التهريب في إريتريا
صفاء عزب
آخر تحديث: 9/05/2019
القاهرة- عثرت جهات أمنية مصرية على سيارة بها جثث لأشخاص ومهربين من إريتريا وهي واقعة تتجاوز إطار جريمة القتل التقليدية إلى ما هو أخطر ليشمل نطاق الجرائم المنظمة والتي ترتبط بعمليات التهريب عبر الحدود والإتجار في البشر حيث يرجح الأمن المصري أن الجريمة تمت لأسباب تتعلق بالتنازع على شحنة البشر المهربين واستغلالهم. ولا شك أن مثل هذه الواقعة تعيد وتجدد مخاوف الدول من انتشار عمليات التهريب كأحد الأنشطة غير القانونية الخطيرة في العالم.
يعد التهريب من الظواهر السلبية الخطيرة التي تهدد منطقة الشرق الإفريقي وتعرض اقتصادها للخطر نظرا لاستفحالها وانتشار ممارساتها على اختلاف أنواعها في غيبة من القانون والجهات الأمنية والحكومية المعنية بالحفاظ على تأمين الحدود ومطاردة المهربين. وتشمل الظاهرة السلبية كافة أنواع عمليات التهريب من السلع الرديئة والماركات الشهيرة والسلع الغذائية والإلكترونية والأقمشة مرورا بالسلاح والمخدرات والممنوعات وصولا لتهريب البشر لأغراض خطيرة منها تجارة الأعضاء البشرية والأنشطة الإرهابية. ويمكن القول أن المهربين صاروا دولة موازية داخل الدول التي تشهد مناطقها رواجا في التهريب مع ظهور اقتصاديات خاصة به بشكل مخيف. ساعد على ذلك ظهور أنماط جديدة من المهربين يختلفون عن الشكل التقليدي حيث أصبح هناك إقبال من الشباب وخريجي الجامعات على الإقبال على مغامرة العمل بالتهريب سعيا وراء مكسب سريع سيما في ظل استحكام أزمة البطالة والفقر في هذه المناطق من العالم.
تزداد مخاطر التهريب مع ظهور الجماعات الإرهابية التي تستغل حالات الإسترخاء أو الفوضى الأمنية على الحدود للقيام بعمليات إجرامية منها تهريب الأسلحة والممنوعات وتتخذ من القارة السمراء ساحة واسعة لممارساتها التهريبية في شتى أرجائها بما فيها منطقة الشرق الإفريقي وما تشهده بعض مناطقها من انفلات أمني وعدم سيطرة كاملة على الحدود.
وتعد منطقة الحدود الإريترية مع دول الجوار من أخطر نقاط التهريب في المنطقة لما تشهده من عمليات تهريب مكثفة وعلى مستوى خطير من الإحترافية والإحتيال على القوانين، وتعدد الطرق والمسالك التي يتخذها المهربون للتسلل عبر الحدود بدون تفتيش أو رقابة. وقد ساهمت فترة الحظر الطويلة التي فرضت على إريتريا، قبل رفع العقوبات عنها مؤخرا، بإبرامها اتفاق المصالحة مع إثيوبيا، ساهم الحظر في اختناق الإقتصاد الإريتري وتعميق معاناة الإريتريين ما دفع بعضهم للجوء لوسائل بديلة للحصول على احتياجاتهم الحياتية، ومنها عمليات التهريب.
وكانت ولاية كسلا السودانية قد أكدت حدوث عمليات تهريب وهجرة غير شرعية عبر حدودها وطالب اللواء يحيى الهادي مدير شرطة الولاية في فترة سابقة أن الوضع الجغرافي للولاية يحتم وضع ضوابط صارمة. كما تم الإعلان أكثر من مرة عن إكتشاف عمليات تهريب من إريتريا منها ما أعلنه المركز السوداني للخدمات الصحفية عن إحباط قوات الأمن في كسلا لعملية تهريب أكثر من 90 إريتريا بمحلية خشم القربة قادمين من إريتريا.
كما كشفت جهات سودانية في شهر أغسطس من عام 2018 عن إحباط عملية تهريب واحتجاز قسري لبشر مهربين من إريتريا منهم 51 فتاة تم تحريرهن وكانت حالتهن غاية في السوء. وترتبط عمليات تهريب البشر في إريتريا بجرائم أخرى منها تجارة الأعضاء البشرية حيث تم اكتشاف العديد من هذه الجرائم من خلال اعترافات بعض الأشخاص الذين تم العثور عليهم خلال مداهمات أمنية.
وتحتل إريتريا مركزا متقدما في قائمة الدول التي تشهد عمليات التهريب خاصة ما يتعلق بتهريب البشر، حيث تأتي بعد سوريا وأفغانستان والعراق في قائمة المصدرين للمهاجرين غير الشرعيين. وقد لعبت الأوضاع الإقتصادية والسياسية الخانقة في إريتريا دورا كبيرا في زيادة حدة وتيرة التهريب والفرار من إريتريا بشكل غير شرعي. وقد ارتفع عدد الإريتريين الهاربين لأوروبا عبر حدود الدول المجاورة من 13 ألف شخصا عام 2013 إلى ما يقرب من 37 ألف إريتري عام 2014. وتفيد احصاءات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين بأن حوالي 2000 اريتري يدخلون شرق السودان شهريا طلبا للجوء وأغلبهم شباب تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاما.
وربما كان لهذه الأوضاع الصعبة داخل إريتريا دورها في ردة الفعل العنيفة والإنتقادات القوية التي وجهتها أطراف ومؤسسات دولية للأمم المتحدة بعد منحها إريتريا مهمة رئاسة منتدى إفريقيا والإتحاد الأوروبي المعني بهجرة الأفارقة لأوروبا باعتبارها من أكثر الدول الإفريقية المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين عبر التهريب.
يذكر أن حالة الحظر الإقتصادي التي فرضت لمدة طويلة على إريتريا كانت قد تسببت في دفع الشعب للبحث عن احتياجاته والحصول عليها بصورة غير شرعية من خلال التهريب. وشهدت الحدود الإريترية مع إثيوبيا على سبيل المثال نشاطا تهريبيا كبيرا لبضائع وسلع أساسية مثل البن والزنجبيل والذرة الشامية والقمح والشعير. وفي اتجاه عكسي وعبر الحدود مع السودان استطاع الإريتريون تهريب صادراتهم من السلع الغذائية في صناديق خشبية إلى كسلا ومنها الطماطم والبطاطس والعسل والسمن البلدي إضافة إلى السلاح للمعارضة السودانية وذلك بحسب مواقع صحفية.
وتعد تجارة السلاح المهرب من أخطر ما أسفرت عنه عمليات التهريب على الحدود الإريترية، وهو ما تكشف عنه بعض الجهات الأجنبية من وقت لآخر وكان آخرها ما أعلنته أجهزة الأمن الأوكرانية مؤخرا عن نجاحها في إحباط عملية تهريب مجموعة من صواريخ “5ف27د” الروسية الصنع من طراز “أرض – جو”، إلى إريتريا.
وفي فترات زمنية سابقة لجأ الإريتريون إلى تهريب كميات من المواد الغذائية والمشتقات النفطية والادوية من اليمن إلى اريتريا عبر مينائي الخوبة واللحية بعد غلق معبر كسلا السوداني، حيث كشفت الداخلية اليمنية آنذاك عن ضبط 14 قارب إريتري محملة بمواد غذائية مهربة بالمخالفة لقوانين التجارة والجمارك في اليمن.
ولاشك أن مشكلة التهريب في إريتريا يجب النظر إليها بزاويتين مختلفتين لأن لها شقين أحدهما إنساني إقتصادي والآخر قانوني أمني. أما بالنسبة للجانب الإنساني فيتطلب ضرورة توفير السلع الأساسية مما يحتاجه الإريتريون وهي مسألة ترتبط بتحسين أوضاعهم الإقتصادية والسياسية الداخلية التي تمكنهم من الحصول على مواردهم الحياتية. ومن المفترض أن يسهم رفع الحظر الدولي عن إريتريا في تحقيق انتعاش اقتصادي وانفتاح أكبر على العالم يسفر عن نتائج إيجابية في هذا الصدد.
أما بالنسبة للشق الثاني فهو يرتبط بتهريب السلاح والبشر وكل ما عداه من ممنوعات وهي مسألة خطيرة تستلزم تشديد الرقابة الحدودية في جميع الأطراف المشتركة في حدود مع إريتريا، كما يستلزم الأمر تعاونا دوليا لتقديم الدعم اللازم لدول المنطقة وخاصة إريتريا بما يساعدها في مواجهة هذه الظاهرة وتجفيف منابع التهريب، والأمر يبدأ من نقطة علاج الأسباب التي تدفع الشباب إلى العمل في التهريب وحل مشكلاتهم بإيجاد مجالات عمل مجزية، وفتح أفاق دولية للإستثمار في إرتريا بما يسهم في إنعاش الإقتصاد وجني نتائج إيجابية تعود بالنفع على المواطنين وتغنيهم عن سلك طريق التهريب للبحث عن الرزق.