الأجندة الإيرانية في الصومال
الصومال الجديد
آخر تحديث: 21/02/2023
القاهرة: صفاء عزب
لم تكن اتهامات الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لإيران بالتورط في بلاده والتي وردت في تصريحات صحفية حديثة، من فراغ وإنما كانت تأكيدا وإقرارا لواقع حقيقي كشفته وحذرت منه العديد من الدراسات المحلية والإقليمية والدولية والتحليلات العلمية المستندة إلى حالات ووقائع أثبتت محاولات النظام الإيراني غير المحمودة للتدخل في شؤون الصومال والعبث بأمنه في محاولة لتحقيق أهداف سياسية ومذهبية واقتصادية تخدم المصالح الإيرانية.
على مدار العقود الزمنية الطويلة، كانت إيران ولازالت تحاول اختراق القارة السمراء ووضع أيديها على ما تستطيع الوصول إليه من ثروات وكنوز، وكذلك البحث عن موطئ قدم لها في منطقة القرن الإفريقي، لما تتمتع به من أهمية جيوسياسية واستراتيجية بحكم موقعها وقربها من منافذ بحرية شديدة الحيوية بالنسبة للمصالح الإيرانية.
وقد كشفت تقارير عن عمل الجماعات الدينية الإيرانية ووكالات الاستخبارات على مدى عقود طويلة، لتأسيس بؤر لها والتأثير في القارة الإفريقية ويشمل ذلك توفير فرص للدراسات الدينية في جميع أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ومنطقة القرن الإفريقي، واستخدمت في ذلك حوافز مالية كوسيلة لتجنيد عملائها من خلال شبكة وكلاء منتشرة بالمنطقة، وهي تسعى من وراء ذلك إلى تقويض التواجد العربي والخليجي ومواجهة عدوها الأكبر المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية.
وإذا كانت منطقة القرن الإفريقي تحظى بهذه الأهمية بالنسبة لمختلف القوى العالمية ومنها إيران، فإن للصومال أهمية متضاعفة لما يتمتع به من موارد وثروات وكنوز مدفونة في أرضه، إضافة إلى حدوده مترامية الأطراف وسواحله الطويلة التي تشرف على منافذ مائية استراتيجية تمر منها نسبة كبيرة من التجارة العالمية، مما يجعلها ذات أهمية تجارية واقتصادية كبرى.
وكان الرئيس شيخ محمود قد كشف في تصريحات له خلال مؤتمر علماء الصومال الذي أقيم نهاية شهر يناير الماضي، عن وجود تحركات إيرانية لنشر التشيع خلال ولايته الأولى المنتهية عام 2017 والتي رصدتها أجهزته المخابراتية، كما أماط اللثام عن أجندة تخريبية لإيران تحت ستار الأعمال الإنسانية وجهود الإغاثة. والمثير في الأمر ما أكده الرئيس من تورط دبلوماسيين إيرانيين ومسؤولين بمنظمات إغاثية في هذا الموضوع وهو ما كان سببا في اتخاذه القرار آنذاك بمنع الوجود الإيراني في البلاد، عبر إغلاق السفارة الإيرانية، وحظر أنشطة «الهلال الأحمر» الإيراني، ومؤسسة الخميني الخيرية. ولا شك أن ذلك يؤكد أن النشاط الإيراني المريب في الصومال وتدخل الدولة الشيعية في منطقة الإفريقي والتلاعب بأمن دولها والعبث به هو أمر ليس حديثا وإنما يرجع لسنوات ماضية بما يعكس الأجندة الإيرانية المستمرة لتحقيق أهداف معينة تخدم مصالحها.
لقد لجأت إيران إلى وسائل إنسانية وخدمية كستار يساعدها على اختراق إفريقيا والتوغل فيها ونشر أفكارها بين شعوبها خاصة الشعب الصومالي مستغلة الظروف الصعبة التي يعيشوها والكوارث البيئية والأزمات الاقتصادية الطاحنة والمجاعات المتوالية، لفتح أبواب تتسلل منها فيما بينهم. واعتمدت في ذلك على منظماتها الخيرية وكذلك إتاحة الفرصة لاستقدام المبتعثين الصوماليين والأفارقة إلى جامعاتها بغرض نشر المذهب الشيعي وأيضا بهدف التجسس. وكان ظهور جماعة الشباب المتشددة بمثابة فرصة ذهبية بالنسبة لإيران لتحقيق مزيد من التوغل والاختراق الأمني للبلاد بكافة السبل لتعظيم مكاسبها ومصالحها الخاصة وتحقيق أهدافها المغرضة. وفي عام 2018 كشف تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة، عن ضلوع إيران في تمويل وتسليح حركة “الشباب” ومخالفة العقوبات المفروضة على الحركة، وهو ما تأكد مجددا بواسطة تقارير حديثة كشفت عن قيام إيران بتهريب أسلحة لجماعات مسلحة في الصومال عبر خليج عدن. وكانت دراسة عن المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، لعام (2021)، قد أكدت تهريب أسلحة إيرانية بشكل ممنهج عبر خليج عدن إلى الصومال. واستندت تلك الدراسة إلى تشابه بيانات قطع السلاح التي تم العثور عليها في أنحاء مختلفة من الصومال، بالإضافة إلى ما تم العثور عليه داخل مخازن 13 قاربا تم اعتراضها بواسطة سفن عسكرية. كما أكد عسكريون صوماليون إدارة إيران لعمليات سرية، لتقويض جهود الولايات المتحدة الأمريكية في الصومال، وذلك من خلال تقديم أسلحة متطورة وأجهزة تفجير عن بعد، ومواد كيميائية تستخدم في صنع القنابل. كما أفادت وزارة الدفاع الصومالية، باحتمالات استخدام الأموال والأسلحة والذخيرة الإيرانية في هجمات 2019 و2020، التي شنتها «حركة الشباب» على القواعد العسكرية الأمركية في الصومال وشمال كينيا، بالإضافة إلى القافلة العسكرية للاتحاد الأوروبي في مقديشو.
وهناك وقائع معلنة عن قيام إيران بسرقة موارد وخيرات الصومال بشكل يتنافى مع قواعد القانون الدولي واحترام سيادة الدول على مواردها التي تقع في أرضها منها ما كشفه تقرير دولي عن سرقة إيران لثروة سمكية قبالة السواحل الصومالية حيث قامت192 سفينة إيرانية بعمليات صيد غير قانونية واسعة النطاق، دون الحصول على تراخيص من الجهات الرسمية في الصومال. ولم تقتصر إيران على سرقة الثروة السمكية الصومالية إنما تجاوز الأمر لأكثر من ذلك حيث ساعدت جماعة الشباب الإرهابية على بيع الفحم الصومالي بدون وجه حق وبشكل غير قانوني وتهريبه عبر أراضيها. وفي هذا السياق كشف تقرير أممي صدر في أكتوبر 2018 بشأن انتهاك طهران للعقوبات الأممية المفروضة على حركة الشباب منذ عام 2012 بحظر تجارة الفحم لتجفيف منابع تمويلها، بمساعدة الحركة على استغلال الأراضي الإيرانية كنقطة تجمع لوجستية لشحنات من الفحم الصومالي بهدف تصديره لعدد من الدول باستخدام علامة تجارية إيرانية، وهو ما أسهم في حرمان الشعب الصومالي من حوالي 150 مليون دولار سنويا، هي القيمة الإجمالية التقريبية لتجارة الفحم غير المشروعة في الصومال. وهناك ما أهو أخطر من سرقة الفحم ألا وهو سرقة اليورانيوم الصومالي بحسب تصريحات معلنة لمسؤولين صوماليين. ففي عام 2017 نقلت قناة “فوكس نيوز” تصريحات عن السفير الصومالي في واشنطن، أحمد عوض، كشف فيها عن قيام جماعة تابعة لتنظيم القاعدة – يقصد الشباب- بإرسال اليورانيوم إلى إيران، بعد أن استولت على إحدى الشركات العاملة في مناجم اليورانيوم بإفريقيا. وفي عام 2020 حذرت السلطات الصومالية من الخطر الإيراني داخليا وخارجيا لاستغلال ثروات البلاد أو لتوظيف الجماعات المسلحة لخدمة أهداف أجنداتها السرية بالمنطقة، ما يعني استمرار النهج الإيراني الخطير وعدم توقفه.
لذلك شهدت العلاقات الصومالية الإيرانية توترات عديدة انتهت بقطع العلاقات الديبلوماسية عام 2016 بعد موافقة مجلس الوزراء الصومالي وذلك على خلفية الهجوم على السفارة السعودية في طهران، تضامناً مع المملكة العربية السعودية. وأمهلت الحكومة الصومالية السفير الإيراني في الصومال 72 ساعة لمغادرة البلاد، كما أمهلت مؤسسة الخميني الخيرية مدة أسبوع لمغادرة البلاد أيضاً. ويعود النشاط الإيراني المعلن والرسمي في الصومال إلى عام 2011 حيث ضربت المجاعة الجنوب الصومالي، فتم استغلال الأمر وقام وزير الخارجية الإيراني السابق علي أكبر صالحي بزيارة للصومال في أغسطس من ذلك العام، وأعلن فيها عن تقديم مساعدات قيمتها ٢٥ مليون دولار شملت إنشاء مخيم يتسع لألفي شخص، وتجهيز مستشفى متكامل، وتقديم مساعدات طبية وتعليمية للمتضررين. وتحت ستار الأعمال الخيرية سنحت الفرصة لنشاط كبير لهيئات إيرانية خطيرة منها لجنة الإمام الخميني للإغاثة، والهلال الأحمر الإيراني، والملحقية التعليمية للسفارة الإيرانية في مقديشو، والمخيم الطبي الإيراني. وفي مقابل ذلك ظهرت تحذيرات من الحكماء الصوماليين من النشاط الإيراني مع زيادة الريبة والشك لا سيما مع انتشار حفلات الزواج الجماعي غير المألوفة في المجتمع الصومالي والتي كانت تتم برعاية إيرانية كاملة وبشكل يثير القلق من الدوافع الحقيقية الكامنة وراءها.
واقع الأمر أن النهج الإيراني وما ينطوي عليه من أجندة مريبة، أدى إلى توحد المواقف العربية والإفريقية في مواجهة هذا الواقع الذي يعد تهديدا خطيرا للمنطقة وشعوبها وعقائدها وأمنها. وعلى الصعيد العربي فإن هناك توافقا عربيا على رفض التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للبلدان العربية في الشرق الإفريقي وعلى رأسها الصومال، وشرع البرلمان العربي منذ 2019 في تدشين استراتيجية عربية موحدة للتعامل مع إيران. أما على الصعيد الإفريقي فهناك رفض عام للتحركات الإيرانية من معظم دول القرن الإفريقي لكونها تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي. وعلى المستوى الدولي فإن الأهمية الاستراتيجية للقرن الإفريقي تجعل دول العالم المختلفة قلقة من أي تهديد إيراني لأمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب الذي تمر منه 12% من إجمالي التجارة الدولية.
ويحسب للقيادة السياسية الصومالية إدراكها ووعيها العميق بالخطر الإيراني والتنديد به والعمل على مواجهته بشتى السبل وعلى مختلف الأصعدة. وكان الرئيس شيخ محمود محقا حينما قال أمام مؤتمر علماء الصومال مؤخرا أنه “استأصل الورم” وهو يتحدث عن طرد الصومال لإيران خلال ولايته الأولى في حكم الصومال (٢٠١٢-٢٠١٧). وكشف الرئيس الصومالي للعلماء عن التحركات الإيرانية المريبة وكيفية قيامها بأنشطة رائعة تخفي وراءها أجندة تخريبية وأفكارا هدامة. وكذلك الموقف الحاسم للجهات المسؤولة بالصومال بعد اكتشاف النشاط الإيراني المنحرف والتأكد من تورط دبلوماسيين إيرانيين ومسؤولين بمنظمات إغاثية تابعة لها في القضية بموجب أدلة دامغة. فلم تكتف الإدارة الصومالية بطرد المسؤولين المتورطين، بل قررت منع الوجود الإيراني تماما بهدف استئصال الورم على حد وصف الرئيس الصومالي، وهو وصف يعكس التوجه الصومالي الحكيم وسياسته الخارجية القائمة على ثوابت الحفاظ على البلاد من الافكار الهدامة والأجندات التخريبية وعدم الانخداع في المظاهر الإنسانية التي يستخدمها النظام الإيراني كستار لإخفاء الوجه القبيح.