استرداد الديمقراطية
محمد رشيد
آخر تحديث: 17/05/2022
محمد رشيد
بعد مخاض عسير ولدت شعلة الأمل من رحم يأس الليل البهيم فتلألأت جباه شيوخ الحي وزغردت الغواني وصفقت الأيدي احتفالا بقدوم نور الأمل المفقود الذي استيأس أفراد الشعب من بروز شعاعه في الأفق حينا آخر بعد رصد طويل.
إنـها طفلة وليدة تسمى الديمقراطية كانت تحاول المشي والوقوف على قدميها؛ عندما سلمت على حين غفلة من الناس إلى من لم يكن أهلا لتربيتها وتنشئتها تنشئة إيجابية صحيحة. وكان هناك اتفاق بين أهل الحي ينص على تناوب الحي في حضانتها وتربيتها كل أربع سنوات، ولكن عن طريق القرعة.
والأمر المؤسف أن الطفلة البريئة والبهية التي لا تزال في نعومة أظفارها حسدها حاضنها الأخير في نوبته، لما ضاق ذرعا من تردد الناس إليها في زيارات، فجاشت الغيرة في صدره، فتساءل لماذا يقصدونـها ولا يقصدونني بالذات.
وأصبح منزعجا من الدلال الذي يهديه الناس للطفلة الأصيلة التي أسرت قلوب الناس قاطبة وتعرّف في هذه الحالة على كبير العرافين في أفريقيا الذي أهدى له ذئبا صغيرا، ليتخذه ولدا بالتبني، واسمه الدكتاتورية، والذئب كما يعرف لا يكون حيوانا أليفا ولا تتغير طبائعه، وأوصاه بالاعتناء به أيما اعتناء؛ إذا أراد الحياة وطول العمر، وإهمال الطفلة الحسيبة فتموت جوعا، أو وأدها على قيد الحياة، على حين غفلة من أهلها كما استلمها أولا.
لم يظل قتلها ووأدها أمرا سهلا؛ لأن الناس كلهم يحبونـها ويراقبونـها عن كثب، فانقضت مدة حضانته، فوسوس له الشيطان أن لا يرد الوديعة ويجوّعها حتى تـموت؛ فاحتشد الناس لإنقاذها واستردادها سواء كان ذلك بالحيلة أو بالقوة، وقد لاقى بعضهم في سبيل إنقاذها أقسى الاعتداء لمجرد نواياهم الحسنة.
وفي نـهاية المطاف بعد أكثر من سنة من الإهمال وضياع الطفلة والتجويع تمكّن الناس من إنقاذها واستردادها بالحيلة، واتفقوا على ردها إلى البيت الذي تربت فيه أحسن تربية من قبل لإحياءها وتنشئتها أربع سنوات جديدة، وعلاجها من الـهزال والضعف الذي يعتري جسدها والـهشاشة التي تنخر عظامها.
وهذه الطفلة يمكن أن تعيش في قلب تغشاه الرحمة والرأفة، ويقشعر من مآسي ومعاناة البسطاء من الشعب، ويملؤه الإيمان بشيمة التسامح وتقبل الرأي المخالف، ويحترم سيادة القانون، ويقدم المصالح الوطنية العامة على المصالح الشخصية الضيقة، قلب يستشعر المسؤولية، ويشاطر الشعب في الأفراح في أوقات الرخاء والسراء، والحزن والأسى في أيام المحن والضراء.
فيما لا ينمو الذئب الصغير المهدى له إلا في قلب غطاه الرين والحسد، وملأه العجب والكبرياء والخيلاء، وحب الثناء بدون فعل جميل، وبغض الحق والحقيقة، قلب يميل للانتقام، والقضاء على المخالف ورأيه، ويهوى التطبيل والتضليل والتعطيل والتجهيل.