الأزمة الدبلوماسية بين الصومال وكينيا.. الأسباب والنتائج
عمر محمد
آخر تحديث: 15/06/2019
قراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 62
مقدّمة
يعدّ النزاع الحدودي بين الدول الإفريقية والعربية المتجاورة أمرا طبيعيا باعتباره من مخلّفات الاحتلال الأوروبي الذي احتلّ أجزاء كبيرة من الأراضي الأفريقية والعربية والآسيوية وغيرها، وقام باصطناع حدود وهمية بين القوى الأوروبية المحتلة للأرض، مما أدّى إلى تقسيم الأسرة الواحدة والقبيلة الواحدة، ورغم محاولات السكان الأصليين لمحاربة هذه الظاهرة، إلاّ أنّ الاحتلال استطاع تنفيذ رغباته في تفريق الأمة الواحدة إلى مجموعات مكونة لأوطان مختلفة، ويكفيك مثالا على ذلك كيف قسم الاحتلال الصومال إلى خمسة أجزاء مختلفة، مما جعل الصوماليون يحاولون استعادة وحدتهم تحت مسمى الصومال الكبير، ولكن دون جدوى.
وعندما رحل الاحتلال ترك مشكلة الحدود مشتعلة بين الدول الحديثة التي نشأت بعد رحيله وبمباركة منه في معظم هذه الدّول.
ويختلف تعامل الدول مع قضية النزاع الحدودي باختلاف نضجها السياسي والدبلوماسي، وبمدى اهتمامها بتقديم المصلحة العامة للبلدين دون تفريط في سيادة الدولة، ودون الإفراط في حسم المشكلة بشتّى الطرق السلمية والقانونية بل والعنفية.
وتشهد أفريقيا أكثر حالات النزاع الحدودي انتشارا بين دولها حيث يمكن أنه ما من دولة أفريقية إلاّ ولها نزاع حدودي مع جارتها أو جيرانها المتلاصقين أو المتقابلين، فعلى سبيل المثال، هناك نزاع حدودي بين مصر والسودان، وبين الجزائر والمغرب، وبين إرتيريا وجيبوتي، وغيرها من الدول الأفريقية.
البعد التاريخي للعلاقات الصومالية الكينية
اتّسمت العلاقات الصومالية الكينية بالتوتّر منذ حصول البلدين على استقلالهما، ذلك، لأنّ الاحتلال البريطاني مع علمه أن سكان المنطقة المسماة بالمقاطعة الشمالية لكينيا يشتركون مع الصومال عدّة قواسم من بينها انتماؤهم إلى العنصر الصومالي الذي تربط بينهم أواصر القربى المتمثلة بالانتماء إلى القبائل الصومالية- مع علمه بذلك اقتطع الاحتلال البريطاني منطقة المقاطعة الشمالية الحدودية المعروفة اختصارا بإنفدي (NFD) المأخوذة من الأحرف الأولى للكلمة الإنجليزية Northern Frontier District الواقعة في أقصى الجنوب الغربي بالنسبة للصومال، وأقصى الشمال الشرقي بالنسبة لكينيا، اقتطعها الاحتلال لكينيا.
وهو ما أثّر سلبيا على مستقبل العلاقات الصومالية الكينية لاحقا، إذ قابل الصوماليون قرار إدارة الاحتلال البريطاني الذي ينص ضم منطقة الإنفدي إلى الأراضي الكينية، قابلوا هذا القرار بالرفض المطلق، حيث “رفض الصوماليون، بادئ الأمر، إرسال ممثلين عن الإقليم السابع لمجلس النواب الكيني (إطلاق تسمية إقليم سابع وردت في توصية لجنة ترسيم الحدود)، كما رفضوا انتخاب الستة أعضاء المخصصين لمديريتهم في المجلس الإقليمي الثلاثين. وقد اتخذوا هذا القرار في اجتماعهم المنعقد في مارس/آذار 1963م لمدة ثلاثة أيام في وجير. حضر هذا الاجتماع ستّون من زعمائهم السياسيين، إضافة إلى عدد من قيادات القبائل الصومالية، الّذين قرّروا مقاطعة الانتخابات الكينية ورفض القرار القاضي بخلق الإقليم السابع وتقسيم الأنفدي. وطالب الاجتماع أيضا كل زعماء القبائل والمجالس وممثلي الإقليم في المجلس التشريعي، ورؤساء المحاكم الدّينية والمدنية بالاستقالة من مناصبهم. وهكذا لم تتمكن السلطات الكينية من إجراء الانتخابات في الإقليم السابع حتّى مارس/آذار 1964م. وحتّى عندما تم ترشيح النواب الصوماليين الثلاثة، جرى اختيارهم عن طريق الإجماع السكوتي. كما جرى اختيار أعضاء المجلس الإقليمي الذي انعقد في غاريسا في 20/مارس- آذار/1964م عن طريق التعيين”1.
وهذا دليل كاف على أن الصوماليين لم يقتنعوا بقرارات إدارة الاحتلال البريطانية، مما أدّى إلى أن يؤثّر ذلك في العلاقات الكينية الصومالية بعد استقلالهما حيث لوحظ بعد استقلال الدولتين بوادر اضطرابات على حدودهما إذ أن السلطات الكينية بدأت تتحدّث عن هجمات لمجموعات مسلحة على القبائل الحدودية ولذلك دعا جومو كينياتا رئيس كينيا آنذاك مجلس وزرائه لاجتماع عاجل في 25/ديسمبر/1963م، توصّل المجتمعون فيه إلى إعلان حالة الطوارئ في كلّ الإقليم، وإقامة منطقة عازلة على جانبي الحدود، إلاّ أن هذه الإجراءات لم تغيّر عن وضع الحدود شيئا كثيرا، وأرغمت الاضطرابات الحدودية بين الدّولتين إلى لجوئهما لتقوية قدراتهما الفنية والعسكرية استعدادا لأيّ تصعيد عسكري سينجم عن الوضع الحدودي المتفاقم2.
وأثناء انعقاد قمة منظمة الوحدة الأفريقية في القاهرة في 15/يوليو – تموز/1964م، اقترحت الحكومة الكينية على الحكومة الصومالية مناقشة أوضاع الحدود بينهما… غير أن الصومال رفض قرار المنظمة الخاص الذي صدر عن اجتماع القاهرة والّذي ينص بقدسية الحدود القائمة آنذاك وعدم مساسها3.
وفي ديسمبر/كانون الأول 1965م وأثناء زيارة آدم عبدالله عثمان لتنزانيا استطاع الرئيس التنزاني آنذاك جوليوس نيريري أن يجمع بين كلّ من الرئيس الصومالي والرئيس الكيني في بلاده، إذ قام بدعوة الرئيسي الكيني جومو كينياتا لإجراء محادثات بينهما في عروشا، وهو ما تم بالفعل في 13/ديسمبر – كانون الأول/1965م برئاسة نيريري، إلاّ أنّه لم يتم التوصّل إلى حلّ بين الرئيسين، حيث أن الرئيس الكيني تقدّم بمقترحات أثناء المحادثات من بينها: أ- أن تعلن الصومال إدانتها للمجموعات المسلحة على الحدود، ب- وأن توقف فورا حملتها الإعلامية ضد كينيا، جـ- وأن تصدر أوامرا لجيشها ولأجهزتها الأمنية للتعاون مع نظرائهم الكينين لنشر الأمن والسلام على الحدود بين البلدين، وهو ما لم تستجب له الصومال مما أدّى إلى أن لا تثمر هذه المحادثات بسبب تمسّك كل طرف بموقفه من القضية، وعدم استعداده لتقديم أيّ تنازلات فيما يخص القضايا العالقة آنذاك1.
في السنوات التالية لهذه المحادثات بذلت كينيا جهودا جبارة لتكسب سندا دبلوماسيا لقضيتها حيث زار نائب الرئيس الكيني آنذاك دانيا أراب موي القاهرة في 1967م، تلتها زيارات أخرى قام بها وزير الدّفاع الكيني آنذاك مستر مونغاي إلى كلّ من: الكويت، السعودية، الأردن، وإيران، مطالبا من هذه الدول وضع أسس دقيقة للحد من تهريب الأسلحة بواسطة البواخر إلى الصومال2.
وفي محاولة من الدولتين لتهدئة الأحوال وإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما تم إبرام اتفاقية عروشا في 28/أكتوبر- تشرين الثاني/1967م في اجتماع ضم بين جومو كينياتا رئيس كينيا ومحمد إبراهيم عقال رئيس الوزراء الصومالي آنذاك، واعترفت الصومال خلالها بسيادة كينيا على إنفدي وعلى الحلّ السلمي لهذه القضية، وهذا ما أثار الرّأي العام الصومالي، كما واجهت الاتفاقية معارضة سياسيين صوماليين مرموقين من بينهم رئيس الوزراء الصومالي الأسبق عبدالرزاق حاج حسين سكرتير حزب وحدة الشباب الصومالي آنذاك والذي رفض اتفاق عروشا برمّته3.
أما في كينيا فقد قرر الرئيس الكيني إعادة العلاقات الدّبلوماسية مع الصومال فورا، وذلك في إشارة واضحة لقناعة السلطات الكينية بقرارات اتفاقية عروشا.
عقب ذلك أعلنت الدولتان رفع الحظر عن التبادل التجاري بين البلدين، كما وافق الرئيس الكيني لاحقا أي في 1969م رفع حالة الطوارئ عن إنفدي، وأعلن العفو العام عن كل المعتقلين الذين أدينوا بالقضية السياسية بين الدولتين.
هدأت أحوال الحدود بعد اتفاقية عروشا واستمرت العلاقات الطيبة بين البلدين حتى اندلاع حرب أوغادين بين الصومال وإثيوبيا عام 1977م التي أثرت بطريق مباشر وغير مباشر على العلاقات الكينية الإثيوبية من ناحية، ووضع الصوماليين في إنفدي من ناحية أخرى.
وعموما فإنّه يمكن القول بأن العلاقات الصومالية الكينية ما بعد الاستقلال وما قبل اتفاقية عروشا، كانت تخضع لتقلّبات أوضاع الحدود بين البلدين، أما ما بعد اتفاقية عروشا فإن العلاقات بين البلدين اتّسمت بنوع من الهدوء حتّى نشوب حرب أوغادين الّذي كان له تأثير على الوضع في إنفدي بشكل خاص، وعلى العلاقات الصومالية الكينية بشكل عام، إلاّ أنها عادت إلى طبيعتها بعد انتهاء الحرب، واستمر الحال هكذا إلى أن انشغلت الصومال بأزماتها السياسية الداخلية في الفترة الأخيرة من عمر الدولة العسكرية الصومالية1.
وبعد سقوط الحكومة العسكرية الصومالية فتحت كينيا أبوابها للاجئين الصوماليين الّذين فرّوا من جحيم الحرب الأهلية التي دمرت كلّ مقوّمات الحياة، وأصبح اللاجئون الصوماليين يمثّلون نسبة كبيرة في مخيم دداب للاجئين، والذي يعدّ أكبر مخيم للاجئين على مستوى العالم2.
وأثناء الحرب الأهلية الصومالية استضافت كينيا بعض مؤتمرات المصالحة الوطنية التي تعقد للفصائل الصومالية، ومن بينها مؤتمر إمبكاتي الّذي اختير فيه الرئيس عبدالله يوسف أحمد رئيسا للصومال عام 2004م.
أسباب الأزمة الدبلوماسية الحالية بين البلدين
إن الحديث عن البعد التاريخي للعلاقات الصومالية الكينية يساعدنا على معرفة الأسباب الأساسية للأزمة الدبلوماسية الحالية بين البلدين، وذلك بمعرفة نوعية العلاقات بين البلدين قبل الأزمة الحالية، وعليه، فإنّه يمكن حصر أسباب الأزمة الدبلوماسية الحالية بين البلدين بالنزاع الحدودي البحري بين البلدين، والذي هو نتاج طبيعي للنزاع الحدودي البرّي بين البلدين.
وأما أسباب ظهور هذا النزاع في هذا الوقت فإنه من الممكن تلخيصه باحتمالات وجود ثروة سمكية ونفطية هائلة في قاع بعض المناطق المتنازع عليها، ولذلك يسعى كلّ طرف إلى احتواء هذه المناطق، واستخراج نفطها وغازها مما سيساعده على تطوير اقتصاده وتنمية بناه التحتية.
محطّات مهمة في البعد التاريخي للنزاع الحدودي البحري بين البلدين
• في عام 2005م أقدمت كينيا من جانب واحد على تحريف مسار خط الحدود البحرية بين البلدين لصالحها، في خطوة لاستفادة الأوضاع المتردّية في الصومال، إلاّ أنّه وبعد فترة انتبه الصوماليون1 وطالبوا بحقوقهم البحرية عبر المحطات التاريخية الهامة الآتية:
• في 7/إبريل – نيسان/2009م، وقّع الطرفان مذكرة تفاهم بشأن النزاع الحدودي البحري بينهما.
• في 8/أكتوبر/2011م، ألغى البرلمان الصومالي المؤقت آنذاك تلك الاتفاقية مشدّدا على عدم أحقية الهيئات والمؤسسات الدّستورية إعادة النظر في ترسيم الحدود البحرية والبرية بين البلدين.
• في عام 2012م، حدّدت كينيا ثمانية امتيازات بحرية -يقع سبعة منها في المنطقة البحرية المتنازع عليها والتي يقدّر مساحتها بـــــ 142000كم مربع تقريبا – طرحتها للترخيص، مما أدّى إلى أن تقوم شركات دولية التعاقد مع كينيا ومن ثمّ بدأت هذه الشركات عمليات البحث والتنقيب في هذه المنطقة، وهذا ما أثار حفيظة الصومال التي بدورها تقدّمت بطلب إلى تلك الشركات لإيقاف عمليّاتها التنقيبية، فاستجابت الشركات لطلب الصومال وأوقفت عملياتها التنقيبية عدا شركة “إي أن آي” الإيطالية التي لم تستجب لطلب الصومال، مما أثار حفيظة الصومال وأدّى إلى أن تتقدم بشكوى إلى الحكومة الإيطالية ضد هذه الشركة، لكن الحكومة الإيطالية لم ترد على طلب الصومال”.
• في 28/أغسطس/2014م، قدّم الصومال شكوى رسميّة ضدّ كينيا لحل النزاع البحري بين البلدين.
• في 13/يوليو/2015م، سلّم الصومال مذكّرة الشكوى ضدّ كينيا إلى المحكمة الدّولية حسب الموعد الّذي حدد من قبل المحكمة لتسليمها.
• في 8/أكتوبر/2015م، أعلن المدعي العام الكيني حق بلاده في عدم الإجابة عن هذه الشكوى.
• في 10/أكتوبر/2015م، أكّد النائب العام الصومالي وجود التماس كيني بأن يتراجع الصومال عن تدويل النزاع وحسمه -بدلا من ذلك- بين البلدين حسب الأعراف الدبلوماسية.
• في 26/مايو/2016م، أصدرت المحكمة بيانا صحفيا حددت فيه شهر سبتمبر موعدا لاستماع المرافعة بين البلدين حول النزاع البحري.
• في الفترة ما بين 19 ____ 23/سبتمبر/2016م، انعقدت جلسات المحكمة وقدّم الصومال خلالها وثائق تبيّن الحدود البحرية بين البلدين، ولم تنطق المحكمة بعد بحكمها النهائي تجاه القضية1.
• في 7/ فبراير/شباط/2019م، نظّمت الصومال وبالتعاون مع شركة سبيكتروم مؤتمرا حول نفط الصومال عقد في لندن.
• وفي 16/فبراير/شباط/2019م، قامت كينيا بطرد السفير الصومالي لديها واستدعاء سفيرها لدى مقديشو، احتجاجا على عرض الصومال – حسب السلطات الكينية- في مؤتمر لندن خريطة تشمل المناطق المتنازع عليها.
ومنذ ذلك الحين ما زالت كينيا تفتعل الأزمات الدّبلوماسية مع الصومال، وذلك لضغط الحكومة الصومالية على سحب شكواها من محكمة العدل الدولية، ويظهر ذلك جليا في ردود أفعال كينيا تجاه الخطوات الصومالية في سبيل إحراز تقدم في مجال النفط والبترول الصومالي كما يقول بعض المحللين والمتابعين. فعلى سبيل المثال، بعد مصادقة مجلس الوزراء الصومالي في مايو/ أيار الماضي على قانون البترول الصومالي، ألغت كينيا _بإصدارها لقرار تعليق الرحلات المباشرة بين مقديشو ونيروبي في 9/مايو – أيار/2019م_، ألغت كينيا من طرف واحد اتفاقية الطيران بين البلدين والتي وقعها الرئيسان الصومالي والكيني بكينيا في مارس 2017م، وكانت تنص هذه الاتفاقية السماح للطائرات التي تقلع من مقديشو بالهبوط مباشرة بمطار جومو كينياتا بنيروبي، دون المرور بمطار وجير. وفسّرت السلطات الكينية قرار تعليق الرحلات آنذاك بأنه إجراء أمني، تواكب تطوّراته حتّى أغسطس المقبل، في حين فسّرت الحكومة الصومالي بقرار سياسي بحت، إذ أن أمن مطار مقديشو ينافس أمن مطارات كبيرة في المنطقة، حسب تعبير وزير الطيران الصومالي محمد عبدالله صلاد أومار.
وعندما صادق البرلمان الصومالي على قانون البترول الصومالي في 20/مايو – أيار/2019م، أقدمت كينيا على خطوة جريئة إذ أنّها رفضت لنواب في البرلمان الصومالي ووزراء في الحكومة الفيدرالية يحملون جوازات سفر دبلوماسية صومالية تأشيرة الدخول إلى أراضيها للمشاركة في مؤتمر ينعقد هناك، مما جعل الوفد الحكومي الصومالي في موقف حرج، اضطر البعض منهم –كما تقول بعض الروايات- إلى استخدام جوازات سفر أخرى يملكونها لدخول كينيا.
كلّ هذا التصعيد الدّبلوماسي الذي تمارسه السلطات الكينية للضغط على الحكومة الصومالية، يقابله هدوء في الردّ الدبلوماسي الصومالي، وهو ما رحّب به بعض المحللين السياسيين، معتبرين ذلك انتصارا للدبلوماسية الصومالية، ولكن في الوقت ذاته يحذّر البعض من أن يؤدّي هذا السلوك الدّبلوماسي الهادئ للصومال إلى فقد حقوقه السيادية على بعض المناطق، الأمر الّذي يرفضه معظم شرائح المجتمع الصومالي، مما يعني أنّه لا بدّ من الردّ الحاسم في بعض القضايا الحساسة ذات العلاقة باستقلال البلاد وسيادتها.
مصير العلاقات الدبلوماسية بين البلدين
تتمسّك الصومال بموقفها إزاء نزاع الحدود البحرية بين البلدين، حيث أنها تنتظر الحكم النهائي الّذي تصدره محكمة العدل الدولية للبت في هذه القضية نهاية هذا العام أو بداية العام المقبل، بينما ترغب كينيا أن تحلّ المشكلة عبر القنوات الدّبلوماسية دون التحكيم الدّولي، وهذا الموقف الّذي تتبناه السلطات الكينية، جعل بعض المحللين يتنبؤون بخسران كينيا القضية في المحكمة الدّولية.
ومهما يكن من أمر فإنّ شعوب البلدين تربط بينهما علاقات ثقافية وأخرى اقتصادية ستتأثر بالمواقف الرسمية التي تتخذها السلطات في البلدين، وعليه فإنّ كثيرا من المتابعين يقترحون بعدم تصعيد الأزمة وانتظار حكم محكمة العدل الدولية التي تنظر في القضية، ويعتقدون أن بتّ المحكمة للقضية ليس معناه ذلك أنّ العلاقات بين البلدين انتهت بذلك التحكيم، وإنما هناك طرق وقنوات أخرى وفعّالة تساعد الطرفين على إبقاء علاقاتهما الدبلوماسية بشكل طبيعي، حسب تحليل بعض المتابعين، ومن بينهم تايموثي وولتر الباحث في النزاعات الحدودية البحرية في معهد الدّراسات الأمنية بجنوب أفريقيا حيث يقول وولتر “بأنّه من الممكن للبلدين المشاركة في المنطقة واستخراج موادها الخام، مثلما يتم التعاون بين نيجيريا وساوتومي في غرب أفريقيا، ولكنّه أشار إلى صعوبة تقديم تنازلات بين الطرفين (الصومال وكينيا) فيما يتعلّق بالقضية العالقة وهو ما يجعل فرص الوصول لحل دبلوماسي ضئيلة جدّا1.
الخاتمة
إن الأزمات الدبلوماسية تحدث غالبا بين الدول المتجاورة وغير المتجاورة، إلاّ أن معظم هذه الأزمات يمكن معالجتها بسرعة إذا توافرت الأجواء المناسبة لعلاجها والتي من بينها إبداء الطرفين استعداداتهما لتقديم تنازلات في بعض المواقف التي لا تضرّ باستقلال البلاد وسيادتها.
أمّا وفي حال غياب التنازلات فإنّ الأزمة تتفاقم وتزداد الأمور سوءا حيث يلجأ كل طرف إلى قوّته الناعمة بل والخشنة منها، وهو ما كان سيحدث في الأزمة الراهنة بين مقديشو ونيروبي لو أن مقديشو حاولت مقارعة كينيا بإيقاف القات المصدّر من كينيا إلى الصومال والّذي يدرّ أرباحا طائلة للكينيين مما سيساهم في تنمية اقتصاد كينيا. وتلك من الخطوات النهائية للوصول إلى حلّ تجاه القضية، ولم تصل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين حتّى الآن إلى ذلك المستوى –حسب المراقبين- مما يعني إمكانية الوصول إلى حلول وسط تساعد البلدين على استمرار علاقاتهما الدبلوماسية بطريقة طبيعية.
وختاما فإنّه من المؤكّد أنّ أيّ تصعيد في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سيؤدّي إلى ضرر كبير في العلاقات بين البلدين لما يترتب من التصعيدات الدبلوماسية من قوانين تشدّد على التنقل التجاري بين الطرفين، وهو ما سيؤدّي حتما إلى أضرار اقتصادية بالبلدين، وعليه فإنّه لا بدّ من الطرفين البحث عن سبل للحدّ من التصعيد في العلاقات الدّبلوماسية حتّى تعود الأمور إلى نصابها، وأن لا يحاول أيّ طرف انتهاك استقلالية الطرف الآخر وسيادته على أراضيه، وفي هذا المجال ينصح بعض المتابعين الطرفين بانتظار القرار الّذي ستصدره محكمة العدل الدولية بشأن النزاع البحري بينهما نهاية هذا العام أو بداية العام المقبل، وبعدها، يمكن للطرفين البحث عن طرق أخرى لحلّ الأزمة الدبلوماسية التي نتجت عن النزاعات البحرية بين البلدين.