الجيش الصومالي يؤدي مهامه بجدارة رغم ضعف الإمكانيات.. فهل آن الأوان لرفع الحظر الدولي على مد الصومال بالأسلحة؟
الصومال الجديد
آخر تحديث: 13/02/2023
القاهرة: صفاء عزب
تتصدر أخبار إنجازات الجيش الصومالي وما حققه من تقدم في مواجهاته مع الجماعات المتشددة وقوى الإرهاب، المواقع الخبرية المحلية والعربية والعالمية بشكل يلفت الأنظار ويعكس الاهتمام الدولي بهذا الأمر، حيث استطاع السيطرة على العديد من المناطق التي كانت خاضعة للإرهابيين، وانتزاعها منهم بقوة وصلابة، وكان آخرها السيطرة على منطقة في إقليم مدغ، كما انتصر في العديد من المناطق الأخرى، مثل هيران وشبيلي الوسطى وغيرهما. كما نجح الجيش الصومالي في إجراء عمليات أمنية لإزالة ألغام أرضية ببعض المناطق، واستطاع بجدارة التصدي لهجمات عديدة من الإرهابيين وإحباط مخططات لعمليات إرهابية بدعم كبير من الشعب الصومالي، وأسهم في إنقاذ الأرواح. وكان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود قد دعا الجيش للاستعداد للمرحلة الثانية من الحرب على الإرهاب مؤكدا في أكثر من خطاب على أهمية إعادة بناء جيش بلاده لتحريرها من براثن الإرهاب، ومطالبا المجتمع الدولي لدعمه بفك حظر مد الصومال بالأسلحة حتى يمتلك الوسائل المساعدة التي تمكنه من الاستمرار في مطاردة الإرهاب والخارجين عن القانون والحفاظ على الأمن.
على مدار الأشهر الماضية وخاصة تلك التي مرت في الفترة الأخيرة، حقق الجيش الصومالي نجاحات كبيرة على أرض الواقع في مطاردة قوى الإرهاب واجتثاث جذوره والقيام بعمليات عسكرية كبيرة لاستعادة الأراضي التي كانت في حوزة الإرهابيين، تمهيدا لإعادة تأهيلها ليستفيد منها الشعب الصومالي. وقد أدت هذه النتائج المبهرة لعملياته العسكرية إلى انتزاع التأييد العربي والتشجيع العالمي للجيش الصومالي في ظل إنجازاته الكبيرة على الرغم من ضعف الإمكانيات العسكرية واستمرار قرار حظر مد الصومال بالأسلحة. ولا شك أن نجاح هذه العمليات العسكرية يسهم في رسم ملامح جديدة للمستقبل الصومالي يلعب فيها استباب الأمن والأمان في البلاد دورا أساسيا في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وزيادة الاستثمارات الأجنبية وانفتاح الصومال على العالم بكل طاقاته وموارده وإمكانياته التي حباه الله بها وهو ما يعود بالنفع على كل أفراد الشعب.
لقد كان الجيش الصومالي في المراتب الأولى في تصنيف الجيوش الإفريقية، ولكنه مر بفترات صعبة للغاية خلال مرحلة الحرب الأهلية في البلاد، أدت إلى تفككه وانهياره بشكل كامل عام 1991 وبلغ الوضع من الخطورة أن سقطت أسلحة جنوده في أيدي ميليشيات قبلية بعد تسريحهم. ولا زال الصومال يكافح لبناء جيش قوي يحمي حدوده ويصد هجمات الأعداء داخليا وخارجيا، إلا أن هناك من يعتقد بأن الأمر يستلزم جدية وحماسا من المجتمع الدولي لدعم الجيش ورفع قدراته وكفاءته، لا سيما مع ما يتميز به الجندي الصومالي من روح قتالية عالية، بالسماح له بالحصول على الأسلحة الضرورية للقيام بمهامه. ويدلل بعض الخبراء على أثر الموقف الدولي السلبي من دعم الجيش الصومالي في الفترات السابقة، أنه يتم توفير الدعم الكامل لقوات الاتحاد الإفريقي فيما يتعلق بتوفير التجهيزات اللازمة ومنح رواتب شهرية تصل لـ1200 دولار أميركي للجندي الإفريقي العامل في الصومال، بينما لا يتحمس العالم لتوفير ثلث هذا المبلغ للجندي الصومالي الذي يدفع الثمن غاليا من روحه ودمه دفاعا عن أرضه وهو مضطر للقتال من دون سلاح فعال، وخاصة السلاح الجوي، يضمن له السيطرة على المعركة ويحفظ له أمانه!
لم يعد الصومال يمتلك أي طائرة مقاتلة منذ زمن بعيد على الرغم من مواجهته لحرب شرسة ضد جماعات العنف والإرهاب على أرضه وفي محيط حدوده، بينما تقوم دول المنطقة ومعهم الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذ العمليات الجوية ضد الإرهابيين.
لا شك أنه كانت توجد عقبات كثيرة تحول دون استكمال بناء الجيش، بل ويرى بعض العسكريين أن هذه العقبات لا زالت موجودة، وعلى رأسها ضعف الإمكانيات المالية والموارد الاقتصادية، والخلافات التي كانت سائدة مع بعض دول الجوار. ويضاف لذلك عدم استقرار الأوضاع السياسية التي كانت مضطربة ولا زالت تعاني قلاقل من وقت لآخر، وإن كان الأمر أصبح أكثر إيجابية بعد ظهور الرئيس شيخ محمود على الساحة السياسية ودوره البارز في العمل على المضي قدما نحو ترسيخ الاستقرار وتصفية الخلافات وحل المشكلات. وعلى الصعيد الخارجي نجح الرئيس الصومالي في تحسين علاقات بلاده الخارجية وخاصة دول الجوار من خلال زيارات ولقاءات عمل واتفاقات ثنائية ساهمت في تحويلها إلى جبهة داعمة لا مضعفة للصومال. وفي هذا الصدد تبرز أهمية زيارته لإريتريا وتصفية الأجواء ومقابلة أبنائه من الجنود الصوماليين المتدربين هناك وما أحدثه ذلك من إثلاج لصدور الأهالي، إضافة إلى ما تمثله عودة أولئك الجنود من دعم قوي للجيش الصومالي. وكان شيخ محمود قد حرص على تفقد حالة أفراد القوات الجوية الصومالية الذين يخضعون للتدريب في إريتريا خلال زيارته لها، وأعرب عن أمله في أن يلعبوا دورا مهما في العمليات الأمنية الجارية في البلاد. وأثنى على صبرهم في التدريب والتزامهم بالدفاع عن وطنهم، وأطلعهم على خطط الحكومة لإعادة بناء القوات المسلحة وضمان الأمن في البلاد.
ويحسب للإدارة الصومالية التحركات النشطة التي تقوم بها داخليا، وإقليميا ودوليا في اتجاه تقوية الجيش الوطني ودعمه على كافة الأصعدة، وفي هذا الإطار جاءت أهمية تخريج دفعات جديدة من القوات الصومالية الخاصة والتي شارك في الاحتفال بها رئيس الوزراء حمزة عبدي، وذلك في قاعدة “بلي دوغلي” الجوية بحضور السفير الأمريكي لدى الصومال لاري أندريه، والذي ساهمت بلاده في تدريب جنود هذه الوحدة. كما حرص الصومال على تعزيز أواصر التعاون الأمني مع جيرانه والدول الإقليمية منها أوغندا وجيبوتي وإثيوبيا. وتعد القمة الرباعية لدول الجوار التي انعقدت مؤخرا بالصومال للتعاون حول بعض القضايا المشتركة تجسيدا حيويا للسياسة الخارجية الصومالية في اتجاه تقوية روح التعاون لا سيما في المجالات الأمنية وما ينتج عنه من دعم للجيش الصومالي.
وفي مطلع هذا العام بحث قائد الجيش الصومالى، اللواء أدوا يوسف راغى، مع الممثل الخاص للاتحاد الإفريقى ورئيس بعثة (ATMIS) فى الصومال، السفير محمد الأمين سويف، سبل تعزيز التعاون بين الجيش الصومالى وقوات حفظ السلام الإفريقية بما يدعم الجيش الصومالي. وكان الجيش الصومالي قد قام في مايو 2022 بدورة عسكرية مشتركة مع بعثة “ATMIS” في العاصمة مقديشو بهدف تحسين مستوى التعاون مع المدنيين في مناطق الصراع وذلك بمشاركة ما يقارب 28 ضابطا من الجيش الصومالي وبعثة الإتحاد الإفريقي تحت إدارة برنامج التعاون المدني العسكري التابع للاتحاد الإفريقي “ATMIS CIMIC” وبالتعاون مع فريق دعم البعثة بالمملكة المتحدة “UKMST” الذي شارك بضباط من الجيش البريطاني في التدريبات التي استمرت خمسة أيام تم التركيز خلالها على إستراتيجيات رئيسية أبرزها الوعي الإنساني والمبادئ، وخطة الانتقال في الصومال، وحماية المدنيين، وحقوق الإنسان، وأنظمة العدالة في الصومال، والعلاقات مع وسائل الإعلام من أجل صقل المهارات العسكرية والمجتمعية للضباط الجدد.
وعلى الصعيد الدولي يسعى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود جديا، لإقناع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، برفع الحظر المفروض على تسليح الجيش الصومالي، لدعمه في مواجهة الحرب التي يخوضها ضد الإرهاب في كل المحافل واللقاءات التي يعقدها مع مسؤولين أمريكيين. وفي لقائه مع مندوبة أميركا لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، خلال زيارتها الصومال، أشار إلى التحدي الذي يمثله حظر الأسلحة المفروض على بلاده من أجل إعادة بناء الجيش وتسريع القضاء على الإرهاب، بينما أشادت السفيرة الأميركية بعمليات تحرير الصومال من الإرهاب. وقد تكرر تقديم هذا المطلب عدة مرات في المحافل الدولية والإقليمية حيث كانت الحكومة الصومالية قد طلبت من الإتحاد الإفريقي رفع الحظر المفروض على الأسلحة في الصومال حتى تستعيد البلاد استقرارها في أكثر من مناسبة.
كما يسعى الصومال لدعم أواصر الصداقة والتعاون الأمني مع مختلف دول العالم في آسيا وأوروبا إضافة إلى أمريكا وإفريقيا. وقد شهدت الفترة الأخيرة تحركا صوماليا مكثفا في هذا الاتجاه شمل تعاونا مع أطراف عربية آسيوية وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، بجانب دول غير عربية مثل باكستان. ومؤخرا عقد الرئيس شيخ اجتماعا مع وزير الدفاع الإيطالي ، غيدو كروسيتو. وتطرقت المحادثات إلى تعزيز التعاون بين البلدين في المجالات الأمنية والعسكرية ، والاستقرار الإقليمي ، وزيادة دعم الحكومة الإيطالية للصومال ، خاصة تفعيل الجيش ومحاربة الإرهاب.
لا شك أن الصورة الأمنية داخل الصومال قد تغيرت كثيرا نحو الأفضل في ظل العمل الدؤوب والجهد الكبير الذي يبذله أبناء الصومال المخلصون لحماية بلادهم والدفاع عنها ضد المعتدين. ولكن الأمر يستلزم مزيدا من الدعم من قبل الدول الغنية وأصحاب الخبرات العسكرية فيما يتعلق بالتدريبات وكذلك لا بد من إتاحة الفرصة لرفع كفاءة الجيش الصومالي بمختلف أسلحته وإمداده بما يحتاج إليه أسوة بمختلف دول العالم بل يعد الأمر أكثر إلحاحا في حالة الصومال ذي الحدود المترامية والسواحل الواسعة حيث يجب توفير الإمكانيات والأدوات التي تسمح للجيش بالقيام بواجبه في حماية حدود بلاده والتصدي لأي اعتداء بكفاءة.
ونأمل خلال الفترة المقبلة ومع مضي الصومال قدما نحو توفير بيئة ملائمة للتنمية والاستثمار والقضاء على كل ما يعكر صفو الأمن ويروع الآمنين، أن ترتفع أسهمه الدولية وتنجح مساعي الإدارة الصومالية المخلصة في إعادة بناء جيش وطني قوي.