الخلاف بين الحكومة الصومالية والولايات الإقليمية وتداعياته المحتملة
الصومال الجديد
آخر تحديث: 27/10/2018
ليست الخلافات السياسية في الصومال وليدة الساعة بل إن البلاد كانت تعاني منذ سنوات طويلة من خلافات بين مؤسسات الدولة (الرئاسة والحكومة والبرلمان) أو بين الحكومة والولايات الإقليمية أو بينها وبين المعارضة أو الصحافة أو غيرها لكن الجديد منذ وصول الحكومة الفيدرالية الحالية إلى السلطة مطلع العام الماضي اتخاذها استراتيجية مختلفة تماما عن استراتيجيات الحكومات السابقة في حل الخلافات.
فالخلافات في الفترات السابقة بين مؤسسات الدولة كان حلها تحت قبة البرلمان كما أن الخلافات بين الحكومة والولايات كان تحل عن طريق الحوار والتوصل إلى تسويات سياسية، لكن الحكومة الحالية تبنت استراتيجية جديدة لحل الخلافات تنطوي على مخاطر كثيرة وتؤثر سلبا على التطورات الأمنية والسياسية في البلاد.
وباستعراض بسيط لمعالجة الحكومة الحالية التحديات التي واجهتها يتبين أنها لجأت إلى إقصاء رئيس مجلس الشعب السابق محمد شيخ عثمان جواري الذي كان تعتبره عقبة أمامها بطريقة غير ديمقراطية وأجبرته على الاستقالة، وأما المعارضون وأصحاب الرأي المخالف فلم تتردد الحكومة في استخدام قوة السلاح لإسكاتهم على غرار ما وقع نهاية العام الماضي للسياسي المعارض عبد الرحمن عبد الشكور، وبالنسبة لرؤساء الولايات الإقليمية فلم تبد الحكومة اهتماما بحل خلافاتها معهم على مائدة المفاوضات وإنما حاولت سحب البساط تحت أقدامهم، وقد نجحت فعلا في الإطاحة برئيس ولاية هيرشبيلي السابق علي عبد الله عسبلي وفشلت في محاولة أخرى للإطاحة برئيس ولاية غلمدغ أحمد دعالي حاف العام الماضي، ما دعا الولايات الإقليمية إلى تشكيل مجلس تعاون الولايات الإقليمية قبل عام للتصدي للتحديات التي تواجههم من الحكومة الفيدرالية.
وصلت الخلافات بين الحكومة والولايات الإقليمية إلى ذروتها مطلع شهر سبتمبر الماضي عندما اجتمع قادة مجلس تعاون الولايات الإقليمية في كسمايو عاصمة ولاية جوبالاند المؤقتة واتخذوا قرارا بإيقاف التنسيق مع الحكومة الصومالية التي اتهموها بالفشل في إدارة شئون البلاد، إلا أن الحكومة استمرت في استراتيجيتها المتعلقة بحل الخلافات، وباستثناء دعوة للرئيس محمد عبد الله فرماجو رؤساء الولايات الإقليمية إلى حضور اجتماع سيعقد في مقديشو فإن الحكومة الفيدرالية حرصت كل الحرص على تفكيك مجلس تعاون الولايات ونجحت في استمالة رئيس ولاية هيرشبيلي محمد عبدي واري كما صبت الزيت على نار الخلافات القائمة في ولاية غلمدغ، ولم تلتفت إلى الجهود التي بذلها مجلس الشيوخ للبرلمان الفيدرالي لاحتواء الخلافات بينها وبين الولايات حتى اتهمها المجلس بالمماطلة وأعلنت الحكومة تشكيل لجنة وزارية للتنسيق مع مجلس الشيوخ في حل الخلافات بينها وبين الولايات إلا أن الإعلان جاء متأخرا وبعد شروع قادة مجلس تعاون الولايات في مؤتمر غروي الذي أجلوه مرارا لمنح فرصة لجهود الوساطة وأصدروا عقب المؤتمر الذي اختتم أعماله في الـ24 من أكتوبر الحالي بيانا كشف عن تفاقم الأزمة السياسية في البلاد وأن العلاقات بين الحكومة والولايات الإقليمية وصلت إلى طريق مسدود.
ويبدو أن الحكومة والولايات الإقليمية تختلفان في كل شيء في الأمن حيث يرى قادة الولايات أن الحكومة فشلت في حل الأزمات الأمنية التي تعاني منها البلاد ما جعلهم يتخذون قرارا بتشكيل قوات خاصة بهم وإنشاء نظام لتبادل المعلومات الاستخبارتية، وفي السياسة حيث إن الولايات أكدت معارضتها الشديدة لكل التحركات التي تقوم بها الحكومة الفيدرالية فيما يتعلق بالانتخابات وتشكيل مجلس القضاء والمصادقة على القوانين الخاصة بالأحزاب السياسية وتوزيع ثروات البلاد وغيرها من الأمور، لكن الحكومة الفيدرالية تتصرف وكأنه لا توجد خلافات وأن الأمور على ما يرام، وتراهن فقط على الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في العديد من الولايات الإقليمية وفي مقدمتها ولاية جنوب غرب الصومال التي ستشهد انتخابات رئاسية في الـ17 من نوفمبر القادم حيث تسعى إلى الإطاحة برؤساء الولايات الحاليين ونتصيب موالين لها لرئاسة الولايات، وهي مغامرة سياسية غير محمودة العواقب لأن الحكومة وإن سخرت كل طاقتها في تنفيذ هذه الأجندة إلا أن نجاحها غير مضمون حتى وإن نجحت في هزيمة بعض رؤساء الولايات فإنها لن تنجح في هزيمة الجميع مما ينذر باستمرار الخلافات التي ستؤثر لا محالة في الجهود المبذولة في إجراء انتخابات حرة ونزيهة في البلاد عند انتهاء ولاية الحكومة الفيدرالية في عام 2020، كما أن من غير الممكن نجاح محاولات الحكومة تطهير البلاد ممن يخالفونها في الرأي بل إن النتيجة ستكون دخول البلاد إلى نفق مظلم.