الحاجة إلى تضافر الجهود لمواجهة التغير المناخي في الصومال

الصومال الجديد

آخر تحديث: 20/04/2023

[supsystic-social-sharing id="1"]

القاهرة: صفاء عزب

بينما يعاني الصومال من جفاف مزمن يهدد حياة الملايين لعدة مواسم متتالية، تشهد أراضيه موجات خطيرة من الفيضانات التي أودت بحياة بعض السكان، ليصبح الشعب الصومالي بين شقي رحى هما الفيضانات والجفاف في ذات الوقت بشكل يعكس حالة التناقض الكبير والمأساوي وما خلفته من أزمات طاحنة تعصف بالصوماليين في مواجهة ما يسمى ب”التطرف المناخي”.

لقد بلغ الوضع البيئي في الصومال درجة خطيرة من السوء بسبب تراجع الأمطار وندرة المياه وانتشار الجفاف بشكل قاتل قضى على شتى أشكال الحياة، وهو ما جعل المنظمات الدولية والأممية تطلق صيحات التحذير وتوجه نداءات إنسانية للعالم بطلب سرعة الإغاثة للشعب الصومالي وما حوله من مناطق متضررة بالقرن الإفريقي. وقد أفادت بيانات الجهات المتخصصة نهاية ديسمبر الماضي أن بعض مناطق الصومال تواجه موسمها الأكثر جفافا منذ 40 عاما، مما يعني أن ما يقرب من 3.5 مليون شخص يعانون بالفعل من انعدام الأمن الغذائي. وقالت منظمة أوكسفام الدولية أن ما يقرب من 90 في المئة من المساحة الجغرافية للبلاد الآن تعاني جفافا شديدا بعد ثلاثة مواسم مطيرة متتالية فاشلة. وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة والتي يحرص فيها الناس على أداء صلاة الاستسقاء لله طلبا للمطر، لإنقاذهم من الموت المحقق مع كارثة الجفاف والمجاعات، وبدلا من أن يكون المطر هو الأمل في بعث الحياة بالمنطقة، تحول سقوطه إلى أزمة جديدة تسببت في تعميق معاناة الصوماليين، وهو ما حدث مؤخرا عندما تساقطت الأمطار الموسمية بغزارة وسقط معها بعض الضحايا نتيجة لحدوث فيضانات بالأنهار.

لا شك أن هذا الوضع يعد أمرا محزنا بسبب حالة التناقض التي تشهدها البيئة الصومالية مع عدم القدرة على استغلال النعم الطبيعية لمواجهة فترات الجفاف العصيبة، وكان من المفترض أن تكون هناك استعدادات جيدة لاستقبال هذا المطر واستغلاله ضمن مخطط بيئي علمي يهدف إلى تعظيم الاستفادة منه بكل السبل لمحاولة تعويض مواسم الجفاف الطويلة التي ضربت البلاد وقتلت العباد وأهلكت الحرث والزرع، خاصة وأنه كانت هناك تنبؤات مناخية علمية دولية مسبقة باحتمال تساقط الأمطار الربيعية.

ومع ذلك لم يكن هذا التناقض هو الأول من نوعه فقد تكررت معاناة الصوماليين من أزمة تزامن الجفاف والفيضانات في نفس الوقت غير مرة منها عام 2020 حيث تسببت الفيضانات والسيول النهرية في نزوح أكثر من 650 ألف صومالي من منازلهم كما أودت بحياة العشرات من السكان، جاء ذلك بينما كان الصوماليون يموتون عطشا وجوعا بسبب الجفاف الشديد الناجم عن تأخر سقوط المطر لمواسم طويلة متتابعة.

ومثلما تكرر نفس السيناريو الغريب والمخيف في السنوات الماضية، فقد عادت البلاد لتعيش هذه المأساة مؤخرا بعد سقوط الأمطار بغزارة للدرجة التي ارتفعت فيها مستويات الأنهار بشكل خطير وأحدثت الفيضانات التي أدت لخسائر في الأرواح والممتلكات. 

في الوقت الذي تعاني فيه دول كثيرة في العالم من حرمانها من موارد مياه عذبة للشرب والزراعة واضطرارها لتكبد المليارات من الأموال لتوفير هذه المياه، فإن الله تعالى قد أنعم على الشعب الصومالي بنهرين على أرضه هما جوبا وشبيلي. وكلاهما يمتد من المرتفعات الإثيوبية. ويفيض نهر شبيلي خلال موسم الأمطار، ويملأ المنخفضات الطبيعية، ويشكل مستنقعات مؤقتة وبرك، وبحيرات صغيرة وله روافد رئيسية في إثيوبيا. أما بالنسبة لنهر جوبا فله ثلاثة روافد رئيسية في الروافد العليا لإثيوبيا وهي نهر درافا ونهر جينا ونهر ويبر، وتتدفق جميع الروافد إلى الجنوب الشرقي، وتتسم فيضانات نهر جوبا بالمنخفضات الطبيعية. 

وعلى الرغم من تناقص المياه على طول نهري جوبا وشبيلي مع تدفق النهر في اتجاه مجرى النهر عبر الصومال إلا أن لهذين النهرين أهمية اقتصادية كبرى بالصومال حيث كانت تعتبر السهول الرسوبية في جوبا وشبيلي بأنها سلال غذائية في الصومال لفترات زمنية طويلة، وقد تم تطبيق الزراعة المروية على طول هذه السهول، لإنتاج الغذاء للاستهلاك المحلي وأيضًا للتصدير حيث تشير التقارير الرسمية إلى أنه قبل انهيار الحكومة الصومالية السابقة في مطلع عام 1991، كان هناك 220 ألف هكتار من الأراضي الواقعة على طول السهول الفيضية تخضع للري المحكوم  وكان يتم إنتاج محاصيل الذرة والسمسم والفواكه والخضروات في السوق المحلي، بينما يُستخدم قصب السكر والأرز في الأسواق المحلية والأجنبية.

وهنا يثار التساؤل عن سبب تدهور الوضع الزراعي والغذائي في الصومال بعد ذلك التاريخ وصولا لدرجة كارثية بلغت حد المجاعة؟ 

لا شك أن الإجابة عن هذا التساؤل الملح ترتبط بالتغيرات البيئية الخطيرة وما صاحبها من حدوث ظواهر مدمرة مثل التطرف المناخي والتصحر والجفاف الشديد وما أعقبه من مشاكل مزمنة ومدمرة لا سيما مع استمرار غياب الأمطار لمواسم طويلة متعاقبة.

وبطبيعة الحال ألقت تداعيات هذا التدهور المناخي والبيئي بظلالها على حالة النهرين الصوماليين، وهو ما أكده خبراء متخصصون من أن نهر جوبا يتأثر وغيره من الأنهار بشكل مباشر بالتغيرات الحادة والتطرف المناخي في العالم، والتي تتسبب في انخفاض وارتفاع متساقطات الأمطار. كما تشير الدراسات الحديثة إلى أن البنية التحتية للري في الصومال تعاني أوضاعا سيئة ما انعكس سلبا على الانتاج الزراعي.

ولكن العلماء أشاروا إلى أن السهول الفيضية لا زالت تحتفظ بإمكانياتها وقدراتها ولكنها تحتاج لتطوير بنيتها التحتية حتى يمكن الاستفادة منها بشكل أفضل.

إلى ذلك تبقى مسألة الاستفادة من تلك الأمطار التي تطارد السكان وتعرضهم للأخطار بينما توجد أراضي زراعية من أجود وأخصب الأراضي المتعطشة لهذه الأمطار ولا تستفيد منها. وهو ما يثير التساؤل عن سبب غياب الاستفادة من هذه الثرورة المهدرة وتحويلها من خطر داهم إلى خير دائم ينعم به الإنسان الصومالي ويسقي منه الزرع والضرع؟! فهل يمكن تحقيق هذا الحلم والقضاء على كابوس الجفاف والمجاعات التي ارتبطت بالمنطقة لسنوات طويلة؟

لا خلاف على أن دورات الخصب والجفاف تعد جزءا طبيعيا من الحياة منذ بدء الخليقة وفي مختلف أرجاء العالم لكن فداحة تأثير مواسم الجفاف وطولها في الفترات الأخيرة تسببت في حدوث أزمة غذاء خطيرة في منطقة القرن الأفريقي وخاصة الصومال. ويكشف الخبراء أنه على مدار أكثر من ثلاثة عقود شهد الصومال 19 موسم فيضان و13 موسم جفاف وكان من المفترض منطقيا أن تكون الأوضاع أفضل بكثير في ظل هذه المعطيات باعتبار أن مواسم الفيضانات كانت الغالبة ولكن سوء الأوضاع السياسية وتدهور الحالة الأمنية في بعض الفترات الذي قضى على الأخضر واليابس تسبب في ترجيح تأثير مواسم الجفاف وتغلبها على مواسم الفيضان ومن ثم كانت المحصلة هي الجفاف الشديد والمجاعات نظرا لعدم وجود فرصة للجهود البشرية للاهتمام بمشروعات الري والحفاظ على مياه الشرب العذبة وتحسين أنماط الحياة حيث كانت الحروب والصراعات تلتهم كل شئ من حولها.

إلى ذلك لا يمكن إعفاء الجهات المعنية من مسؤولتها من متابعة علمية وترقب لتطورات المناخ وما ينتج عنه من مواسم جفاف أو فيضان وفقا للحسابات والأبحاث العلمية المتقدمة لتدارك الأمور مبكرا والتحرك السريع لمواجهة الأزمة قبل استفحالها.

وكذلك لا يمكن إعفاء المجتمع المدني والمنظمات المجتمعية من دورها المفقود كجهات يجدر بها أن تتحد وتتعاون لتكوين ما يشبه الشبكات المحلية لمتابعة أحوال السكان عن قرب ومساعدة المتضررين بشكل عاجل، يتجاوز مسألة توزيع الإعانات والمساعدات التي ترد من العالم إلى وضع حلول محلية عملية تضمن الحفاظ على الاستقرار والأمن المجتمعي في تلك الفترات العصيبة سواء في حالات الجفاف أو الفيضانات.

ومن هنا لا بد أن تبحث الدولة الصومالية الكبيرة والمترامية الأطراف عن وسائل مواجهة هذه الأوضاع خاصة في ظل التحول الإيجابي الذي تشهده على الصعيدين السياسي والأمني ومحاولات الحكومة الفيدرالية البناءة لترسيخ الاستقرار والأمان لخلق بيئة حاضنة للاستثمارات بعد أن كانت طاردة للاستثمار خلال فترات الحروب الأهلية والصراعات.

والأمر يستلزم تضافر الجهود وتعاون الجميع حكومة وشعبا لمواجهة هذا التغير المناخي الخطير باتباع الأساليب العلمية وانتهاج أحدث الطرق في الري والزراعة وتخزين مياه الأمطار وتخصيص ميزانيات كبيرة من أجل مشاريع عملاقة تخدم هذه الأهداف. كما يجب تقنين مسألة الرعي لحماية الأراضي من الرعي الجائر الضار بالزراعة وخلق رقابة من أفراد المجتمع لنفسه لمواجهة أية مخالفات تضر بالبيئة أو بالثروة المائية والزراعية. ولا ننسى في ذلك ضرورة العمل على تعظيم الاستفادة من أنهار الصومال من خلال تخصيص ميزانيات حكومية أو خاصة بالشراكة مع الدولة لإقامة مشروعات خاصة بأنظمة تخزين المياه وتطوير البنى التحتية التي تضمن الحفاظ على شرايين الحياة حية في البلاد.

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال