الإشاعات معيار تخلف الأمم
بشير نور علي
آخر تحديث: 29/01/2016
بقلم بشير نور علي
في هذا الزمان الذي خربت فيه الذّمم، وانحلت فيه العقد، وضعفت فيه الأخلاق، وانعدمت فيه القيم؛ إلا التّصنع والمجاملة، سادت فيه الأراذل.
الكاذب أصبح مسموع المقال، والصادق صار متروك الكلام، وسائل النشر في أيدي الجميع، والتّلاعب على نقل المعلومات أصبح حرفة يزاولها من أراد وشاء. للكذب يوم في العالم مشهود.
ينتشر الكذب انتشار النار في الهشيم، مواقع التواصل الاجتماعي تساهم في تسهيل انتشار الاشاعات في المجتمع؛ لأن العالم أصبح كقرية صغيرة، ويمكن ايصال المعلومات بسرعة فائقة كسرعة البرق أو أقرب منها.
حيث تساعد البرامج التكنولوجية في فبركة المعلومات إن كانت سمعية أو مرئية وهناك آلاف من البرامج التي تلعب دورا في ذلك، ومنها ما هو خاص في معالجة الصور، ومنها ما يعالج المرئيات، وبرنامج أخرى، تعالج المسموعات، وأخرى تختص بالوثائق المكتوبة.
وبما أننا نعيش في هذا العالم الّذي تقاربت أطرافه، وتجاورت فيه الأجناس، وتخالطت فيه الأفكار، يجب أن نتثبت ونفكر ونتأكد.
لم يعد الخبيث يميّز من الطيب، مدارس السّوء نشطة، ومدارس الخير نائمة، وفي غطيط لم يسبق له مثيل ورغم كل ذلك نصغي لكل إشاعة شائعة، ونصدّق لكل أفّاك أثيم، ويغنيك مثلا ما تُعرَض في مواقع الشّبكة العنكبوتية المختلفة.
فثقافة التّثبت و التّأكد من مبادئنا وفي كتابنا الكريم موجودة (أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) ﴿٦﴾.
ولهذا لابد من التّجربة والتّثبت فبل قبول المعلومة وقبل نقلها إلى العالم من حولنا، حتى لا يكون لنا يد في نشر المعلومات المغلوطة، وإشاعة غير مؤكدة في المجتمع؛ لأن انتشار الإشاعات في مجتمع ما دليل على ضعف مستواه التّعليمي، وتدني مستواه الخلقي.
للتثبت على المعلومات أبعاد:
o التّحقق من قبول الخبر من المرسل أيا كان وزنه.
بمعنى أنه لا يجدر بك أن تكون وعاء لتخزين الاشاعات، ولابوقا لمثيريها، بل يجب أن تتأكد وتعرف أن السّمع والبصر والفؤاد كل أولئك عنه مسؤولا.
o التّحقق من نقل الخبر.
المصادر كلها ليست موثوقة، وليست مطلعة، وإن كانت كذلك فاعلم أنها ليست معصومة من الخطإ؛ ولذلك لا غنى من التّحقق والتّأكد من المعلومات قبل نقلها.
ثم إن المعلومة التي تستقبلها من مرسلها لا تكفي صحتها في تبرير نشرها بل لا بد من تكهن صداها، وتنبؤ آثارها السلبية قبل الإيجابية.
أيحلو لك أن تكون أضحوكة لغيرك، وأداة لنشر الاشاعات في ايدي العابثين؟ أم يجدر بك أن تلعب نصيب الأسد في هدم قيم الحياة؟ أليس من المضحكات المبكيات أن تتحول من مستقل بنفسه إلى مملوك للآخرين؟ لماذا لا تضع المعلومة تحت مجهر الفحص والتدقيق، وعلى منخل التصفية لغربلتها وتمزيز صحيحها من سقيمها؟ منذ متى وانت تخدع بكل هذه السهولة، وبشعارات براقة؟ أسبق لك يوما وأنت تنوي ايصال معلومة إلى غيرك، أو قبولها من غيرك أن تساءلت عن مصداقية هذه المعلومة أم العفوية من سماتك الشخصية، ولا داعي للتكلف؟
أدهى وأمر من ذلك كله أن تلعب نصيب الأسد في تضليل الدهماء، الضعفاء في شخصياتهم حتى أصبحوا أقرب من ظل للآخرين، ولا يتقنون ثقافة التثبت.