اتفاق المصالحة بين كينيا والصومال والمصير المجهول للمناطق المتنازع عليها!
صفاء عزب
آخر تحديث: 25/11/2019
القاهرة- على الرغم من الجدل الداخلي الواسع الذي صاحب موضوع قضية النزاع الحدودي بين كينيا والصومال وما تعلق باحتمالات سحب القضية، أحدث خبر المصالحة التاريخية بين الصومال وكينيا واتفاق تطبيع العلاقات بينهما، خلال لقاء بين الرئيسين محمد عبد الله فرماجو وأهورو كينياتا في نيروبي، أحدث ارتياحا كبيرا في الأوساط السياسية الدولية والإقليمية، وذلك لما يحمله الخبر من بشائر نحو السلم ونبذ الحروب وحفظ الدماء والتوافق بين الجيران، وهو ما يعتبره كثير من المحللين بمثابة نصر كبير للفريق الداعم لمحور السلام في منطقة القرن الإفريقي، على الفريق الآخر الذي كان يسعى لتأجيج الصراع وتوسيع هوة الخلافات وتبادل الإتهامات والتهديدات بما ينال من استقرار المنطقة وأمنها. إلا أن سيناريو تطور الأحداث وتصعيدها بين وقت وآخر مع تكرار إثارة أزمة تحديد الحدود البحرية بين الدولتين، يثير الخوف على مستقبل المصالحة بسبب عدم حسم النزاع الحدودي قانونيا، وكذلك يثير تساؤلات وقلق المطالبين باستمرار اللجوء للمحكمة الدولية عن مصير هذه القضية ومصير الحق الصومالي في أراضيه وموقف الأطراف المتصالحة منه الأمر الذي يجعل هناك سؤالا ملحا مفاده: هل يسدل الستار نهائيا على تلك القضية وتطوى صفحة الخلافات الصومالية الكينية للأبد بموجب اتفاق المصالحة واستعادة العلاقات الطبيعية بين كينيا والصومال؟ وهل يمكن لهذا الإتفاق أن يصمد أمام ما يستجد من أزمات مستقبلية سيما ما يتعلق بالحقوق النفطية في الأراضي المتنازع عليها؟!
لقد زار الرئيس الصومالي كينيا مؤخرا حيث أجرى اتفاق المصالحة، ومن المنتظر أن يرد الرئيس الكيني الزيارة للصومال في أقرب وقت ممكن بحسب ما أفادت به بعض المواقع الصومالية، وهو ما يعكس عودة العلاقات الثنائية بين البلدين لحالة من الدفء بعد فترة طويلة من البرودة والصقيع الذي كان يشوبه سخونة في بعض الأحداث بسبب التصريحات والقرارات المتبادلة إبان الأزمة. وكانت وكالة الأنباء الصومالية قد أعلنت عن اتفاقية بين الصومال وكينيا تضم بنودا لاستعادة الرحلات الجوية المباشرة من مقديشو إلى نيروبي بدون العبور على مطار واجير في الإقليم الشمالي الشرقي في كينيا، بالإضافة إلي التعاون الثنائي بين البلدين، في الوقت الذي أكد فيه الرئيس الصومالي أن المحادثات لا تؤثر على قضية النزاع الحدودي البحري بين الصومال وكينيا! ولم يصدر أي بيان رسمي لتوضيح مصير الخلاف الحدودي بين الصومال وكينيا، الذي يتعلق بمساحة من المحيط الهندي تطالب بها الدولتان، وتحتوي هذه المساحة من المحيط على كميات هائلة من النفط والغاز.
يأتي ذلك وسط ترحيب عربي ودولي كبير بعودة العلاقات وتطبيعها بين الجارتين الصومال وكينيا وتمثل ذلك الترحيب في بيان رسمي لجامعة الدول العربية أشادت فيه بهذه التطورات. كما أعربت الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي عن الترحيب الكبير بالتدابير المتفق عليها في اجتماع بين رئيس الصومال محمد عبد الله فارماجو ورئيس كينيا أوهورو كينياتا، عقد في نيروبي في 14 نوفمبر، كخطوة مهمة في تعزيز العلاقات الجيدة بين البلدين، تقديرا لقيمة المنفعة المتبادلة التي تسهم في ازدهار الشعوب والتركيز على الإهتمام بالتنمية في منطقة القرن الإفريقي إلى جانب دعم التعاون الثنائي المطلوب لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة.
وقد أشاد كل من بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال “أميصوم” ومنظمة التعاون الإسلامي والإتحاد الأوروبي وفنلندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والدانمارك والسويد وتركيا وأوغندا وإثيوبيا بهذه الخطوة، كما أعربت مصر، التي ساهمت في التقريب بين الطرفين ولعبت دور الوساطة بينهما باعتبارها رئيسة للإتحاد الإفريقي في الدورة الحالية، عن تثمينها الكبير لتتويج جهود وساطتها بانتهاء الأزمة الديبلوماسية وعودة العلاقات الكينية الصومالية من جديد.
يذكر أن بداية الخلاف تعود لعام 1960 حينما نال الصومال استقلاله بينما كان يعاني تمزقا بسبب تعدد أنواع الإستعمار ما بين فرنسي وبريطاني وإيطالي، لتثار الخلافات بعد ذلك مع كينيا عقب استقلالها عام 1963 وذلك التنازع على الحدود البحرية المشتركة بينهما والتي تزخر بثروة نفطية كبيرة. وبعد سنوات طويلة تفجرت أزمة الحدود من جديد حينما رفض البرلمان الصومالي التصديق على مذكرة تفاهم تم التوصل لها بين قادة البلدين لحل الخلاف وديًا عام 2009 ، وهو ما استتبعه توجه الصومال بقضيته إلى محكمة العدل الدولية للفصل في النزاع الحدودي، وهي الخطوة التي أغضبت كينيا متذرعة بعدم اختصاص المحكمة لمناقشة هذا الأمر. وكان من المفترض أن يتم البت في القضية أمام محكمة العدل الدولية في وقت سابق من العام الجاري 2019 لولا تكرار تأجيل القضية في ظل ضغوط كبيرة بذلتها كينيا وحلفاؤها الدوليون من أصحاب المصالح الإقتصادية بها، لإثناء الصومال عن هذه الخطوة، بشكل أثار تكهنات كثيرة باحتمالات سحبها من المحكمة مع تردد أقوال تفيد بأن تأجيل القضية خطوة لا تحدث إلا بناء على موافقة الطرفين، الأمر الذي صاحبته شائعة قوية عن وجود اتفاق غير معلوم بين فرماجو وكينياتا حول هذا الأمر، وهو ما دفع النائب في مجلس الشعب مهد محمد صلاد بمطالبة الرئيس فرماجو بالكشف للشعب الصومالي عن اتفاقيته مع كينياتا، وأضاف النائب في بيان منشور في صفحته في فيسبوك أن ما ورد في البيانين للرئاسة ووزارة الخارجية الكينية من حل النزاع الحدودي بين الصومال وكينيا بطريقة مقبولة للطرفين يعني سحب القضية من المحكمة وحلها عبر محادثات ثنائية بين البلدين. وطالب النائب الصومالي رئيس بلاده بتوضيح حقيقة ما توصل إليه مع كينياتا للصوماليين، مشيرا إلى أن القضية مصيرية تمس سيادة البلاد.
على الجانب الآخر، صاحب تلك التطورات محاولات مستميتة من أطراف دولية عديدة لإثناء الصومال عن موقفه الصارم بعرض قضيته أمام محكمة العدل الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي طالبت الصومال مباشرة بسحب قضية النزاع الحدودي البحري بينها وبين كينيا من محكمة العدل الدولية، وذلك وفقا لتصريحات كايل مكارتر، سفير أميركا لدى كينيا، الذي أوضح أن موقف واشنطن بشأن القضية يتمثل في حل الخلاف بين البلدين على طاولة المفاوضات، مشيراً إلى أن العقبة الكبرى حالياً هي هزيمة حركة الشباب.
وعلى الرغم من تصريحات الرئيس فرماجو بأن اتفاق المصالحة والسلام لن يؤثر على قضية النزاع إلا أن تصريحات النائب الصومالي وقلق الكثيرين ممن يهتمون بقضية الحقوق الصومالية في الأرض والثروة المتنازع عليها، يجعل اتفاق المصالحة بين كينيا والصومال يفتقد إلى الإرتياح الشعبي ما لم يتم توضيح تفاصيله للصوماليين.
لا شك أن ما جرى مؤخرا من مصالحة واستئناف علاقات بين الدولتين، يعد خطوة مهمة ومطلوبة لصالح شعبي البلدين وشعوب المنطقة كلها،لأن الحروب والصراعات تدمر كل شئ، كما أن السلام مطلوب لدعم التعاون المشترك للقضاء على المخاطر التي تهدد الجميع بما فيها جماعات العنف المتشددة، لكن من حق الصوماليين أن يكونوا على علم بتفاصيل الإتفاق وكواليس ما تم وما سيتم فيما يتعلق بمستقبل قضيتهم المنظورة أمام المحكمة الدولية وكيفية اقتسام الحقوق المشتركة بين كينيا والصومال في المناطق المتنازع عليها بشكل يكفل العدل للطرفين.