التوسع الصيني في الشرق الإفريقي
صفاء عزب
آخر تحديث: 8/07/2019
القاهرة- تحت شعار “تعاون مربح للجميع لشراكة اقتصادية صينية إفريقية” شهد إقليم هونان الصيني مؤخرا افتتاح أول معرض صيني إفريقي اقتصادي وتجاري بمشاركة أكثر من عشرة آلاف ضيف من 53 دولة إفريقية، وقد سبقه انعقاد المنتدى الإقتصادي لمجموعة العشرين بما تضمنه من قمة صينية إفريقية مصغرة، وهو ما يأتي في إطار التعاون الكبير والمتنامي بين التنين الأسيوي والقارة السمراء التي تشهد توسعا كبيرا للأنشطة الصينية داخلها.
يؤكد ذلك تقرير الإدارة العامة للجمارك الصينية مؤخرا عن حجم التجارة بين الصين وإفريقيا خلال الشهور الخمسة الأولى من عام 2018 حيث سجل زيادة نسبتها 3% وبلغت 76ر84 مليار دولار، كما زادت الصادرات الصينية للقارة الإفريقية بنسبة 3ر6% لتصل إلى 57ر43 مليار دولار. وهو ما يعني استمرار الصين كأكبر شريك تجاري لإفريقيا على مدار عشر سنوات متتالية.
إلى جانب التجارة، فإن الإستثمارات الصينية تعد من أكبر الإستثمارات الأجنبية في قارة إفريقيا حيث تشير أرقام وزارة التجارة الصينية أن الصين تستثمر سنويا ما يقارب 15 مليار دولار في الدول الأفريقية. كما أشارت دراسة أمريكية أجرتها وكالة ماكنزي إلى أن هناك ما يزيد عن ألف شركة صينية تعمل في إفريقيا. ومن المتوقع أن ترتفع قيمة الأرباح الصينية في القارة السمراء بنسبة 144% بحلول العام 2025 لتبلغ 440 مليار دولار. ويحرص الصينيون على أن يكون التعاون في اتجاهين بمعنى ألا يقتصر على النشاط الصيني داخل الدول الإفريقية وإنما بالعمل أيضا على تنشيط حركة الأفارقة داخل الصين باستضافتهم في إطار برامج التنمية البشرية حيث تكثف الصين عمليات التدريب التي تقدمها للشباب الأفارقة القادمين للصين حتى تجاوز عددهم خمسة آلاف دارس.
وتتسم العلاقات الصينية الإفريقية بالقدم وهي ترجع إلى خمسينيات القرن الماضي عندما أقامت مصر العلاقات الدبلوماسية مع الصين. كما يعد عام 2000 محطة هامة في تاريخ هذه العلاقة بتأسيس منتدى التعاون الصيني الإفريقي، إضافة إلى محطات أخرى هامة منها قمة بكين عام 2006 والتي أسفرت عن ثماني مبادرات صينية لإفريقيا شملت زيادة المعونات وإقامة صندوق لتشجيع الشركات الصينية على الاستثمار في أفريقيا وإلغاء الديون عن بعض الدول الإفريقية وإقامة منطقة تعاون اقتصادي وتجاري، والتعاون في مجالات تدريب الموارد البشرية، وقمة جوهانسبرج عام 2015 التي قدم فيها الرئيس الصيني أكبر حزمة دعم مالي صيني لإفريقيا، وإلغاء بعض الديون ودعم الزراعة في دول إفريقيا.
يذكر أن للصين مشروعات كبرى عديدة ومتنوعة في دول إفريقية منها خط السكك الحديدية بين تنزانيا وزامبيا وميناء باغامويو في تنزانيا وخط نيروبي- مومباسا الحديدي في كينيا وخط أديس أبابا- جيبوتي الحديدي.
وقد أسفر انعقاد المعرض الإقتصادي التجاري الصيني- الإفريقي، الذي استضافته مقاطعة هونان، وسط الصين، مؤخرا عن إبرام 84 اتفاق تجاري بين الشركات الصينية والإفريقية، بقيمة إجمالية بلغت 20.8 مليار دولار في مجالات الزراعة والتجارة والسياحة بجانب البناء والتشييد.
هذا وتحرص الصين على الإرتقاء دوما بمستوى علاقاتها بقارة إفريقيا وتعزيز التعاون مع دولها من خلال خطط تنموية كبرى في إطار أجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة وأجندة الاتحاد الإفريقي 2063، وإستراتيجيات التنمية الخاصة بالدول الإفريقية. وفي هذا الإطار أبرمت الحكومة الصينية 101 إتفاقية تعاون مع 86 حكومة ومنظمة دولية وإقليمية في إفريقيا لتعزيز ما يسمى مشروع “الحزام والطريق” الذي تبلغ تكلفته تريليون دولار.
جدير بالذكر أن إفريقيا تعتبر سوقا واعدة للمنتجات الصينية كما تعد أحد المصادر الرئيسية لإمداد الصين بالنفط، حيث تشير الإحصائيات إلى أن 25% من إجمالي واردات الصين النفطية تأتي من إفريقيا، كما أن 25 % من الأسلحة التقليدية الموجودة في القارة السمراء صينية الصنع نظرا لقيام الصين باستغلال حالة الصراع والنزاعات بين الأفارقة بالإستثمار في القطاع العسكري، بجانب المشاركة الصينية في قوات حفظ السلام حيث يوجد ما يقرب من 4000 جندي صيني في أنحاء القارة الإفريقية. وبطبيعة الحال تسعى الصين للحفاظ على هذه المصالح وتقويتها بتعزيز التعاون مع مختلف البلدان الإفريقية وهو ما جعلها تنجح في احتلال المرتبة الثالثة كأكبر استثمار في إفريقيا بعد الولايات المتحدة وفرنسا.
وتتمتع بلدان الشرق الإفريقي باهتمام صيني كبير نظرا لأهميتها الإقتصادية والإستراتيجية سيما في منطقة القرن الإفريقي التي تشهد توسعا صينيا كبيرا في شتى المجالات. وفي أحدث إحصائيات منظمة التجارة والتنمية كشفت الأرقام عن حدوث قفزة كبيرة في الاستثمارات الصينية المباشرة المتدفقة إلى بلدان شرق أفريقيا، لتبلغ ما يقرب من ثلاثة مليارات دولار خلال الفترة من عام 2011 إلى 2017.
وتعد بوروندي صاحبة النصيب الأقل في الإستثمارات الصينية في دول القارة الإفريقية حيث تلقت استثمارات مباشرة من الصين بلغت 9.91 مليون دولار، تلتها رواندا بحجم استثمارات 18 مليون دولار، ثم جنوب السودان التي تلقت 39 مليون دولار، وذلك خلال السنوات السبع المشار إليها. بينما كان الجزء الأكبر من الإستثمارات الصينية من نصيب كينيا بقيمة بلغت 1.3 مليار دولار، جاءت بعدها تنزانيا التي تلقت استثمارات صينية بقيمة 890 مليون دولار، بينما بلغت الإستثمارات الصينية في أوغندا 536 مليون دولار خلال نفس الفترة ما بين عامي 2011- 2017 .
ترجع بداية نقطة انطلاق الصين للشرق الإفريقي عام 2000 مع تمويلها مشروعات استثمارية في جيبوتي، من أشهرها بناء مقر جديد لوزارة الخارجية الجيبوتية بتكلفة بلغت 2.41 مليون دولار مما تسبب في زيادة مديونية جيبوتي للصين بشكل كبير.
وتعد إثيوبيا من الدول التي شهدت توسعا صينيا كبيرا تمثل في عروض تجارية، واستثمارات صينية بجانب الإتفاقيات التي شملت تمويلا وقروضا ومشاريع تشييد طرق ومناطق صناعية. ويعد إعلان إثيوبيا عن مشروع إطلاق أول قمر صناعي لرصد الأرض في شهر سبتمبر 2019 المقبل، بصناعة وتمويل صينيين تأكيدا على التوغل الكبير للتنين الأسيوي في منطقة القرن الإفريقي.
كما تسعى الصين لتعظيم تواجدها الإقتصادي في كل من الصومال وإريتريا والسودان دعما لمصالحها في المنطقة، إلا أنها لازالت تواجه بعض الصعوبات خاصة في المناطقة المشتعلة بالصراعات والتي تعرضت فيها لبعض عمليات عنف، وكذلك في المناطق التي شهدت حوادث لعمال مناجم تابعة لشركات صينية وراح ضحيتها العديد من الأفارقة. إلى جانب ذلك تبقى تحديات أخرى كبيرة تتمثل في المنافسة الشرسة مع الخصم الأكبر في العالم وهو الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية حيث يسعى كل منهم نحو السيطرة على مصادر الثروة الإفريقية سواء الغاز الطبيعي أو النفط أو الموارد الطبيعية.
من أجل ذلك يتعين على حكومات دول المنطقة في إفريقيا عدم التعجل في إبرام اتفاقات مع الجانب الصيني أو غيره من الأطراف اللاهثة وراء الثروة والأسواق الإفريقية مع ضرورة دراسة مثل الإتفاقات بشكل دقيق درءا للتورط في أية محاولات خارجية للإستغلال السيء، كما يجب الإختيار بين أفضل العروض في أجواء من الشفافية للبعد عن عقود الإستغلال الفاسدة. ولاشك أن التكالب الصيني على التوسع في الأسواق الإفريقية إنما هو جزء من اهتمام عالمي واستشعارللأهمية الكبرى لقارة إفريقيا وثقلها الإقتصادي والاستراتيجي في المرحلة القادمة، وهو ما يجب على الدول الإفريقية أن تحسن استغلاله لتعظيم مكاسبها بما يصب في نهاية الأمر في مصلحة الشعوب ويسهم في تحسين مستويات معيشتهم.