اقتصاد إثيوبيا الواعد والإنطلاق نحو القمة على جناح الإستثمارات الأجنبية
صفاء عزب
آخر تحديث: 16/12/2018
ارتبطت القارة الإفريقية في الأذهان بالفقر والمرض والمشاكل البيئية والاجتماعية، نتيجة كثرة الصراعات والحروب الدموية التي تسببت في هذه المشاكل عبر سنوات طويلة. وللأسف الشديد لا زالت هذه الصورة السلبية مسيطرة على انطباعات الكثيرين عن القارة السمراء، على الرغم من نجاح العديد من دولها في تحقيق تقدم كبير وتنمية اقتصادية كانت محل إشادة دولية.
من هذه الدول التي نجحت في تحسين أوضاعها والتغلب على مشاكل القارة المزمنة، كانت إثيوبيا.
لقد حققت إثيوبيا طفرة اقتصادية كبرى تجاوزت بها العديد من اقتصادات جيرانها وسبقتهم إلى مستويات متقدمة في مستويات المعيشة مقارنة بهم .ووفقا لمؤشرات البنك الدولي تحسن دخل الفرد في إثيوبيا بعدما ارتفع من 171 دولارا عام 2005 إلى 590 دولارا عام 2015 .
وتخطط إثيوبيا ليكون أبناؤها عام 2025 من أصحاب الدخل المتوسط، بعد أن كان شعبها من أفقر شعوب العالم. ويرجع الفضل في هذا التقدم لما حققته من نمو اعتمادا على مقوماتها الاستثمارية التي تمتلكها، وقدرتها على الحفاظ على معدل نموها الاقتصادي المرتفع لمدة عشر سنوات متواصلة ما بين عامي 2004- 2014. وبموجب ذلك أصبح الاقتصاد الإثيوبي من أكثر اقتصاديات العالم نموا وتطورا. لقد ارتفع إجمالي الناتج القومي في إثيوبيا بشكل ملحوظ ليبلغ 61.5 مليار دولار عام 2015 بعد أن كان 7.3 مليار عام 1981.
ولا شك أن هذه الإنجازات تعكس واقعا اقتصاديا إيجابيا ومناخا مشجعا على التنمية والاستثمار، ما يؤكد على امتلاك إثيوبيا لمقومات النجاح التي تمكن المستثمر من تحقيق مشروعه، في ظل نظام اقتصاد السوق الحر ونظام نقدي مستقر، ومناخ سياسي مطمئن إلى حد كبير، سيما في ظل السياسة الهادئة التي ينتهجها رئيس الوزراء آبي أحمد.
وتعتبر إثيوبيا من أهم البيئات الاستثمارية في القارة الإفريقية وهو ما ثبت عمليا من خلال عدد المستثمرين وحجم الاستثمارات الأجنبية الضخمة في البلاد.
وتعد الصين وتركيا وأمريكا والسعودية والمغرب والاتحاد الأوروبي من أكبر المستثمرين في إثيوبيا برؤوس أموال ضخمة. لقد استثمرت المملكة المغربية ما قيمته مليار دولار في استثمارات متنوعة بإثيوبيا منها مجال صناعة الأسمدة. وكانت المغرب قد أبرمت اتفاقية مع إثيوبيا في نوفمبر 2016 لبناء مصنع لإنتاج الأسمدة بقيمة 3.7 مليار دولار باعتبارها أكبر مصدر للفوسفات في العالم، وبموجب الاتفاقية تستفيد ببناء مصنع ضخم في شرق إثيوبيا. ومن المخطط أن يصل إنتاج هذا المصنع إلى نحو 2.5 مليون طن من الأسمدة عام 2022 ويرتفع عام 2025 إلى 3.8 مليون طن.
وللجارة الإفريقية السودان نصيب من الاستثمارات بلغت 2.4 مليار دولار في 2014، تزايدت مؤخرا مع وجود أكثر من 800 شركة سودانية تستثمر في إثيوبيا في مختلف المجالات.
وتأتي المملكة العربية السعودية في المرتبة الثالثة بين المستثمرين الأجانب في إثيوبيا بحجم استثمارات يبلغ 5.2 مليار دولار، وتعد المملكة أكبر مستوردي البن الإثيوبي في العالم حيث يمتلك المستثمرون السعوديون مزارع كبيرة للبن هناك.
ويبلغ حجم استثمارات الإمارات العربية المتحدة في إثيوبيا 3 مليار دولار، تتركز في الصناعات الدوائية.
أما قطر فقد نجحت في إبرام 11 اتفاقية اقتصادية مع إثيوبيا تضخ من خلالها استثمارات بحجم 8.5 مليار دولار للسوق الإثيوبي.
وحرصت الكويت أيضا على الاستثمار في إثيوبيا وتركزت مشروعاتها في مجال خدمات الطرق والمياه ضمن مشروعات صندوق الكويت للتنمية بقيمة بلغت ملياري و355 مليون دولار.
لم يقتصر إقبال المستثمرين على الاستثمار في إثيوبيا على المنطقة العربية، بل كان الإقبال الأكبر من الدول الأجنبية وعلى رأسها الصين التي تعد أكبر المستثمرين الأجانب في إثيوبيا. وتتميزالاستثمارات الصينية بالضخامة خاصة في مجال صناعة الجلود لاستغلال الثروة الحيوانية الإثيوبية. وبلغ حجم استثمار شركة واحدة فقط من الشركات الصينية في مجال صناعة الجلود ملياري دولار. يضاف إلى ذلك استثمارات صينية بالمليارات في مجال الزراعة، والبناء والتشييد ومشروعات البنية التحتية.
وتنافس تركيا بقوة على الإستثمار في إثيوبيا التي تستأثر بنصف استثماراتها في القارة الإفريقية بقيمة 3 مليار دولار. فمع حرص تركيا على إيجاد موطئ قدم لها في قارة إفريقيا من خلال تواجدها في إثيوبيا، وصل عدد الشركات التركية هناك 350 شركة، يعمل بها ما يقرب من نصف مليون إثيوبي.
يضاف إلى هذه الدول استثمارات من هولندا، وفرنسا، واليابان، وأستراليا في مختلف المجالات خاصة الزراعة، والنسيج.
ويتزامن ذلك مع حرص أطراف أخرى مثل إسرائيل، وأمريكا على استغلال الفرص لتحقيق مكاسب اقتصادية بالاستثمار في إثيوبيا إلى جانب المكسب الاستراتيجي بالتواجد في تلك المنطقة الحيوية من القارة الإفريقية.
لا شك أن هذا التواجد الاستثماري العربي والعالمي في دولة إثيوبيا، يعكس واقعا إيجابيا عن بيئة جاذبة للاستثمار ومحفزة على تحقيق نجاحات اقتصادية أكدتها تجارب عملية لمشروعات استثمارية عملاقة ومتوسطة وصغيرة شهدتها أراضي منابع النيل، وتفتح الآفاق لمزيد من التطلعات والإنجازات الإقتصادية التي يمكن تحقيقها في ظل اقتصاد واعد قابل للتطور والنمو خاصة مع وجود حوافز للإستثمار.
وتتميز البيئة الإثيوبية بمجموعة من المحفزات والحوافز التي تجذب المستثمرين وتشجعهم لضخ أموالهم داخل إثيوبيا. تأتي القوانين الإستثمارية على رأس هذه المحفزات والتي تتسم بمرونة في تيسير الإجراءات أمام من يرغب في الإستثمار بإثيوبيا. كما ساعد مناخ الإستقرار النسبي في إثيوبيا والسياسة الهادئة التي تنتهجها الدولة خاصة مع قدوم أبي أحمد، على زيادة الثقة في مصداقية الدولة سيما مع حرص رئيس وزرائها الحالي على فتح صفحة جديدة من العلاقات الدبلوماسية الخالية من الصراعات والهادفة إلى التركيز في تحقيق التنمية ورفع مستويات المعيشة للإثيوبيين.
كما يلعب التنوع البيئي والمناخ وطبيعة الأرض الواسعة والخصبة وكذلك الثراء بالمعادن المهمة، والغابات والمراعي الطبيعية، دورا رئيسيا في تنوع الاستثمار ومن ثم جذب المستثمرين في مختلف المجالات نظرا لتنوع مجالات العمل والإنتاج المتمثلة في الزراعة وتربية الحيوانات والصناعات المختلفة ومجال التشييد والبناء مع بدء النهضة العمرانية الجديدة وتبني مشروعات قومية ضخمة وعلى رأسها سد النهضة.
وعلى ذلك يمكن القول بأن إثيوبيا تتمتع باقتصاد واعد وجاذب لمزيد من الاستثمارات المستقبلية التي تضع الدولة الإفريقية، التي كانت تعد من أفقر شعوب العالم، في مصاف الدول المتقدمة والغنية.