دوراً هاماً في تزايد الاهتمام الصيني الجديد للصومال، ما دفعها إلى إقامة أول قاعدة عسكرية لها خارج البلاد في جيبوتي لحماية مصالحها التجارية المتصاعدة في منطقة القرن الإفريقي، مُعلنة عن أن قاعدتها العسكرية في جيبوتي تندرج ضمن مساعيها الرامية إلى إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة، ما يجعلها شريكا إستراتيجيا قد يُقلّب المعادلات في المنطقة في أي لحظة قادمة.
ففي عام 2012م، وبعد أن عقدت الصومال ولأول مرّة انتخابات رئاسية داخل البلاد منذ سقوط الحكومة المركزية عام 1991، تسابقت الدول إلى تطبيع علاقات دبلوماسية مع الصومال، وكانت الصين من أوائل الدول التي قامت بتعزيز علاقات قوية ومتينة مع الصومال، حيث أعادت الصين افتتاح سفارتها في مقديشو عام 2014م.
وقد عينت الصين الدبلوماسي وي هونغ تيان سفيراً لها لدى الصومال، والذي يتحدث باللغة الصومالية بطلاقة؛ لأنه تخرَّج من الجامعة الوطنية الصومالية، وأتقن اللغة الصومالية، مما يميزه عن السفراء الآخرين في الصومال؛ حتى لقبه الصوماليون فيما بعد اسما علماً (ورسمه) فيما بينهم تعبيراً عن قربه للصوماليين( ).
فمنذ افتتاح السفارة الصينية في مقديشو، كانت الصين تقوم بأنشطة فعالة تبرز عمق الدور الصيني المتنامي في الصومال متخذة سفيرها المتحدث باللغة الصومالية كجسر يربطها بالولايات الفيدرالية و إلى القطاعات الصومالية المختلفة.
ولا تزال الصين تواصل تحركاتها في الصومال وفي المنطقة، وهو الأمر الذي أدى إلى قيام وزير الخارجية الأمريكي المقال ريكس تليرسون مؤخرا بزيارة رسمية إلي دول منطقة القرن الأفريقي بما فيها إثيوبيا وكينيا؛ حيث تباحث مع قادتها كافة السبل الكفيلة للحدّ من التحركات الصينية المتصاعدة في المنطقة، غير أنه ليس من المؤكد ما إذا كان قد ناقش مساعد وزير الخارجية الأمريكي ديفيد ملباس مع رئيس الوزراء الصومالي حسن علي خيري أثناء لقائهما بواشنظن في أوائل شهر مارس المنصرم حول التحركات الصينية المتنامية في البلاد أم لا؟.
أبعاد الاهتمام الصيني بالصومال
• أولاً: البعد الدبلوماسي
انطلاقا من أهمية الموقع الجغرافي للصومال وغزارة الثروات الطبيعية التي تحتضن الصومال في بطنها البحري والبري، بالإضافة إلى التوجّه الصومالي نحو المنتجات الصينية، ساعدت تلك العوامل وغيرها على تزايد الانفتاح الدبلوماسي بين الصومال والصين.
ففي المقابل هناك بعثة دبلوماسية صومالية متواجدة في الصين منذ عقد من الزمن، كما افتتحت الصين سفارة لها في الصومال في عام 2014؛ وقد لقي دبلوماسي من السفارة الصينية بمقديشو مصرعه في الانفجار الذي استهدف فندق جزيرة في عام 2015. وتُعد الصين إحدى الدول القلائل التي دشنت مقرات رسمية لسفاراتها بمقديشو؛ حيث بنت مقرا رسميا تعمل سفارتها فيه داخل منطقة “حلني” المشددة أمنها من قِبل القوات الأفريقية ” أميصوم”، إلا أن السفارة الصينية بمقديشو لازالت تقتصر أعمالها على القنوات الدبلوماسية فقط؛ مما يوحى إلى أنه لم يتمّ استعدادها الكامل، ولم تتهيأ بعد للتعامل مع الشارع الصومالي لِتُعرض بضائعها على الأسواق الصومالية بشكل غير محدود.
• ثانياً: البعد الأمني والعسكري
فقد كانت دولة الصين رائدة في توفير الدَّعم المادي واللوجستي لقوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال، حيث تساهم الصين في دعم هذه القوات وتزويدها بمعدات عسكرية متطورة من أجل المحافظة على الأمن والاستقرار في الصومال. كما هبطت طائرات صينية قيل إنها محملة بأسلحة وذخائر مختلفة في مطار مقديشو في الشهور القليلة الماضية لتقديمها إلى الصومال، بيد أن الصحافة المحلية أشارت إلى أن تلك الأسلحة كانت عبارة عن مساعدات عسكرية قدمتها السعودية بواسطة الصين إلى الصومال. إضافة إلى ذلك فإن الصين تمثل محوراً أساسيا في العمليات العسكرية التي تنفذها سفن دولية قبالة السواحل الصومالية من المحيط الهندي وخليج عدن بغية مكافحة القرصنة والحدّ من الجرائم المترتبة منها.
• ثالثاً: البعد الإنساني والتنموي
ففي المجال الإنساني لازالت الصين تلعب دورا هاما في مساعدة المنكوبين الصوماليين والنازحين في داخل البلد عبر سفارتها في مقديشو، والتي تقيم بين فترة وأخرى مناسبات تقدم من خلالها تبرعات للنازحين في داخل البلد، كما تقوم بعمليات توزيع المساعدات الإنسانية والغذائية لهم في المخيمات المتفرقة في ضواحي مقديشو.
أما المجال التنموي، فقد وقعت شركات صينية مع الصومال عدة اتفاقيات من أجل تشييد البنى التحتية في الصومال، كما قامت الشركة الصينية للهندسة المدنية والإنشاءات المعروفة اختصارا (CCECC) ببناء مطار بوصاصو الدولي، وبالتالي فإن تلك الشركة الصينية نفسها ستقوم ببناء الشارع الذي يربط بين مدينة جروي عاصمة ولاية بونت لاند الإقليمية وبين مدينة “أيل” في محافظة “نغال” في الولاية نفسها، ذلك الشارع الذي وضع حجر أساسه رئيس الصومال محمد عبد الله فرماجو خلال زيارته الأخيرة لولاية بونت لاند. و في مقديشو، فقد أكدت مصادر صحفية ودبلوماسية بأن الصين تخطط لترميم وبناء ملعب مقديشو لكرة القدم والمسرح الوطني اللذين بنتهما الصين في السبعينيات من القرن الماضي. وقد أشارت مصادر إعلامية إلى أن دولة الصين أطلقت في الصومال سبع مشاريع تنموية في الفترة مابين 2000 إلى عام 2011 متعاونة مع كلّ من الحكومة المركزية والولايات الإقليمية بشكل متساوٍ.
• رابعاً: البعد الثقافي
فقد كانت الصين من بين الدول النشطة في تقديم المنح التعليمية للصومال على مدار السنوات الأربعة الماضية بشكل متزايد، كما كانت تستقبل سنويا أعدادا كبيرة من الطلاب الصوماليين والذين يريدون الالتحاق بالجامعات الصينية وخاصة الكليات التطبيقية مثل الطب والهندسة، ولا شك أن هؤلاء الطلبة يتأثرون بالثقافة الصينية ويتعلمون لغتها خلال فترة تواجدهم في الصين.
• خامسا: البعد التجاري والاقتصادي
على الرغم من انعدام أرقام وإحصائيات دقيقة تعبر عن مدى حجم التبادل التجاري بين الصومال والصين، إلا أن التبادل التجاري بينهما شهد تزايدا ملحوظا في السنوات الأخيرة؛ حيث تستقطب المنتجات الصينية التجار الصوماليين الذين يجلبون بضائع صينية مختلفة إلى الأسواق الصومالية، وبالتالي فإن الصومال جزء من الدول الأفريقية التي أشارت الصين بأن التبادل التجاري بينها وبين أفريقيا وصلت إلى 85 مليار دولار في أواخر العام الماضي .
ففي مجال تنقيب الثروات الطبيعية للصومال، هناك شركات صينية متعددة تتطلع وتسعى جاهدة إلى إبرام اتفاقيات تعاون وشراكة مع الصومال لاستخراج هذه الثروات الطبيعية المختلفة. وخلال العام الماضي فقد أكدت ولاية بونت لاند الصومالية بأنها أبرمت اتفاقية حول مشروع التنقيب عن النقط مع شركة CCECC الصينية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. فيما دعت الحكومة الصومالية شركة “أي أر سي” الصينية في عام 2015 بوقف أنشطتها المتصلة بتنقيب النفط في ولاية أرض الصومال دون الحصول على تراخيص من الحكومة المركزية مطالبة إياها بمغادرة البلاد فوراً. وفي يوليو عام 2007 كانت هناك شركة بترول مملوكة للصين أبرمت اتفاقية مع الصومال للتنقيب عن النفط في إقليم مدغ والذي كان يتمتع آنذاك بحكم ذاتي غير مستقر.
أما في مجال الاستثمار، يبدو وكأن الصين اتجهت إليه في الآونة الأخيرة؛ حيث تصب معظم تحركاتها الآنية في البحث لقطاعات تجارية يمكن استثمارها تعاوناً مع الحكومة المركزية والولايات الإقليمية بشكل رسمي. وفي هذا الأثناء أبرمت الصين بشراكة جيبوتية في شهر فبراير الماضي مع شريف حسن شيخ آدم رئيس ولاية جنوب غرب الصومال اتفاقية مبدئية حول بناء ميناء مدينة “مركا” التي تبعد عن مقديشو 90 كيلو مترا فقط ، فيما أنه من المتوقع أن شركة صينية أخري ستبني ميناء مدينة “هبيو” في ولاية غلمدغ بعد أن حصلت على ضوء أخضر من الحكومة الفيدرالية والذي من أجلة شرعت الشركة الصينية بتقييم رسمي حول بناء الميناء.
وفيما يتعلق بمجال الثروة السمكية للصومال الذي يتمتع بساحل يبلغ طوله حوالي 3300، ويوجد فيه كمية هائلة من الأسماك بمختلف أنواعها وأشكالها، فقد أكدت مصادر دبلوماسية مطلعة، بأن هناك شركات صينية وغير صينية تبحث عن تراخيص رسمية من الهيئات المختصة بها، وذلك في ظل اختتام المؤتمر الوطني في العاصمة الصومالية مقديشو حول تقاسم عائدات الثروة السمكية للبلاد بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية الأعضاء منها.
تداعيات الحضور الصيني
اتخذ الدور الصيني في المنطقة بُعداً استراتيجيا بعد أن بنت قاعدتها العسكرية في جيبوتي في سياق تبلورها كقوة دولية قدمت في مواجهة القوى الغربية في المنطقة، وبالتالي فإن القوى الدولية استشرفت وأدركت تماما انخراط قوة عسكرية منافسة تتخذ جيبوتي مقرا لها، وتنطلق بشكل سريع نحو التوجه إلى الصومال؛ حيث الخيرات الطبيعية فيها لم تستفد بعد. وكردة فعل، فان القوي الغربية الفاعلة في المنطقة نهضت إلى رصد التحركات الصينية فيها، وقامت أكثر من مرة بعرقلتها والحدّ من سرعتها، وكانت آخر محاولاتها تلك الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي المقال “تيلرسون” شهر مارس الماضي بالدول الكنيسية في المنطقة وتحديدا إثيوبيا وكينيا مقابل إهماله للدول المسجدية فيها، وعلى رأسها الصومال وجيبوتي على الرغم من أن الصين كانت وتيرتها تتصاعد في الأخيرتين.
وفي مقابل ذلك،فإن التحركات الصينية العسكرية والتجارية في الصومال ربما ستثير حفيظة بعض الدول الإسلامية والعربية التي تنخرط وبشكل فعال في مجال استثمار الموانئ الصومالية؛ لتصبح الصين ثالثة الدول المباشرة في هذا المجال بعد تركيا والإمارات في حالة قيامها ببناء ميناء مركا وهبيو. غير أن القرار البرلماني الصومالي الأخير حول منع شركة موانئ دبي العالمية من العمل في البلاد بعد النزاع بينها وبين الحكومة الصومالية الفيدرالية على اتفاقية ميناء بربرة، ربما سيقوض هذا القرار ذاته سير أعمال بعض المشاريع الصينية في الصومال، خاصة تلك التي أُبرمت مع رؤساء الولايات الإقليمية بما فيها مشروع بناء ميناء مركا المرتقب بدؤه في وقت لاحق من هذا العام.
ومهما يكن، فان تنامي الدور الصيني في الصومال يعود لأمر يحتضن في كنفه مزيدا من الربح والتطور في مجال نمو الاقتصاد وزيادة استثماراتها في البلاد، وذلك في ظل توجه التجارة الصومالية نحو الاعتماد على الصين. وقد يحمل الدور الصيني نفسه للصومال وجها آخر من الخسارة متمثلاً في فتح باب التنافس الحاد على مصراعيه بنيها وبين الدول الغربية تارة، وبينها وبين الدول الإسلامية أو العربية المتواجدة في البلاد تارة أخري، ما يجعل دور الصيني في الصومال وكأنه يجمع بين الربح والخسارة في آن واحد.