اجتماع جيبوتي التشاوري… بصيص أمل أم بداية تفكيك للصومال؟
الصومال الجديد
آخر تحديث: 16/06/2020
استضافت دولة جيبوتي الشقيقة يوم الأحد الماضي 14/يونيو/ 2020م لقاءً جمع بين كل من السيد محمد عبدالله فرماجو رئيس الصومال، والسيد موسى بيحي عبده رئيس إدارة صوماليلاند الانفصالية، وبحضور رئيس وزراء إثيوبيا الدّكتور آبي أحمد، وكان السيد إسماعيل عمر غيللي رئيس دولة جيبوتي الشقيقة يتولى رئاسة الاجتماع.
وفي نهاية الاجتماع تم إصدار بيان ختامي جاء فيه بأن الطرفين اتفقا على:
–تشكيل لجنة فنية متكوّنة من الجانبين لمواصلة المحادثات والمفاوضات بين الطرفين.
–عدم تسييس المساعدات التنموية والاستثمارية.
–إبقاء مصالح الشعب الصومالي – سواء كان في صوماليلاند أو في الصومال الأم- محور عملية التفاوض بين الطرفين.
–اختيار دولة جيبوتي مقرّا للمفاوضات القادمة بين الطرفين.
–ودعوة جميع المؤسسات الإقليمية والدّولية إلى تقديم الدعم اللازم لإنجاح عملية المفاوضات بين الطرفين.
وتأتي هذه القمة التشاورية التي جمعت بين قادة الصومال وإدارة صوماليلاند الانفصالية بعد سنوات من تعثّر المفاوضات بينهما وتوقّفها لعدّة أسباب، من بينها أسباب سياسية، حالت دون مواصلة الحوار مما دعا إلى توقفها وتعثّرها في 2016م.
وعلى الرّغم من أنّ أيّ أحد من قادة الطرفين، لا يملك القرار النهائي لحل الأزمة القائمة بينهما والمتمثلة في انفصال صوماليلاند وقيامها ككيان مستقل عن الصومال وقائم بذاته حسب مطالب إدارتها، أو إبقائها جزءا لا يتجزّأ عن الصومال حسب مطالب الصومال، إلاّ أن لقاء القادة في جيبوتي وتشاورهم بحدّ ذاته يمثل خطوة إيجابية تمهّد لاستئناف محادثات تقود إلى نتائج إيجابية تساعد الطرفين على الوصول إلى حلّ شامل يرضي الجانبين.
هذا، ويقلل البعض من أهمية ذلك اللقاء “التاريخي” الّذي جمع في جيبوتي قادة الطرفين، وذلك لتمسكهما بمواقفهما تجاه الأزمة، حيث أن لا أحد من الطرفين يستطيع تقديم تنازلات في القضية، إذ إنه يصعب على إدارة صوماليلاند القبول بسهولة للعودة إلى الصومال الأم والاتحاد معها من جديد، متناسية بذلك جميع الجهود التي بذلتها طوال العقود الثلاثة الماضية في سبيل تحقيق اعتراف كامل لانفصالها واستقلالها عن الصومال، في حين أن الصومال يصعب عليه السماح لصوماليلاند بالاستقلال واعترافها كدولة مستقلة، وبالتالي ستكون هناك عملية لف ودوران لا تغيّر عن الوضع الحالي شيئا!
ويرى البعض، أنّه من الأجدر القيام بالخطوات الآتية لتحقيق إنجاز في المفاوضات بين الطرفين، ومن هذه الخطوات:
–السعي إلى تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وتجاوز الحديث عن الجرائم التي ارتكبتها أنظمة سابقة في حقّ الأقاليم الانفصالية.
–إشراك شيوخ القبائل وزعماء العشائر من كلا الطرفين في المفاوضات والمحادثات بغرض تفعيل الجانب الاجتماعي للقضية.
–إجراء استفتاء شعبي عام ونزيه وبرقابة دولية وأممية، يقرّر فيه الشعب مصيره، على غرار ما جرى في عملية السلام بين السودان وجنوب السودان والتي انتهت بانفصال جنوب السودان عن السودان الأم في 2011م.
بين هذا وذاك هناك من يرى أن اجتماع أمس بجيبوتي بداية لتفكيك الصومال والدّعوة إلى تقسيمه وتجزئته من جديد، ليضع بذلك حدّا لمطالب بعض الصوماليين الّذين كانوا ينادون بالصومال الكبير الّذي يمتد ليشمل مناطق شاسعة تحت سيطرة أنظمة الحكم في كلّ من إثيوبيا وكينيا!
ويعتمد أصحاب هذا الرأي لتعزيز مذهبهم على عدّة مستندات متعلّقة بحيثيات لقاء القادة في جيبوتي ومن بينها: أنهم رأوا في بعض بنود البيان الختامي انتصارا لقضية صوماليلاند الانفصالية حيث إن البند القائل بعدم تسييس المساعدات التنموية والاستثمارية دليل صارخ على أنه يحق لصوماليلاند إبرام الاتفاقيات التنموية والاستثمارية مع الدول والهيئات المحلّية والإقليمية والدّولية بصفة مستقلة، وفي هذا اعتراف ضمني بسيادتها على أراضي إدارتها. بالإضافة إلى بعض العبارات الواردة في النسخة الأولى من البيان الختامي للاجتماع مثل عبارة: “استئناف مفاوضات العلاقات بين البلدين” رغم أنه تم تعديلها بعد اعتراض الحكومة الفيدرالية عليها، غير أن مواقع إعلامية إثيوبية مثل موقع https://www.fanabc.com/english/pm-dr-abiy-ahmed-returns-home-concluding-visit-to-djibouti/ استخدم عبارة: “عملية المصالحة بين البلدين الواقعين في شرق إفريقيا” في معرض حديثه عن عودة رئيس الوزراء الإثيوبي إلى بلاده بعد مشاركته في القمة التشاوية التي جمعت بمدينة جيبوتي كلاّ من قادة صوماليلاند والصومال، مما يبدو لكثير من المتابعين بأن مثل هذا لا يحدث عن طريق الخطأ مرّتين أو ثلاثا وإنما هناك نية مبيتة تهدف إلى ردّة فعل الشارع الصومالي تجاه هذه العبارات لقياس مدى نفوره أو ترحيبه بتسوية الخلافات بين الطرفين بالانفصال والتّقسيم!
إنّ قرار الوحدة بين الإقليمين بيد أبناء الشمال، في حين أن قرار الانفصال بيد أبناء الجنوب، وعليه فإنه يجب على الطرفين تغليب المصلحة العامة لسكان المنطقتين، مع الأخذ بعين الاعتبار، على أن تحقيق مطالب طرف ما لا يعني إنهاء جميع المشاكل بين الطرفين، بل ستكون هناك قضايا عالقة سيطول حلّها وتسويتها ما لم يتم التفاوض حولها بشكل جدّي وعميق، لذا فإنه يتحتم على الطرفين تقديم تنازلات كبيرة، وأن يسعى كلّ طرف إلى إرضاء الطرف الآخر، إبقاءً لوشائج القربى بين سكان الجانبين، وتعزيزا لعرى الأخوة والمودّة بين أهالي الجنوب والشمال، وتحقيقا لتسوية شاملة في القضايا محلّ الخلاف بين الجانبين.