الدّور القطري في الصومال .. انتقادات واتهامات
الصومال الجديد
آخر تحديث: 12/05/2021
تعدّ قطر من الدول العربية المؤثرة في الشأن السياسي الصومالي منذ فترة طويلة تزيد على 10 سنوات تقريبا، ذلك أن الوجود القطري في الصومال يعود إلى منتصف 2006م، أيام المحاكم الإسلامية في جنوب ووسط الصومال.
وعلى الرغم من أن الحضور القطري في الصومال كان آنذاك منحصرا في المجال الإعلامي، إلاّ أن ذلك كان مدخلا لقطر في الانخراط بالتأثير على مجريات الأحداث السياسية الصومالية.
في الفترة ما بين 2012 _ 2017م، كان الحضور القطري في الصومال باهتا، ولم يكن لها تأثير ذو معنى في السياسة على الرغم من محاولاتها الدؤوبة والمستمرة للسعي إلى التأثير على صناع القرار في الصومال.
في السنوات الأربعة الماضية التي قضاها السيد فرماجو، الرئيس المنتهية ولايته في سدّة الحكم، استطاعت قطر أن تتوغل في مفاصل الدولة الصومالية وتترك بصماتها وتأثيراتها على كل جانب من جوانب الحياة كالسياسة والاقتصاد والأمن، فوطّدت علاقاتها الدبلوماسية مع قادة الحكومة الصومالية وأغدقت عليهم بالكثير من الأموال التي وصفها سياسيون صوماليون “بالأموال الفاسدة” التي تستخدم لانتهاك الدستور الصومالي.
مدّت قطر يدها للتأثير على السياسات الأمنية والعسكرية الصومالية، إذ إنها استقبلت في أراضيها عناصر من جهاز المخابرات والأمن الوطني الصومالي لتلقي التدريبات الأمنية هناك، كما أنها استطاعت إقناع قادة البلاد بتعيين وسيطها لدى الصومال الإعلامي فهد ياسين حاج طاهر المدير السابق لمكتب الجزيرة في الصومال رئيسا لجهاز المخابرات والأمن الوطني لتكون متابعتها بالملف الأمني للصومال أكثر دقة وأكثر قربا فكان لها ما أرادت.
تعرّضت قطر خلال هذه الفترة لانتقادات صومالية وخارجية تتناول طريقة معالجتها للأوضاع الصومالية وطريقة توظيفها لعلاقات الصداقة بينها وبين الحكومة الصومالية.
وتمثل الأزمة الخليجية الأخيرة مرآة لتقييم الدور القطري في الصومال، فإنه وعلى الرغم من إعلان الصومال موقفها المحايد إزاء هذه الأزمة إلاّ أن قطر كانت تبذل الغالي والنفيس من أجل ضم الصومال إلى معسكرها وإفساد العلاقة بينها وبين الدول الأخرى المعارضة لسياساتها.
ويرى مراقبون أن قطر استطاعت أن تحوّل الصومال إلى ميدان صراع، حتى وصل بها الحال إلى درجة التخطيط أو التورّط في تفجيرات وهجمات داخل البلاد!
ففي 22/يوليو/2019م، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرا تقول فيه بأنها حصلت على تسجيل صوتي لمكالمة هاتفية جرت بين السفير القطري في الصومال حسن بن حمزة وبين رجل أعمال قطري مقرب من أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل الثاني يُبْلِغ السفير بأنه يعرف الجهة المسؤولة عن التفجير الذي حدث ببوصاصو أوائل شهر مايو من العام نفسه، مضيفا أن الهدف من ذلك التفجير كان تقويض الوجود الإماراتي في الصومال وانتزاع شركة موانئ دبي العالمية من ميناء بوصاصو.
وذكرت نيويورك تايمز أن التسجيل الصوتي يكشف أن الغرض من تفجير بوصاصو كان تعزيزا لمصالح قطر في الصومال.
وبالرغم من أن الحكومة القطرية نفت جميع الاتهامات التي نشرتها نيويورك تايمز، إلاّ أن هذا التقرير خلق زوبعة سياسية وأمنية واسعة وصلت إلى درجة تدخل لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشعب الصومالي واستجوابها لوزير الخارجية الصومالية آنذاك أحمد عيسى عوض الّذي أكّد على عدم صحة ما ورد في تقرير نيويورك تايمز، غير أن رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس المرشح الرئاسي الحالي عبدالقادر عسبلي علي قال: “إنه إذا كان لدى قطر معلومات حول تفجير بوصاصو فإنه كان من المفروض أن تتبادلها مع المؤسسات الأمنية للحكومة الصومالية“، مما يعني أن النائب البرلماني لم يزل يعتقد أن قطر كان لديها معلومات على الأقل حول هذا التفجير.
في 20/سبتمبر/2020م، ذكرت صحيفة التليغراف أنّ رجل الأعمال والأكاديمي القطري عبد الرحمن النعيمي متهم “بتمويل تنظيم القاعدة في سوريا والعراق، وكذلك حركة الشباب في الصومال”.، مما يدل على أن الحضور القطري في الصومال يدعو إلى الريبة والشكّ.
اتُّهمت قطر باستخدام أموالها الممنوحة إلى الصومال لانتهاك الدّستور الصومالي وعدم احترامه، إذ يعتقد المنتقدون بأنه بسبب الدعم المالي القطري اللامحدود، قامت الحكومة الفيدرالية بإزالة إدارة 3 ولايات إقليمية بطريقة مخالفة للدّستور، وهي ولايات هيرشبيلي، غلمذغ، وجنوب غرب الصومال، وأريقت دماء أبرياء كثر في هذه الولايات لإحداث تغيير إداري بطريقة مخالفة للإجراءات المنصوص عليها في الدستور الانتقالي.
في تغريدة له على حسابه في تويتر ذكر ستيفن شوارتز السفير الأمريكي السابق لدى الصومال أن الأموال القطرية المقدّمة للحكومة الصومال وفهد ياسين حاج طاهر حوّلت الأجهزة الأمنية الصومالية إلى أداة من الأدوات التي تساعد السيد فرماجو على انتهاك الدستور الصومالي الانتقالي.
ويُعتقد أن قطر كانت مع التمديد الإداري لفترة حكم الرئيس المنتهية ولايته السيد فرماجو، غير أنها تراجعت عن هذا القرار وطالبته بالتراجع عنه بعدما تيقنت أن هذا القرار لن يجد بيئة مناسبة للتنفيذ.
إن الجهود القطرية الحالية في المنطقة من إرسال مبعوث خاص إلى الصومال ولقائه بالتيارات السياسية الصومالية إلى جانب وساطته بين كينيا والصومال وإقناعهما بإعادة علاقاتهما الدبلوماسية ليست إلا محاولة لتحسين صورتها وتلميعها أمام المجتمع الصومالي والدولي ولنفث الغبار على عيون البسطاء ممن لا يدركون خفايا الخطط السياسية وتفسيراتها.
ويعتقد متابعون بأن الوساطة القطرية بين كينيا والصومال في هذا الوقت لها أهداف وأغراض خطيرة منها محاولة لإقناع الصومال على سحب قضية النزاع البحري بين البلدين من محكمة العدل الدولية وتسويتها عبر القنوات الدبلوماسية، غير أن حكومة تصريف الأعمال الصومالية نفت إمكانية وجود هذه الخطة، لكن الدّلائل والمعطيات على أرض الواقع تؤكّد على وجود نية قطرية في إنهاء الخلاف البحري بين البلدين بعيدا عن أروقة محكمة العدل الدولية لأن قطر اشترت في يوليو 2019م، 25% من أسهم شركتي إيني وتوتال اللتين تقومان بالتنقيب عن البترول في 3 حقول بالسواحل الكينية المتاخمة للحدود الصومالية، بل إن شركة إيني الإيطالية والتي تملك فيها شركة قطر للبترول 13,75% من أسهم الشركة، اتهمت سابقا من قبل الصومال بالقيام بالتنقيب عن البترول في المناطق البحرية المتنازع عليها بين الصومال وكينيا.
إن تصرفات قطر خلال السنوات الأربعة الماضية في الصومال أدت إلى تشويه سمعتها في الأوساط السياسية والشعبية الصومالية، مما أدّى إلى أن يتحفظ بعض قادة المعارضة السياسية الصومالية بما فيهم مرشحون رئاسيون ورؤساء ولايات إقليمية ذات وزن ثقيل في السياسة الصومالية على اللقاء مع المبعوث الخاص لوزيرالخارجية القطري لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية المنازعات، خلال مدّة إقامته في الصومال، مما يكشف حجم المأساة السياسية التي سببتها تصرفات قطر السابقة، فهل تساهم محاولاتها الأخيرة لاستعادة مكانتها السابقة بين الصوماليين في تلميع صورتها من جديد لدى قطاعات الشعب الصومالي؟