"التعبئة مع إفريقيا".. بداية لمشوار إنقاذ القارة السمراء من توابع "كورونا"
صفاء عزب
آخر تحديث: 20/04/2020
القاهرة- أثار تزايد أرقام الإصابات بجائحة كورونا في قارة إفريقيا بشكل مطرد في الفترة الأخيرة، اهتماما عالميا كبيرا نظرا لما يمكن أن يؤدي إليه إنتشار هذا الفيروس من كوارث مدمرة في القارة السمراء في ظل تدني الأوضاع الصحية ونقص المستلزمات الطبية وانخفاض مستوى الرعاية الصحية الذي يرجع بشكل كبير إلى تدهور الظروف الإقتصادية والأمنية في كثير من المناطق. بعد أن ظل فيروس كورونا بعيدا عن القارة الإفريقية لفترة طويلة منذ بدء ظهوره وانتشاره عالميا، تحرك الفيروس مؤخرا وبشكل سريع نحو القارة السمراء ليصيب ما يزيد عن تسعة عشر ألف شخص من أبنائها ويقتل أكثر من 1000 منهم مخلفا آثارا اجتماعية واقتصادية وصحية شديدة الخطورة. وقد دفع هذا الأمر المؤسسات الدولية مؤخرا إلى عقد مؤتمر “التعبئة مع إفريقيا” عبر تقنية الفيديوكونفرانس وبمشاركة مفوضية الإتحاد الإفريقي وأمانة الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، بالإضافة إلى صندوق النقد والبنك الدوليين، ورئيس جنوب إفريقيا بصفته رئيس الاتحاد الإفريقى خلال عام 2020، وذلك في إطار فاعليات اجتماعات الربيع للمؤسسات المالية الدولية. وتأكيدا على أهمية الموضوع شارك مسؤولون كبار من كل من كندا وإيطاليا والبرازيل ومصر، مع ثلاث منظمات دولية معنية بقضايا الغذاء وهي الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (الايفاد)، ومنظمة الامم المتحدة للاغذية وللزراعة (الفاو) وبرنامج الغذاء العالمي. جاء هذا الإجتماع بينما تواجه القارة الإفريقية تحديات صعبة في ظل انتشار فيروس كورونا وما صاحبه من توقف لحركة التجارة والنقل والتأثير السلبي على سلاسل إمداد الغذاء العالمية، الأمر الذي دفع المجتمع الدولي للتحرك لمواجهة هذه الأزمة ودعم القطاع الزراعي، والحيلولة دون تفاقم معاناة الشعوب الإفريقية بالعمل على توفير الغذاء للأماكن الأشد احتياجا.
وكانت أخبار متواترة نشرتها وكالات أنباء عالمية تشير إلى ارتفاع عدد المصابين بفيروس كورونا في قارة إفريقيا بما يتجاوز 19 ألف حالة وأن منهم ما يقرب من 1000 حالة وفاة، وكشفت الإحصائيات إلى أن الجزائر ومصر من أعلى الدول التي سجلت حالات وفيات يليها المغرب وجنوب إفريقيا حتى لحظة كتابة هذه السطور. لكن لا زال مستقبل انتشار الفيروس بإفريقيا يثير الرعب خاصة بعد أن صرح ميشيل ياو، المسؤول الإقليمي في منظمة الصحة العالمية قبل أيام بأن عدد المصابين بفيروس كورونا المستجد في إفريقيا قد يقفز من خانة الآلاف إلى 10 ملايين إصابة خلال فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر طبقا لنموذج إحصائي مؤقت. أرقام أخرى ذكرتها اللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة أشارت إلى أنه من المرجح أن يقتل فيروس كورونا ما لا يقل عن 300 ألف إفريقي ويهدد 29 مليون إفريقي آخرين بالفقر المدقع.
وتأكيدا على خطورة الموقف في القارة السمراء، حذر غيرد مولر وزير التنمية الألماني من حدوث انهيار لبعض الدول الإفريقية من جراء كورونا، مشيرا إلى أن الكثير من الدول الإفريقية ليس لديها فرصة لمكافحة الفيروس في ظل أنظمتها الصحية الحالية، وأعرب مولر عن مخاوفه من حدوث مجاعات واضطرابات في تلك الدول، وطالب بضرورة تعزيز تمويل منظمة الصحة العالمية لمواجهة هذه المخاطر المحتملة في ظل مؤشرات واقعية راهنة. كما دعا خبراء مشاركون في مؤتمر “التعبئة مع إفريقيا” الذي عقد مؤخرا بالتزامن مع اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، إلى تحرك د ولي عاجل لمساعدة الدول الإفريقية على مواجهة توابع كورونا وما يحدثه من إنكماش خطير للإقتصاد الإفريقي. على الرغم من هذه المخاوف إلا أن مسؤولين بارزين آخرين بمنظمة الصحة العالمية أكدوا أن قارة إفريقيا لا تزال لديها القدرة على التعامل مع الموقف والسيطرة على تفشي جائحة كورونا المستجد.
في ظل هذه الأوضاع الصعبة تحتاج قارة إفريقيا إلى مليارات الدولارات للتصدي لخطر كورونا وهو ما أكد عليه أنطونيو جوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، عندما قال إن القارة الإفريقية بحاجة إلى أكثر من 200 مليار دولار، لمواجهة الفيروس، وتخفيف عواقبه الاقتصادية. بينما قال أبيبي آيمرو سيلاسي مدير إدارة شؤون أفريقيا بصندوق النقد الدولي، أن الصندوق يقدر احتياجات إفريقيا خلال عام 2020، بنحو 114 مليار دولار للإنفاق على الخدمات الصحية والإجتماعية، الناتجة عن الإستمرار في سداد الديون الضخمة على دول القارة.
في هذا الإطار جاءت أهمية القرارات الأخيرة الصادرة عن مؤتمر “التعبئة مع إفريقيا” والتي ذكرها البيان الرسمي الصادر عن المؤتمر والذي كشف عن أن إفريقيا ستحصل على 55 مليار دولار خلال 15 شهرا مقبلة وذلك من أصل تمويل طارئ قيمته 160 مليار دولار من البنك الدولي. ورحب البنك ومعه صندوق النقد الدولي باتفاق دول مجموعة العشرين على تعليق مدفوعات خدمة الديون الرسمية الثنائية للدول بدء من أول مايو 2020. كما كشف البيان عن رصد المؤسسات الدولية وشركاء التنمية ما تصل قيمته إلى 57 مليار دولار كدعم عاجل لإفريقيا في 2020. ومع ذلك لا تكفي هذه الاموال، حيث تبقى هناك فجوة مقدارها 44 مليار دولار لمواجهة فيروس كورونا هذا العام وفقا لتصريحات الخبراء.
لا شك أن هذه التصريحات تعكس وضعا بالغ الخطورة في القارة الإفريقية على المستوى الصحي والإقتصادي والسياسي أيضا، الأمر الذي يتطلب تحركا دوليا سريعا وفعالا لحماية الشعوب الإفريقية من المخاطر المحتملة لتوابع جائحة فيروس كورونا الذي يعتبره البعض من أسوأ الأزمات التي تواجه العالم كله وليس القارة الإفريقية فقط، إلا أن ظروف القارة الأصعب حالا والأشد فقرا تؤهلها لأن تكون من أكثر المتأثرين سلبيا ب”كورونا”، وعليه فإن الشعوب الإفريقية تحتاج إلى مزيد من الرعاية والإهتمام من دول العالم ومنظماته المعنية حتى لا نصل لمرحلة كارثية قد تمتد آثارها للعالم كله، وليكن مؤتمر “التعبئة مع إفريقيا” هو بداية المشوار لمساعدة شعوب فقيرة عانت كثيرا عبر سنوات طويلة ولا زالت تعاني من أجل الحياة في القارة السمراء.