التطوّرات الأخيرة في مقديشو .. ترسيم لمعالم مستقبل العملية السياسية الصومالية
الصومال الجديد
آخر تحديث: 20/02/2021
شهدت العاصمة مقديشو خلال الـ 48 ساعة الماضية أحداثا وتطورات أمنية وسياسية ملحوظة، وذلك نتيجة لمظاهرات سلمية ضد الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو دعا إليها مجلس اتحاد المرشحين المعارض.
وقد حدّد المجلس يوم الـ 19/فبراير/2021م موعدا للمظاهرات السلمية للمطالبة بإجراء انتخابات توافقية حرّة ونزيهة، طالما انتهت الفترة الدستورية للمؤسسات والمجالس الحكومية الحالية.
وفي المقابل كان يلاحظ عدم ارتياح حكومة تصريف الأعمال بالخروج في هذه المظاهرات، حيث ذكرت وزارة الأمن بأنها لم تتلق أي إعلان بهذه المظاهرات وهو ما نفاه المرشح طاهر محمود غيلي المتحدّث باسم اتحاد المرشحين الّذي أكّد على أنهم أبلغوا المؤسسات الأمنية بهذه المظاهرات وأنها – أي المؤسسات- مطالبة بتأمين التظاهرات السلمية ومتابعتها.
أعقب ذلك صدور قرار حكومي عام في الـ 17/فبراير/2021م، يدعو إلى تقليل الاجتماعات والمناسبات للحد من انتشار الموجة الثانية لوباء كورونا المستجد التي ظهرت ملامحها في البلاد وفق وزارة الصحة الصومالية، غير أن مجلس اتحاد المرشحين اعتبر هذه الخطوة محاولة لمنع خروج المتظاهرين بدعاوى إجراءات صحية مسيسة، وأصرّوا على الخروج في المظاهرات مع التزامهم بالتعليمات الصحية للتوقي من فيروس كورونا كغسل اليدين وارتداء الكمامات.
بعد منتصف ليلة الأربعاء وعند ساعات الصباح الأولى من يوم الخميس 18/فبراير/2021م، أي عند الواحدة بعد منتصف الليل انتقل الرئيسان السابقان شريف شيخ أحمد وحسن شيخ محمود إلى فندق المائدة (ناسوهبلو2 سابقا) القريب من تمثال “الجندي المجهول“الّذي حُدّد مكانا لتجمع المتظاهرين، كاستراتيجية للتوقي من إغلاق الطرقات قبل موعد المظاهرات وتعذّر وصول المتظاهرين إلى المكان، فمحاولة منهما لئلا تحدث هذا انتقل الرئيسان إلى مكان يسمح لهما بالوصول إلى ساحة الاعتصام سيرا على الأقدام.
مساء الخميس الـ 18/فبراير/2021م، قام بعض المرشحين وعلى رأسهم الرئيسان السابقان بجولة تفقدّية لميدان الاعتصام، وألقوا هناك خطابات تؤكّد على ضرورة الخروج في مظاهرات سلمية.
بدأت أجهزة الأمن الحكومية الشروع في البحث عن طريقة للتعامل مع هذه المستجدّات، فحالت السلطات الأمنية في تقاطع سيدكا انضمام المرشح طاهر غيلي إلى زملائه عند ميدان تمثال الجندي المجهول وفقا لمصادر إخبارية مختلفة.
داهمت قوات أمنية حكومية عند منتصف الليل وفي الساعات الأولى من صباح الجمعة الـ 19/فبراير/2021م، مقر إقامة الرئيسين السابقين، كما انتشرت في المناطق المُحَدًّدة لتجمع المتظاهرين وقامت بإغلاق الطرق المؤدّية إليها.
في الساعات الأولى من صباح الجمعة الـ 19/فبراير/2021م، خرج متظاهرون على رأسهم عدد من المرشحين وبعض نواب مجلسي البرلمان الفيدرالي المعارضين في الطريق بين المطار وكم4 سيرا على الأقدام، إلاّ أنه أطلق عليهم النار عندما اقتربوا من حاجز تفتيش في هذا الطريق، مما تسبب في فرار المتظاهرين والعودة إلى أماكنهم.
أثارت هذه الحادثة سخطا سياسيا جديدا، حيث عقد عدد من المرشحين عقب هذه الحادثة مؤتمرا صحفيا عبّروا فيه عن غضبهم إزاء المعاملة السيئة التي تلقوها من القوات الحكومية، واتفقوا جميعا على أنهم نجوا من “محاولة اغتيال مخطط لها”.
وذهب البعض منهم إلى أبعد من ذلك عندما وصفوا الرئيس المنتهية ولايته بأنه “مجرم حرب متعطش لدماء الأبرياء”، وفق تصريحات المرشح عبد الرحمن عبدالشكور ورسمي زعيم حزب ودجر المعارض الّذي كان من بين الذين تعرّضوا لإطلاق النار أثناء المظاهرات.
بدوره عبّر القام بأعمال رئيس الوزراء محمد حسين روبلي عن استياءه من الأحداث المأساوية التي شهدتها مقديشو، معلنا أنّه “لا يزال يمدّ يده للتفاوض مع كلّ من لديه شكوى بكل شفافية واحترام”.
أما ولايتا بونتلاند وجوبالاند فقد أكدتا في بيانات صحفية متفرّقة استياءهما من هذه الأحداث المخالفة للدستور والتي تشكل تهديدا مباشرا لمسيرة إعادة بناء الصومال من جديد، حسب تصريحات الولايتين.
كذلك استدعت هذه الحادثة انتباه المعنيين بالقضية الصومالية من المنظمات الإقليمية، إذ أصدر كل من الاتحاد الإفريقي ومنظمة إيغاد بيانات تنديد وشجب لما حدث في العاصمة مقديشو، مع التشديد على ضرورة إنهاء أي خلاف سياسي على طاولة الحوار والمفاوضات.
إن التطورات الأخيرة في مقديشو خلّفت موجة من الاضطراب السياسي الّذي يمكن أن يتسع ليشمل أجزاء أخرى في البلاد ويتحول إلى اضطراب أمني قد يعبث بمستقبل العملية السياسية في البلاد ما لم تبدي الأطراف السياسية مرونة في المواقف، ولم تتحرّك الجهات الأخرى المعنية باستقرار الصومال بالبحث عن خروج آمن للمعضلة السياسية والأمنية المستجدّة في الساحة السياسية الصومالية.