الأزمة الدبلوماسية المستجدّة بين كينيا والصومال .. الأسباب والنتائج
الصومال الجديد
آخر تحديث: 16/12/2020
أعلنت الصومال في الـ 29/نوفمبر/2020م، على لسان محمد علي السكرتير الدائم لخارجيتها في كلمة متلفزة له، خفض علاقاتها الدبلوماسية مع كينيا التي اعتادت التدخل المباشر والسافر في الشأن الداخلي الصومالي وخاصة في الشؤون الداخلية لولاية جوبالاند جنوب الصومال حسب خطاب السكرتير.
استدعت الصومال آنذاك سفيرها لدى كينيا محمود أحمد ترسن، كما طالبت لوكاسو تامبو السفير الكيني لدى الصومال بمغادرة البلاد وإجراء مشاورات مع حكومته.
كان الرد الكيني يومها مقتضبا ينصب على أمل إنهائها لهذه الأزمة عبر القنوات الدبلوماسية، على الرغم من أنها لم تتلق إعلاما رسميا من الحكومة الصومالية يفيد بخفض العلاقات.
أعقب ذلك أن فرضت دائرة الهجرة والجنسية الصومالية في الـ 7/ديسمبر/2020م على حاملي جواز السفر الكيني الحصول على تأشيرات الدخول بالصومال من السفارات الصومالية حول العالم،بدلا من الحصول عليها بعد الوصول إلى المطارات الصومالية، كما فرضت على حاملي الجوازات الدبلوماسية الكينية الحصول على تصريح بإذن الدخول من الخارجية الصومالية!
في الـ 13/ديسمبر/2020م، وصل السيد موسى بيحي عبده رئيس إدارة صوماليلاند الانفصالية إلى نيروبي بطلب من الحكومة الكينية، مما أثار حفيظة الحكومة الصومالية، التي تقدّمت بدورها بمذكّرة احتجاج إلى الهيئة الحكومية للتنمية المعروفة اختصارا بـ “إيغاد” التي أعلنت من طرفها عن عقد اجتماع عاجل لمناقشة هذه القضية بجيبوتي في 20/ديسمبر/2020م.
غير أن استقبال الرئيس الكيني أوهورو كينياتا لرئيس صوماليلاند موسى بيحي وتوصلهما إلى بعض التفاهمات المعززة للعلاقات الثنائية بين الطرفين، أضرم نار القطيعة بين الصومال وكينيا ، حيث قرّرت الصومال في الـ 15/ديسمبر/2020م، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع كينيا، وطالبت جميع دبلوماسييها وموظفي سفارتها في كينيا بالعودة إلى البلاد خلال مهلة الأسبوع التي تبدأ في الـ 15/من شهر ديسمبر الجاري 2020م، والتي حدّدتها الصومال لدبلوماسي كينيا في الصومال من أجل التّرتيب لإجراءات خروجهم من الصومال.
علّلت الصومال اتّخاذها هذا القرار بأنها استنفدت كل الطرق السلمية والدبلوماسية لإنهاء خلافاتها مع كينيا، غير أن كينيا ما زالت تتمادى في غيها، وتمارس تدخلاتها المستمرة والسافرة في الشأن الداخلي الصومالي، وخاصة فيما يتعلّق بعلاقاتها مع جوبالاند وصوماليلاند.
وردّا على قرار الصومال القاضي بقطع العلاقات مع كينيا، قال سيروس أوغونا المتحدّث باسم الحكومة الكينية: “بما أننا دولة رفيعة، لا يمكننا القيام بمثل ما قامت به الصومال، إذ إن ذلك معناه الانتقام، ولأننا لا نريد الانتقام، فسنترك الأمر لمنظمة إيغاد وللسوق المشتركة بين دول شرق إفريقيا وجنوبها (كوميسا COMES)، ليقررا الطريقة المناسبة لإنهائه”.
ونشرت وسائل إعلام كينية وأخرى صومالية خبرا مفاده بأن الجيش الصومالي انتشر على طول الحدود بين الصومال وكينيا، واتخذ مواقع استراتيجية في القرب من المناطق الحدودية الكينية.
وحاولت وسائل الإعلام الكينية استثمار الأزمة في البعد الأمني والاجتماعي، حيث نقلت هذه الوسائل وجهات نظر المدنيين في المناطق الحدودية تجاه انتشار القوات الصومالية، فيقول إسحاق آدم أحد أصحاب المحلاّت التجارية في مانديرا: “نطلب من الحكومة في نيروبي ضمان تهدئة الوضع الراهن وحل المشاكل بين الطرفين على طاولة المفاوضات لاستمرار الأمن والاستقرار في المنطقة، إذ إن هذا الوضع الأمني المستجد سيؤثر على التبادل التجاري بين مانديرا والصومال، لأن أغلب البضائع التجارية تأتينا من مقديشو، وليس من نيروبي، نظرا لبعد الأخيرة جغرافيا عن المنطقة، وعلى هذا الأساس نعتمد بشكل كبير على المنتجات الصومالية”.
من جانبه أكد مسؤول أمني كيني سابق في المدينة – فضّل عدم ذكر اسمه- انتشار القوات الصومالية على طول الحدود بين البلدين قائلا: “لدينا معلومات حول ما يجري في الحدود بين البلدين، ولكن اتخاذ القرار المناسب حيال هذه التطورات شأن يخصّ المسؤولين في نيروبي”.
إن تدهور العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وكينيا من شأنه أن يؤثر سلبا على العلاقات الاجتماعية والشعبية بين البلدين وعلى المصالح المشتركة بين أبناء المنطقتين، وهو ما تشعر به الحكومة الفيدرالية، حيث أشارت في بيانها حول قطع العلاقات مع كينيا إلى أن “الشعب الكيني شعب يحب السلام والتعايش السلمي مع شعوب المنطقة، وتربطه علاقات وثيقة مبنية على التعاون وحسن الجوار مع الشعب الصومالي، لكن القيادة الكينية الحالية تسعى إلى التنفير بين الشعبين ذوي المصالح المشتركة”، وهذا دليل على مدى وقع هذا القرار وتأثيره السلبي على التواصل الاجتماعي بين أبناء المصالح المشتركة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك الكثير من أبناء الصومال يقيمون في كينيا لأسباب مختلفة من لجوء وعلاج ودراسة وممارسة تجارة، مما سيتأثر بصورة مباشرة وغير مباشرة على القرارات التصعيدية بين الطرفين، وبالتالي سيؤدي إلى دمار مصالح مشتركة بين الطرفين، من الإمكان الآن الحفاظ عليها ومراعاتها قبل فوات الأوان.
وهنا، يتعين على منظمة إيغاد لعب دور الوسيط ورأب الصدع بين الدولتين قبل تفاقمه واستفحاله مما سيشكل –حينها- عبئا ثقيلا آخر يضاف إلى الأعباء الأخرى التي تنوء بحملها المنظمة المعنية بتنمية منطقة تشهد توترات سياسية واضطرابات أمنيه في أكثر بلدانها مثل إثيوبيا، أوغندا، الصومال، والسودان.