التكامل الاقتصادي لدول القرن الإفريقي .. الواقـع والآفاق (1/2)
عبد الله الفاتح
آخر تحديث: 12/09/2017
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 5
مقدمـة:
دعا رئيـس الوزراء الإثيـوبي هيـلا ماريام ديساليـن يوم الخميـس الـ17 من أغسطـس المنصرم، لإنشـاء مجمـوعة اقتصـادية تضـم كافـة دول منطقـة القرن الإفريقي.
وجاء ذلك في كلمـة ألقاها خـلال زيارته للعاصمـة السـودانيـة الخـرطوم، أكد فيـها أنه يطمـع إلى إنشـاء مجمـوعة اقتصاديـة على غـرار الاتحاد الأوروبي واتحاد دول شـرق آسيا، مشيـراً إلى أن هـذا المشـروع سيصـب في مصلحـة الأمـن والاستقـرار بالمنطقـة وسيضـع حداً للفقـر في المنطقـة، ويرفـع مستـوى معيشـة سكانها.
وأوضـح ديساليـن أن المؤتمـر الاقتصادي لدول المنطقـة المزمـع عقـده بالخـرطـوم في أكتـوبر المقبل، سيسهـم في بلـورة مشـروع التكامل للمجمـوعة الاقتصاديـة لدول القـرن الإفـريقي .
يحاول هـذا التقـرير تسليـط الضـوء على الدوافع وراء التكامـل الاقتصـادي بين دول القـرن الإفريـقي، كما يهـدف التقـرير إلى توضـيح أبرز التحديات والمعـوقات التي تواجـه جهـود التكامـل، ومدى قـدرة قيادات المنطقـة للتغلـب على تلك المعوقات واعتماد التكامـل الاقتصـادي كخيار استراتيجي لحل المشاكـل الاقتصاديـة والاجتماعيـة والسياسيـة والأمنيـة في المنطقـة.
القـرن الإفريـقي الموقع والأهميـة الاقتصاديـة:
القـرن الإفريـقي (Horn of Africa) هـو المنطقـة الواقعـة على رأس مضيـق باب المنـدب من السـاحل الإفريـقي والتي يحـدها المحيـط الهنـدي جنـوباً، والبحـر الأحمـر شمالاً، وتتكـون من دول الصـومال، جيبـوتي، إثيـوبيا، إريتـريا، إضافـة إلى السـودان وكينيـا، وتمتـد مساحـة المنطقـة ما يقـرب بـ 2 مليـون كـم2، وعدد سـكانها يتجاوز 180 مليـون نسمـة وفقاً لمعظـم المرجعيات الإحصـائية الدوليـة.
وتفـردت هذه المنطقـة بمـزايا جيوستراتيجيـة عديدة نظـراً لخصائـص موقـعها الجغـرافي المطـل على المحيـط الهنـدي ومضيق باب المنـدب المدخـل الجنـوبي للبحـر الأحمـر.
بجانب المساحـة البريـة الشـاسعة التي تضمها المنطقـة ومـواردها وطاقاتها الماديـة والبشرية وقدراتها الكامنـة على النمـو والتطـور.
وتكتسـب منطقـة القـرن الإفريـقي أهميـة كبيـرة من الناحيـة الاقتصـادية، يجعـل من المنطقـة سـوقاً مستقبلياً بالغ الحيـوية للنشاط الاقتصـادي والتبادل التجاري؛ مما يعـزز رغبـة دول المنطقـة لإنشـاء تكتل اقتصـادي موحـد.
ورغـم ما تتمتـع به المنطقـة من موارد اقتصـادية كافيـة لإشباع حاجاتها وتحقيق التنميـة التي تتنافـس بها المجتمعات والتكتـلات الإقليميـة الأخـرى، غيـر أن أكثـر هذه الموارد تذهـب لإنتاج كماليات ودرجات من الرفاهيـة الفاحشـة لبعـض الأفـراد والفئات السياسيـة والاجتماعية المتنفـذة في المنطقـة، بينما تعاني الأكثـرية من نقـص حاد وخطيـر في الحصـول على كثيـر من السلـع والخدمات الضـرورية.
مفهـوم التكامـل الاقتصـادي:
تعددت بشكـل كبيـر آراء وتعـريفات الاقتصادييـن حول مفهـوم التكامـل الاقتصـادي، فالبعـض استعمـل مصطلح الاندماج، والبعـض الآخـر استعمـل مصطلح التعاون، وآخـرون استخدموا مصطلح التكتـل الاقتصـادي.
وبعيـداً عن تلك الاختـلافات والتباينات فإن التكامـل الاقتصـادي بمفهـومه الحـديث يبقى عمليـة سياسيـة واقتصـادية واجتماعيـة مستمـرة باتجاه إقامـة علاقات اندماجيـة متكافئـة بإنشاء مصالح اقتصـادية متبادلـة وتحقيق عـوائد مشتركـة من خـلال تبني مزيد من التداخـل بين هياكلها الاقتصـادية والاجتماعيـة.
شـروط نجاح التكامـل الاقتصـادي:
تؤكـد عديد من الدراسات العلميـة أن نجاح التكامـل الاقتصـادي الإقليمي يتوقف على مجمـوعة من الشـروط نذكـر منها ما يلي:
1) التقارب الجغـرافي:
يعتبـر التقارب الجغـرافي من أهـم الشـروط لنجاح التكامـل الاقتصـادي بين مجمـوعة من الدول التي تصبـو إلى تشكيـل تكتـل اقتصادي فيما بينها.
ويعد التقارب الجغـرافي من دعامات التكامـل بين الدول لسهـولة الاتصال ونقل السلـع والخدمات والعمالـة داخل المنطقـة التكامليـة.
2) الإرادة السياسيـة:
تعـد الإرادة السياسيـة من العناصـر الأساسيـة لقيام التجمعات الاقتصـادية كما أن غيابها يشكـل من أهم أسباب فشـل التكامـل الاقتصـادي.
3) تجانـس الاقتصاديات القابلـة للتكامـل:
يجب أن يكـون التكامـل بين اقتصاديات ذات هياكـل متجانسـة وقابلـة للتكـامل، وهذا يعني خلق فضـاء حقيقي متضامن من حيث لا وجود للاختلافات الاقتصاديـة بين الدول الأعضاء، وإلا سيسيطـر اقتصـاد بلـد ما على اقتصاديات الدول الأخـرى.
4) تناسب القيـم الاجتماعيـة والثقافيـة:
يعتبـر هذا العنصـر عامـلاً مهماً للتكامـل الاقتصادي؛ حيث أن اختـلاف العادات والتقاليـد والقيم الاجتماعيـة بين الدول المتكامـلة يمكن أن يعيق عمليـة التكامـل إلى حد كبيـر.
مقومات التكـامل الاقتصادي:
معـروف أن إنشـاء أي تكتـل اقتصـادي إقليمـي يتطلـب لعديد من العـوامل والمتطلبات اللازمـة لتطـوير التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بيـن الأعضـاء ونقلـه إلى مستـوى التكامـل الاقتصـادي لدول الإقليـم، كما يتطلـب الأمـر لوجـود تشـريعات قانونيـة تحافظ على المصالح الاقتصاديـة والسياسيـة للدول الأعضاء، وفي يلي نستعـرض بأهـم المتطلبات والعـوامل اللازمـة لتحقيـق مشـروع التكامـل الاقتصـادي الإقليمـي:
1. العامـل القانوني والمؤسـسي:
كما سبقـت الإشـارة فإن إنشاء التكامـل الاقتصـادي لدول القـرن الإفريقي، يتطلـب فعـلاً التوافـق على إطـار قانوني يحدد حقـوق ومسؤوليات الدول الأعضـاء في المشـروع، ويحـل الخـلافات والإشكالات التي تطـرأ في المستقبـل بين المجمـوعة الاقتصاديـة.
2. العامـل الاقتصادي (التبادل التجاري والاستثمارات المشتركـة):
إن تحقيق التكـامل الاقتصـادي الإقليمـي لا يتوقف على توفـر الإطـار القـانوني والمؤسـسية للمشـروع فحسـب، بل إنه يعتمـد على حجـم التعاون الاقتصـادي والاستثمارات المشتركـة بيـن الدول الأعضـاء.
كما أن حجـم التبادل التجاري بيـن دول الإقليـم ومدى الاعتماد على بعضها البعـض في توفيـر احتياجاتها من السلـع والخدمات يشكـل عنصـراً مهماً في تشجيـع التعاون وتحقيق التكامـل الاقتصادي فيما بينها.
3. العامـل الأمني:
يشكـل الأمـن والاستقـرار في المنطقـة عـوامل أساسيـة مهمـة لتحقيق التكامـل الاقتصادي لدول القـرن الإفريقي؛ بحيث لا يمكن نجاح المشـروع ما لم يتم تسـوية المشكلات العالقـة، وما لم تحقق دول المنطقـة لدرجـة عاليـة من الأمـن والاستقـرار السياسي.
4. العـوامل اللوجستيـة المساعدة:
ومن الناحيـة الفنيـة (العمليـة) يتطلـب تحقيق التكامل الاقتصادي بتوفـر عـوامل أخـرى مساعـدة تتمثل في البنيـة التحتيـة لدول المنطقـة كالموانئ والمطارات والطـرق، وبالإضافـة إلى خدمات الاتصالات المختلفـة وشبكات الكهـرباء والماء وغيـرها.
دوافـع التكامـل الاقتصـادي:
كثيـرة هي الدافـع والمسوغات المحفـزة لبعـض دول القـرن الإفـريقي كي تسعـى بقـوة نحـو التكـامل الاقتصـادي، وفيما يلي استعـراض لأهـم تلك الدوافـع:
I. الدوافـع الاقتصـادية:
ترجـع الدوافـع الاقتصـادية إلى المزايا والمنافـع التي يمكـن أن تحقق عليها الدول المتكاملـة مقارنة بما كانت تحصـل عليها من مزايا ومنافع قبـل تحقيق التكامـل الاقتصادي، ونذكـر منها الآتي:
1. الأثر الإنتاجي للتكامـل الذي يؤدي إلى زيادة رفاهيـة الأعضـاء كنتيجـة طبيعيـة لزيادة إنتاج المشـروعات ذات الكفاءة العاليـة.
2. الأثر الاستهـلاكي للتكامـل الاقتصـادي؛ حيث يؤدي التكامـل إلى زيادة رفاهيـة المستهلكيـن عن طريق إحـلال السلع رخيصـة الثمـن محل السلع الغاليـة ، وزيادة حجـم السلع المتاحـة مع تحسيـن جودتها.
3. رغبـة الدول المتكاملـة في زيادة معدلات التبادل التجاري واكتساب قـوة تفاوضيـة أفضل مع الدول الأخـرى.
4. رغبة الدول الأعضاء في وضـع خطط مشتـركة لتحقيق التنميـة الشاملـة والاستفادة من اتسـاع حجـم السـوق الناجم عن إلغاء الحواجـز الجمـركيـة فيما بينها.
5. تسعى الدول من خـلال التكامـل الاقتصادي إلى تحقيق زيادة في معدلات النمـو الاقتصـادي.
II. الدوافـع السياسيـة:
يعد التكامـل الاقتصـادي أساساً لتعزيز القـوة السياسيـة للدول الأعضاء وتأثيـرها في السياسـة العالميـة والمنظمات الدوليـة، وتحسيـن القـوة التفاوضيـة لإيجاد علاقات اقتصاديـة وسياسيـة أكثـر عدلاً وتوازناً على الصعيد الدولي والإقليمي.
التطور التاريخي للتعاون الاقتصـادي لدول القـرن الإفريقي:
وفي ظـل تلك التحولات والمتغيـرات التي يشهـدها العالـم، استشعـر عديد من دول المنطقـة مبكـراً بضـرورة تعـزيز التعاون المشتـرك لمواجهـة الكوارث الطبيعيـة والتحديات الاقتصـادية والاجتماعيـة في سبيـل تحقيق التنميـة الشاملـة.
خاصـة وأن المنطقـة تعاني من آثار الكوارث الطبيعيـة والمجاعات الإنسانيـة المتكررة التي تعصف على المنطقـة من حيـن لآخـر، كما أن معظـم دول المنطقـة ما زالـت تواجـه لكثيـر من الصـراعات والنـزاعات المسلحـة نتيجـة لانعـدام المشاريع التنمويـة وغياب الديمقـراطية والحكـم الرشيـد؛ مما أدى إلى انتشـار الإرهاب والتطـرف والهجـرة غيـر الشـرعية.
إنشـاء الهيئـة الحكـومية للتنميـة (IGAD):
وهذه العـوامل من كـوارث طبيـعية ونـزعات داخليـة دفعـت دول المنطقـة نحـو إنشـاء الهيئـة الحكـومية للتنميـة لمكافحـة الجفاف والتصـحر (IGADD) في عام 1986م، التي قامـت في عضـويتها كل من الصـومال وجيبـوتي وإثيـوبيا والسـودان وكينيـا وأوغنـدا ثم التحقت بها إريتـريا بعـد استقـلالها.
وبجانب مهمتها في مكافحـة الكـوارث الطبيعيـة، كان المقصـود من إنشـاء الهيئـة أن تكـون نواة لمشـروع التكامـل بين دول المنطقـة في المستقبـل، ولذلك تمثلت المهمـة الأساسيـة للهيئـة في تنسيق جهـود الدول الأعضاء في 3 قضايا أساسيـة:
• الأمـن الغذائي وحمايـة البيئـة.
• الحفاظ على الأمـن والسـلام وتعـزيز حقـوق الإنسـان.
• التعاون والتكـامل الاقتصـادي.
مـرة أخـرى اتفق رؤسـاء دول المنطقـة في عام 1996م، على توسيـع نشاط الهيئـة وإضافـة بعـد سياسـي واقتصـادي لها، وقد تـم إعادة هيكلتها لتضطلع بمهامها الجديدة، كما تم تغييـر اسمها إلى الهيئـة الحكـومية للتنميـة (IGAD).
وهناك جملـة من الأهـداف تسعـى الهيئـة إلى تحقيـقها، ومن أبرزها:
تعزيز استراتيجيات التنميـة المشتركـة والتوفيق بين السياسات الاقتصـادية.
توفيـق السياسات المتعلقـة بالتجارة والنقـل والمواصـلات والزراعـة والموارد الطبيعيـة وحـرية نقـل البضائع والخدمات في المنطقـة.
إنشـاء بيئـة قادرة على جذب الاستثمارات الأجنبيـة.
تعـزيز البرامج والمشـروعات لإنجاز الأمـن الغذائي الإقليمي والتنميـة المستدامـة.
إلا أن نشاط المنظمـة قد تعطـل بشكل كبيـر في أعقاب اندلاع الحـرب الإثيـوبيـة والإريتـرية.
ومع ذلك كان للمنظمـة دوراً كبيـراً في إنهاء الصـراع العسكـري بين البـلدين، كما أنها نجحـت سياسياً في حشـد الأسـرة الدوليـة لدعـم المبادرة الصـوماليـة التي تكللت بنجاح في إعادة الدولـة الصـومالية ووضعها في الطـريق الصحيـح.
وفي السياق ذاتـه تبذل المنظمـة جهـوداً متواصلـة لإيجاد حل سياسـي للنـزاع المسلحـة والحـرب الأهليـة الدائـرة حالياً في دولـة جنـوب السـودان.
ويـعتقد كثيـر من مسـؤولي المنظمـة “أن تسـوية النـزاعات الأهليـة والإقليميـة في منطقـة القـرن الإفريقي سيفتـح الباب أمام التعاون الاقتصـادي والتجاري لدول المنطقـة والانطلاق نحـو مشـروع التكامـل الاقتصـادي المنشـود.
ومن الناحيـة الاقتصـادية تتحدث المنظمـة عن استكمال الدراسات لإنشـاء شبكـة طـرق حديثـة تربط بيـن دول القـرن الإفريـقي، وأن كلفـة المشـروع بلغـت بـ300 مليـون دولار أمريكي، ويقـوم بتمـويله الاتحاد الأوروبي، وترى المنظمـة أن هذا المشـروع سيكـون مقدمـة لكسـر الحدود السياسيـة وتمازج الشعـوب في المنطقـة.
كما تخطط الهيئـة تنفيـذ مشاريع تنمـوية طمـوحة تتمثـل في إلغاء الحـواجز الجمـركيـة بين الدول الأعضـاء وإقامـة مشاريع زراعيـة مشتـركة وتوحيد المواصفات التجارية لمنتجات دول المنطقـة بالإضافـة إلى إلغاء تأشيـرات الدخول للمواطنيـن، وهي تؤكـد أن كـل ذلك يأتي للوصـول إلى التكامـل الاقتصادي لدول القـرن الإفريقي ولمساعدتها في الخـروج من أزماتها الغذائيـة المتكررة.
ولا يفـوتنا أن نذكـر أن من أهـم إنجازات الهيئـة الحكـومية للتنميـة كان إقـرار إنشـاء آليـة الوقايـة من النـزاعات والرد عليها (CEWARN) التي ابتـدعت نظاماً حديثاً لجمـع ورصـد المعلومات بواسطـة لجان قاعـدية ثم تحليلها في لجان تجمـع بين الأجهـزة الحكـوميـة ومنظمات المجتمـع المدني والجهات الأكاديميـة ثـم رفعهـا لأجهـزة اتخاذ القـرارات الوطنيـة والإقليميـة لوضـع تدابيـر وإجـراءات فـورية للوقايـة من النـزاعات وإنهائها في مهـدها.
ورغـم أن إنـزال الآليـة إلى الواقـع ما زال يشـوبها الكثيـر من الإخفاق، إلا أن تبنـي برتوكول الآليـة تعتبـر خطـوة جيـد في حـد ذاتها.