إلى أين تتجه أزمة سد النهضة بين القاهرة وأديس أبابا؟
صفاء عزب
آخر تحديث: 9/10/2019
القاهرة- بعد فترة من الهدوء النسبي انتظارا لما ستسفر عنه مفاوضات سد النهضة، تصاعدت وتيرة الأحداث وازدادت حدة التصريحات الصادرة من الأطراف المعنية مؤخرا حول هذا الموضوع، بما يوحي باحتمالات وجود أزمة في الآفاق بين القاهرة وأديس أبابا، وخرجت الصحف المصرية تندد بالتشدد الإثيوبي خلال المناقشات التي جرت بشأن نقطة الخلاف الأساسية والمتعلقة بالفترة الزمنية الخاصة بملء السد، بينما طالعتنا صحف عربية وأجنبية بعناوين مثيرة مفادها اتهام إثيوبيا لمصر بأنها تتبع “تكتيكا تخريبيا” خلال مشاورات سد النهضة التي شهدتها الخرطوم على مدار يومين. وأخذت غيوم الخلافات تتكاثر في سماء العلاقات المصرية الإثيوبية كما بدا الموقف المصري أكثر حزما في تصريحات الرئيس السيسي والذي أكد على أن مؤسسات الدولة المصرية كلها ملتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية ومستمرة في اتخاذ ما يلزم من إجراءات على الصعيد السياسي وفي إطار محددات القانون الدولي من أجل حماية هذه الحقوق. وكانت هناك تصريحات قوية سابقة للرئيس المصري خلال لقائه بعدد من الشخصيات السياسية الأمريكية خلال وجود في الولايات المتحدة الأمريكية، قال فيها أنه لن يتم تشغيل سد النهضة الإثيوبي بفرض الأمر الواقع “لأننا ليس لدينا مصدر آخر للمياه سوى نهر النيل”.
كما شهدت مواقع التواصل الإجتماعي تبادلا للتصريحات والتعليقات الخاصة بموضوع سد النهضة والمنسوبة للصفحات الرسمية للمسؤولين في كلا البلدين. فبعد أن صرح متحدث وزارة الموارد المائية والري المصرية بأن مفاوضات سد النهضة وصلت لطريق مسدود، رد وزير الري الإثيوبي نافيا صحة هذه التصريحات ومؤكدا على تواصل المفاوضات وأن المقترحات المقدمة تظل قيد الدراسة. وكتب الرئيس المصري على صفحته الرسمية عبر فيس بوك أنه تابع نتائج الإجتماع الثلاثى لوزراء الرى فى مصر والسودان وأثيوبيا لمناقشة ملف سد النهضة الأثيوبى والذى لم ينتج عنه أى تطور إيجابى، وأكد أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها ملتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية فى مياه نهر النيل. وتعليقا على ذلك كتب رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد سلسلة تغريدات على صفحته الرسمية عبر موقع تويتر مؤكدا أن التفاوض مع مصر لم يصل لطريق مسدود وأن إثيوبيا على استعداد لحل أية خلافات وقضايا معلقة بالتشاور بين مصر والسودان وإثيوبيا. وأشار في تغريداته إلى حق إثيوبيا في تطوير مواردها المائية لتلبية احتياجات شعبها انطلاقا من أن لجميع دول حوض النيل البالغ عددها 11 دولة الحق في استخدام مياه النيل وفقا لمبادئ الإستخدام العادل ودون التسبب في أي ضرر جسيم.
وكانت مصر قد بادرت بطرح “اتفاق إعلان المبادئ حول سد النهضة” في مارس 2015 ونتج عنه امتداد المفاوضات الخاصة بعملية ملء وتشغيل السد لأربع سنوات دون الوصول لنتائج محددة. وفي الوقت الذي أعرب فيه الرئيس المصري عن رغبته في التوصل لاتفاق نهائي حتى لا يؤدي التعثر في المفاوضات إلى الإنعكاس السلبي على الإستقرار، ومع الإقرار بحق إثيوبيا في التنمية، أكد أن مياه النيل بالنسبة للمصريين هي حياة أو موت، ومن ثم حمل المجتمع الدولي المسؤولية للإضطلاع بدوره في حث الأطراف للتوصل لاتفاق عادل للجميع. وخلال الساعات الأخيرة عقب فشل مفاوضات سد النهضة الثلاثية، شهدت الأحداث تطورا كبيرا بعد مطالبة مصر باللجوء لطرف دولي، حيث طالبت مصر بتطبيق المادة العاشرة من اتفاق إعلان المبادئ والخاص بمشاركة طرف دولي في المفاوضات وهو ما أكدته تصريحات المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية في مصر حينما قال أن بلاده تتطلع لقيام الولايات المتحدة الأمريكية بدور فعال بشأن أزمة السد، الأمر الذي ردت عليه إثيوبيا بما يشبه عدم الموافقة والتبرم من هذا الخيار. وقالت وزارة الخارجية الإثيوبية أن اقتراح مصر بدعوة طرف ثالث للمناقشات الخاصة بسد النهضة ليس له مبرر، وأنه ينتهك اتفاقية إعلان المبادئ الموقعة بين الدول الثلاث في 23 مارس 2015 كما يتعارض مع موافقة ورغبات إثيوبيا والسودان!
ويبدو التشدد الإثيوبي في الإصرار على ما تعتبره حقها في مواصلة بناء سد النهضة والمشروعات المرتبطة به دون الإعتراف بأي معاهدة سابقة لتخصيص المياه تتعارض مع مصالحها. وتلبية للرغبة المصرية في مواجهة هذا التشدد الإثيوبي دخلت الولايات المتحدة الأمريكية على الخط وأصدرت بيانًا أعلنت فيه دعمها للمُفاوضات الثلاثيّة للتوصّل إلى اتّفاق يحفَظ حُقوق الجميع لتحقيق الازدهار والتنمية الاقتصاديّة المُستدامة، بالإضافة إلى احترام دول وادي النيل لبَعضهم البعض فيما يَخُص حقّهم في المياه. وهو تصريح لا يمكن اعتباره تأييدا لأي من الطرفين حيث جاء محايدا ومن ثم لا يمكن أن نتوقع منه موقفا أمريكيا حاسما بل موقفا خاضعا لاعتبارات المصلحة.
وتعود أسباب أزمة سد النهضة للمخاوف المحتملة من المخاطر الحياتية المترتبة على إقامة السد الإثيوبي وتأثيراته السلبية على مصر والسودان باعتبارهما دولتي مصب، حيث أكدت الدراسات وتقارير الخبراء باحتمالات حدوث انخفاض شديد في نصيب الفرد المصري من مياه النيل نتيجة لكميات المياه الضخمة التي سيتم تخزينها خلف السد الإثيوبي لتمكينه من أداء وظائفه التي قام من أجل تحقيقها وأهمها توليد الكهرباء، وهو ما يأتي على حساب حصة مصر المقررة تاريخيا في اتفاقات واضحة ولا تقبل التأويل وقدرها 55.5 مليار متر مكعب سنويا ومن ثم فإن الإنخفاض الكبير المتوقع في فترات ملء خزان السد وتشغيله سوف يترتب عليه تعطيش المصريين وهو ما يخشاه المسؤولون المصريون ويعتبرونه خطا أحمر وأمنا قوميا.
إلى ذلك لا يرى الطرف الإثيوبي هذه المخاطر كما أنه لم يعد يسمع للطرف المصري ولا لمقترحاته الخاصة بطرح بدائل لعملية الإسراع في ملء الخزان حيث طالبت مصر خلال المفاوضات الدائرة بين الأطراف الثلاثة أن يتم رفع زمن ملء الخزان إلى سبع سنوات لتقليل الخسائر المصرية قدر الممكن، إلا أن إثيوبيا لم تكترث للطلب المصري وهو ما أدى لعودة التوتر من جديد لأجواء العلاقات المصرية الإثيوبية ويثور التساؤل: هل ستنتهي هذه الأزمة وديا أم يحدث تصعيد في الأزمة؟! فعلى الرغم من محاولات أبي أحمد امتصاص غضب المصريين وبث روح الطمأنينة إليهم بتغريداته المسكنة، إلا أن قلق المصريين ارتفع لمداه وزادت حدة الخوف من استشعار خطر العطش وتبوير الأراضي الزراعية خاصة مع ما تبثه جهات إعلامية خارجية تمعن في تخويف المصريين من السد الإثيوبي وتحاول أن تدفعهم نحو اتخاذ موقف أكثر حدة وعدم الإكتفاء بالتعويل على الوسيط الدولي .
ولاشك أن الفترة المقبلة سوف تشهد تطورات مهمة في ملف سد النهضة تبقى تفاصيلها في طي أحد احتمالين إما الخيار العسكري أو الوسيط الأمريكي وفي جميع الأحوال لا يمكن التوقع في مثل هذه المسألة الحساسة والمصيرية لجميع الأطراف، وسوف ننتظر لما ستسفر عنه التحركات السياسية للأطراف المعنية في الفترة المقبلة.