الخلاف بين فرماجو وروبلي: أسبابه، آثاره، ومآلاته
الصومال الجديد
آخر تحديث: 12/09/2021
وصل الخلاف السياسي بين فرماجو الرئيس المنتهية ولايته، ومحمد حسين روبلي القائم بأعمال رئيس الوزراء إلى ذروته، مما هدّد بالاستقرار الأمني والسياسي في الصومال خلال الأسبوع الماضي.
جذور الخلاف وأسبابه:
تعود جذور الخلافات السياسية بين فرماجو روبلي إلى ما قبل شهر تقريبا، أي في أغسطس الماضي 2021م، عندما ظهر هذا الخلاف إلى العلن، وذلك بعدما أصدر محمد عبدالله فرماجو الرئيس المنتهية ولايته في الـ 7/أغسطس/2021م، مرسوما رئاسيا يمنع فيه المؤسسات التنفيذية بحكومة تصريف الأعمال عن توقيع اتفاقيات وإبرام معاهدات سياسية واقتصادية وأمنية، مع الشركات والمنظمات والدول الأخرى خلال المرحلة الانتقالية التي تمرها البلاد.
وفي اليوم التالي أي في الـ 8/أغسطس/202م، أصدرت حكومة تصريف الأعمال بيانا قويا تدحض فيه بما جاء في المرسوم الرئاسي الأخير، موضحة في الوقت نفسه، أنها السلطة التنفيذية الأولى والأعلى في البلاد وفقا للفقرة الـ 1 من المادة الـ 97 في الدستور الفيدرالي الانتقالي.
أشار متابعون للعلاقة السياسية بين الرّجلين إلى أن الخلاف نشب بينهما منذ أحداث الـ 25/أبريل/2021م، وهو ما دفع فرماجو في الـ 1/مايو/2021م، إلى تكليف روبلي بإدارة المرحلة الانتقالية وتنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية، مما ساهم بقدر كبير في إزالة الاحتقان السياسي والأمني الناجم عن محاولات قرار التمديد الإداري الّذي صادق عليه مجلس الشعب المنتهية ولايته في الـ 12/أبريل/2021م، ووافق عليه الرئيس المنتهية ولايته، غير أن الجميع تراجع عنه بعدما قوبل برفض محلي ودولي واسع أدى إلى انقسام الجيش الصومالي وحدوث اشتباكات مسلحة داخله في بعض أحياء العاصمة مقديشو.
في الـ 21/يوليو/2021م، وأثناء استعراض إنجازات لجنة المصالحة في غيذو، تحدّث روبلي بلهجة شديدة عن خطوات اتّخذت إزاء منع مواطنين صوماليين من دخول مدينة أو الخروج من أخرى لأسباب سياسية، وهدّد بأنه لن يسمح مرّة أخرى بارتكاب مثل هذه الانتهاكات في حق المواطنين، قائلا: “إن السفر والتنقل أمر مهم وحق دستوري يكفله الدستور للمواطن الصومالي، إن المرشح الصومالي لأي منصب من المناصب يحق له السفر، كما يحق له ممارسة حريته الفكرية والسياسية، ويجب مراعاة كل هذا والحفاظ عليه، لقد تلقيت أنباء تفيد بمنع أشخاص من زيارة عدّة مناطق مختلفه وإرجاع طائراتهم من المطارات قبل هبوطها، لن نسمح بحدوث ذلك مرّة أخرى، وإن حدث شيء من هذا القبيل فسنتخذ الإجراءات اللازمة ضدّهم. لا يمكن منع طائرة من الهبوط على مطار غربهاري في غيذو أو كسمايو في جوبا السفلى التابعتين لولاية جوبالاند جنوب الصومال”.
في الـ 23/يوليو/2021م، أقال روبلي كلّا من عبدالله كلني جيس المقرب من فرماجو وثاني أقوى رجل في جهاز المخابرات ومدير شؤون الموظفين فيه، ومساعده الأيمن عبدالوهاب شيخ علي، مدير وحدة المخابرات في مطار آدم عدي الدولي بمقديشو، عقب اعتراضهما على مغادرة مواطنين صوماليين، من بينهم عثمان نور حاج معلّمو، المحافظ السابق لمحافظة غيذو التابعة لولاية جوبالاند جنوب الصومال كانوا متجهين في نفس ذلك اليوم إلى مدينة غربهاري بمحافظة غيذو، في خطوة اعتبرها مكتب رئيس الوزراء خرقا لقراره الأخير إزاء حرية الحركة والتنقل للمواطنين داخل البلاد وخارجه.
في الـ 2/سبتمبر/2021م، نشرت وسائل إعلام حكومية على مواقعها في وسائل التواصل الاجتماعي خبرا مفاده أن حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، اختطفت الضابطة الأمنية المختفية منذ الـ 26/يونيو/2021م، وقتلتها، وهو ما لم يستسغه أهاليها وقطاع عريض من الشعب الصومالي.
في الـ 3/سبتمبر/2021م، نشرت حركة الشباب على مواقعها الإخبارية في الإنترنت بيانا تنفي فيه تورّطها باختطاف الفتاة وقتلها، مما دعا إلى زيادة الأصوات المطالبة رئيس الوزراء بالتدخل في القضية والمساهمة في كشف مصير الفتاة إكرام.
في الـ 4/سبتمبر/2021م، أمهل روبلي رئيس جهاز المخابرات المقال لمدة 48 ساعة ليقدم خلالها تقريرا مقنعا حول مصير ضابطة الأمن السيبراني في جهاز المخابرات والأمن الوطني الصومالي المختفية منذ ما يزيد على شهرين.
في الـ 5/سبتمبر/2021م، بعث فهد ياسين مدير جهاز المخابرات المقال برقية إلى رئيس الوزراء يطالبه فيها بانعقاد اجتماع مجلس الأمن القومي ليوافيه حقيقة قضية إكرام تهليل “الحساسة”.
في الـ 6/سبتمبر/2021م، قرّر روبلي إيقاف العمل عن فهد ياسين رئيس جهاز المخابرات السابق، وعيّن الجنرال بشير غوبي رئيسا مؤقتا للجهاز، فكانت هذه الخطوة السبب المباشر لتصاعد وتيرة الخلافات بين روبلي وفرماجو الّذي قاطع كلا من إيقاف فهد ياسين عن العمل وتعيين بشير غوبي بدلا عنه.
في الـ 8/سبتمبر/2021م، أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا يعيّن فيه فهد ياسين مستشارا للرئيس في شؤون الأمن القومي بعد استقالته عن رئاسة جهاز المخابرات حسبما جاء في البيان الّذي ذُكر فيه أيضا تعيين ياسين فري رئيسا لجهاز المخابرات والأمن الوطني، في خطوة صريحة لرفض قرار رئيس الوزراء في تعيين الجنرال بشير غوبي رئيسا للجهاز.
الآثار المترتبة من هذه الخلافات:
أخذت الخلافات السياسية بين فرماجو وربلي بعدا دستوريا آخر، إذ إن كل واحد منهما يستند في قراراته إلى بعض نصوص أو مواد في الدّستور الانتقالي، مما أثار جدلا قانونيا ودستوريا بين الأوساط السياسية والاجتماعية الصومالية.
تركت هذه الخلافات آثارا سلبية على الأوضاع العامة في البلاد، حيث تجدّدت الانقسامات بين القوى السياسية الصومالية، وعادت المخاوف الأمنية إلى العاصمة مقديشو، وخاصة بعد تسجيل تحركات عسكرية في محيط المقر الرئيسي لجهاز المخابرات والأمن الوطني، وفي مقر وزارة الإعلام، إلاّ أن مسؤولين في الوزارة نفوا صحة هذه الأخبار.
مآلات الخلافات بين فرماجو وروبلي:
حمل كل من أحمد قورقور رئيس غلمذغ، وعبدالعزيز لفتاغرين رئيس جنوب غرب الصومال على عاتقهما مسؤولية التوسط بين أعلى مسؤولين في البلاد، واستطاعا بعد جهد كبير أن يقنعا الطرفين بالجلوس على طاولة الحوار والمفاوضات والوصول إلى تفاهم لتجاوز الأزمة الحالية التي إذا استمرت على هذا الحال، ستكون بلا شك عقبة كؤودا أمام سير العملية الانتخابية بانتظام.
وعلى الرغم من جلوس الرجلين البارحة وجها لوجه، إلاّ أن مصادر مطلعة أشارت إلى فشل المحادثات بين الرجلين بسبب تمسكهما بمواقفهما إزاء قضيتي موظفة الاستخبارات المختفية إكرام تهليل فارح، وتعيين مدير وكالة المخابرات والأمن القومي، وتضيف الروايات بأن روبلي قد أكّد لرئيسي ولايتي غلمدغ أحمد عبدي كاريه “قور قور” وجنوب الغرب عبد العزيز “لفتاغرين” أن تحقيق العدالة في قضية إكرام تهليل أمر لن يقبل المساومة، كما أصر على مباشرة اللواء بشير غوبي الذي عينه كمدير مؤقت لوكالة المخابرات مهامه.
وانطلاقا مما سبق فإن من بين المآلات المتوقعة بأن ينتهي إليها هذا الخلاف:
1.استقالة أحد الرجلين: إن استقالة أحد الطرفين دون التوصل إلى اتفاق مع الطرف الآخر، من شأنه أن يعجل باحتواء الأزمة السياسية والدستورية القائمة، ويقول متابعون إن استقالة الرئيس المنتهية لولايته من شأنها أن تضع حدّا لهذه الأزمة، أكثر من استقالة روبلي الّذي من الممكن إذا استقال عن منصبه فستبقى قضية إكرام تهليل على حالها ولربما تطورات إلى أطوار تصعيدية، كما أن استقالة فرماجو قد تساهم –حسب المتابعين- في تحسين السمعة السياسية له التي تشوهت أكثر بسبب مواقفه الرافضة إزاء تحويل ملف إكرام تهليل فارح إلى القضاء والمحاكم المختصة بها.
2.اللجوء إلى العنف: إن الاحتكام إلى العنف هو خيار اضطراري إذا لم تجد الحلول السلمية طريقا لإنهاء هذا الخلاف، مما يعني أن مزيدا من دماء الأبرياء ستراق من أجل مصالح شخصية قد يمكن تجاوزها بطريقة أو بأخرى، إذا ما أولى الجميع اهتماما كبيرا بالمصلحة الوطنية العليا وتقديمها على المصالح الشخصية الخاصة.
3.نجاح وساطة رئيسي غلمذغ وجنوب غرب الصومال: أفادت مصادر إخبارية بأن رئيسي غلمذغ وجنوب غرب الصومال يواصلون جهودهم الساعية إلى إقناع الطرفين على التوصل إلى تفاهم ينهي هذه الأزمة، فإن نجحت هذه الجهود، واتفق الطرفان على إيجاد صيغة مشتركة لاحتواء الأزمة، فسيعني ذلك إنقاذ البلاد من مصير مجهول، وهو ما يرجوه كافة الشعب الصومالي، دون التفريط في الالتزام بتحقيق العدالة في قضية إكرام تهليل فارح.