افتراق الامّة عامل من عوامل الفتنة
بشير نور علي
آخر تحديث: 21/05/2016
بقلم بشير نور علي
هناك مقدّمات وعوامل للفتنة تساهم في انتشارها، وتفاقم أمرها، وإذا لم تُوضَع تلك العوامل والأسباب في عين الاعتبار لايمكن تفاديها والتّجنّب عنها إلا بشقّ الأنفس، وقد تُمثّل هذه العوامل سببا مباشرا للفتنة أو مساعدا لها؛ ولذلك لا بد من معالجة تلك الاسباب أوّلاً للوقاية من الوقوع فيها، وهذه العوامل في المطالب الآتية:
افتراق الامّة
كيف يعقل أن نتفرّق، ونتجزّأ وغيرنا يتّحدُ. يتّحدُ البوذيّ مع النّصرانيّ، والنّصرانيّ مع اليهوديّ وعابد الشّمس مع عابد البقر.
أتساءلتَ ما الّذي جمعهم على هدف واحد؟ ألا وهوالقضاء على الإسلام والمسلمين، بينما التّحاور بيننا أصبح شبه مستحيل رغم أنّ الّذي يجمعنا يرفض كل الرّفض ما عدا الاجتماع وهو القرآن الكريم.
﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم …﴾ [ آل عمران 103 ].
وهذه الآية نتلوها وستُتلى إلا أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهي دليل صريح على أنّ الاجتماع مطلوب طلبا جازما، وأن التّفرق مذموم ومرفوض رفضا قاطعا.
ورغم ذلك كله اُمتحِنت الأمّة بطوائف يقودها الهوى، لا تخضع لا لمنطق ولا لعقل ولا لحجة ولا لبرهان، وكأنها لّم تعرف أنّ الدّعوة إلى الله لا إلى فرعيات الفرق والمذاهب، ولا إلى فرعيات الجماعات، وأن القصد منها هو القرب من الله، بالفعل عندنا أفضل دواء وأسوء أطباء، والتّحزّب من أنواع الدعوى الجاهليّة، كما يحدثنا جَابِرٌ عن حادثة حدثت في إحدى غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رَجُلاً لَعَّاباً كَسَعَ أَنْصَارِيًّا فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ يَا لَلأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَخَرَجَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ «مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ قَالَ مَا شَأْنُهُمْ فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ». “رواه البخاري في الصحيح”
هذا رسولنا وقدوتنا، وهادينا إلى الصّراط المستقيم يقول: « عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَم الجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ ». حديث صحيح.
وعن عبد الله بن مسعود أنه قال : يا أيها الناس عليكم بالطّاعة والجماعة فإنهما حبل الله الّذي امر به وإنّ ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبّون في الفرقة.
وبدون الجماعة لا يمكن الدّفاع عن حمى الإسلام، وقد اُستُحلت حمى الاسلام واستبيحت، بعد أن تأكد العدو أنّنا شاغلون عنه بأنفسنا، وأنّ شوكتَنا ضعُفت، وأنّ رابط الأُخُوة بيننا قَطع، وأنّ سياسته ( فرق تسد) الّتي ينتهجها العدو أصبحت سارية المفعول، بعد ذلك كلّه بدأ يفكر أن لا تقوم للأّمة قائمة، ولا يجتمعوا على قضية واحدة!!.
فعلا، أنا أتساءل وأغلب ظني هو أنك أيضا تتساءل: لماذا لا تنتهي الفرقة والتّحزب بين الجماعات الاسلامية وربّهم واحد ونبيّهم واحد وقبلتهم واحدة.؟ متى نستبدل الجماعات بجماعة واحدة، وبالأحزاب بحزب واحد، حزب الله الّذي قال الله في شأنه: ﴿… ألا إن حزب الله هم المفلحون﴾ [المجادلة:22].
الأمر الّذي لا يعرفه إلا الخواص هو أنّ اختلاف الامّة وارد، وقد حدث حتي بين الأصحاب أنفسهم ولكنه في الفروع لا في الأصول، نادر وليس متفشيا، ومن الاختلافات الاجتهادية الّتي وقعت في زمن الصّحابة تلك الّتي حدثت في غزوة بني قريطة.
عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَنَا، لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ: «لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا وقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذلِكَ فَذُكِرَ لِلنَبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ». أخرجه البخاري.
لا يستفاد من التّفرق والتّنازع إلا الضّعف، والتّباغض وهذا مصداق قوله تعالى:
﴿وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين﴾ ألآية 46 : سورة الأنفال.
هكذا يقول الله جلّ جلاله إن طاعة الله ورسوله هي الّتي تجمعنا، وهي همزة الوصل الّتي تربط بيننا، وأنّ التّنازع ينتج عنه الفشل وعدم القدرة على مواجهة التّحديات، والصّبر على مجريات الأحداث، والصّبر ثلاثة أنواع.
أوّلا: الصّبر على طاعة الله، ورسوله.
ثانيا: الصّبر عن المعصية صغيرها وكبيرها.
ثالثا:الصّبر على الشّدائد والمصائب الّتي قد يمرّ بها الإنسان.
والصّبر بأنواعه الثّلاثة مطلوب في كل وقت وآن ولكنه في زمن الفتة أوكد. الصّبر في الفتنة سفينة النّجاة، وسلّم الأمان، به يوصل المؤمن إلى ساحة السّلام، وبه يُنجَا من الملامة والنّدامة في النّهاية.
الفُرقة اختيار التّباغض، والتّدابر على التّراحم والتّودد. الفُرقة مبنيّة على الأنانيّة، وتزكية النّفس، وايثار الجميل لها وسلبه عن اللآخر.
عموما لسنا مبالغين إذا قلنا: إنّ الافتراق هو الفيروس الّذي تعاني منه الأمّة، والعائق الأوّل الّذي أصبح سدّا منيعا، أمام التّعاون، والتّشاور، والتّكاتف. كيف تتقدم أمّة قد تّفرّقت أيدي سبأ ، وتحوّلت إلى لفيف من الأقوام المتباغضة ، المتناحرة المتدابرة ، فجنت الأمّة الهوان ، وتجرّعت كأس الضّعف والتّمزق والخسران ( حتى الثّمالة ) ، بما قدمت يداها ، وأصبحت مثلاً في التّخلف والانحطاط، بعد أن كانت نبراساً يُستضاء به عبر غابر الأزمان)).
ونرى أنَّ الإسلام دين جماعيّ، وأن شريعَته تعمل على جمع الشّمل وتوحيد الصّف واجتماع الكلمة، وتضييق هوة الخلافات لتبقى في أضيق النّقاط.
وفي الحديث الشريف يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ الْمُسْلِمِينَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَنْعَقِدُ بَذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ، وَأَدْنَاهُمْ عَلَى أَقْصَاهُمْ، وَالْمُتَسَرِّي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ يَقُولُ: فِي الْغَنَائِمِ».
وفي حديثٍ آخر عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قَالَ : قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : « مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى » مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَىْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِى الصَّحِيحِ .