إقليم الصوماليين أول اختبار حقيقي لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد
الصومال الجديد
آخر تحديث: 5/08/2018
قام رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد منذ وصوله إلى السلطة في إثيوبيا في أبريل الماضي بإحداث تغييرات داخل إثيوبيا والمنطقة أذهلت جميع المراقبين ونجح في ظرف وجيز في إضعاف الدولة العميقة في إثيوبيا التي أسسها رئيس الوزراء الراحل مليس زيناوي وكذلك حل الأزمة الحدودية بين بلاده وإريتريا والتي استمرت 20 عاما وأبرم اتفاقيات تجارية مع دول الجوار.
وكان كثير من المحللين يتوقعون أن تصطدم التحركات السريعة التي قام بها أحمد مع الواقع الذي تعيشه إثيوبيا ومنطقة القرن الإفريقي وكانت أول مشكلة واجهته محاولة اغتياله وهو يخاطب حشودا من أنصاره في العاصمة أديس أبابا في يونيو الماضي كما أن تحركاته لم تعجب الحكومة الجيبوتية التي كانت الشريك الاستراتيجي لإثيوبيا في المنطقة حيث أبدت امتعاضها من انفتاح أديس أبابا على خصمها اللدود إريتريا دون حل القضايا العالقة بينها وبين أسمرة، إلا أن الإشكالية الكبيرة التي تنتظر رئيس الوزراء الجديد كانت قضية إقليم الصوماليين في إثيوبيا وكأن أحمد يدرك تلك الإشكالية حيث كان الإقليم أول منطقة قام بزيارتها فور توليه السلطة.
وتتمثل تلك الإشكالية في ثلاثة أمور أساسية أولها الصراع الدائر بين القومية الصومالية وقومية الأورمو التي ينحدر منها رئيس الوزراء الإثيوبي منذ سنوات والمستمر حتى بعد توليه زمام الأمور في إثيوبيا، والأمر الثاني العلاقة الوثيقة لقيادة الإقليم الصومالي الممثلة بالرئيس عبدي محمود عمر وحكومته الإقليمية بالدولة الإثيوبية العميقة التي يسعى أحمد لتحجيمها، والأمر الثالث مشكلة الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين الانفصالية التي تقاتل منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي لاستقلال الإقليم عن إثيوبيا.
وقد حاول رئيس الوزراء الإثيوبي حل تلك الإشكالية فقد أمر بإطلاق سراح جميع سجناء جبهة تحرير أوغادين وشطب اسمها من قائمة التنظيمات الإرهابية واعتبرها حركة تناضل من أجل حقوق سياسية مشروعة الأمر الذي رحبت به الجبهة التي أبدت استعدادها لبدء حوار مع أديس أبابا لحل المشاكل العالقة بالطرق السلمية، إلا أن الحكومة الإقليمية برئاسة عبدي محمود استشعرت بأن رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد أبي أحمد يسعى إلى القضاء عليها بعد اتهامها بانتهاك حقوق الإنسان ولم ينجح أحمد أيضا في إيقاف الصراع الدائر بين القوميتين الصومالية والأورومو وإن أعلن الشهر الماضي أنه أمر الجيش الإثيوبي والشرطة الاتحادية بالتحرك نحو المناطق التي تشهد القتال بين الصوماليين والأورمو للسيطرة على الوضع والفصل بين القوميتين المتقاتلتين.
وأظهرت الأحداث التي شهدتها أمس مدينة “جكجكا” عاصمة الإقليم الصومالي في إثيوبيا بعد اقتحام الجيش الإثيوبي المرافق الحيوية في المدينة بما فيها مقر البرلمان الإقليمي والتلفزيون وما أعقب ذلك من أعمال شغب ونهب ممتلكات غير المنتمين إلى العرقية الصومالية وحرق بعض الكنائس في “جكجكا” وغيرها من المدن مثل طغحبور والتي أسفرت عن مقتل 10 أشخاص على الأقل وإصابة العشرات بجروح التحدي الأكبر الذي يواجه رئيس الوزراء الإثيوبي وحكومته في ذلك الإقليم.
ولم تكشف الحكومة الإثيوبية الاتحادية عن سبب اقتحام الجيش الإثيوبي لمقرات الحكومة الإقليمية في الإدارة الصومالية في إثيوبيا واكتفى بيان صدر من وزارة الدفاع الإثيوبية بأن الحكومة لن تتفرج الاضطرابات في مدينة “جكجكا” ووعد البيان باتخاذ الإجراءات الضرورية لضمان أمن وسلامة سكان الإقليم، إلا أن مصادر عليمة أشارت إلى أن الجيش كان يسعى إلى إلغاء جلسة كان من المقرر أن يعقدها البرلمان الإقليمي لإعلان الانفصال عن أثيوبيا خاصة وأن الأحداث التي شهدتها “جكجكا” تزامنت مع مؤتمر جار في مدينة “درردبه” نظمه المعارضون لحكومة الرئيس عبدي محمود تشارك فيه القبائل الصومالية القاطنة في إثيوبيا والذي من الممكن أن تكون من مخرجاته المطالبة بتغيير حكومة إقليم الصوماليين في إثيوبيا بزعامة عبدي محمود عمر الذي ارتكبت شرطة ليو التابعة له اعتداءات بحق القبائل الصومالية في إثيوبيا.
وقد تباينت ردود الأفعال على ما جرى أمس في “جكجكا” وغيرها من المناطق ولم يخف وزراء الحكومة الإقليمية تذمرهم من اقتحام الجيش الإثيوبي لمقرات الحكومة بل إن بعضهم اعتبر ذلك هجوما من الأورومو على الإقليم بشارة الجيش الإثيوبي، أما الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين- رغم معارضتها الشديدة لرئيس الإقليم الذي تتهمه بأنه كان يقوم بتعذيب عناصرها في السجون تنفيذا لتعليمات السلطات الإثيوبية التي كانت تعتبر الجبهة منظمة إرهابية قبل تولي رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد السلطة- إلا أنها أبدت استنكارها الشديد لدخول الجيش الإثيوبي إلى “جكجكا”، واعتبرت ذلك تحركا معاديا للشعب الصومالي في إثيوبيا وأشارت إلى ترحيبها بالتغييرات التي تشهدها إثيوبيا لكنها حذرت الحكومة الاتحادية من الازدواجية في تعاملها مع القوميات الإثيوبية المختلفة، كما دعت سكان الإقليم إلى ضبط النفس وعدم الاعتداء على الإثيوبيين الأبرياء من القوميات الأخرى وممتلكاتهم واحترام أماكن العبادة.
يبدو أن قضية إقليم الصوماليين في إثيوبيا أول اختبار حقيقي لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد حيث إن الإقليم يشهد مشاكل معقدة، فالقبائل الصومالية في الإقليم تعاني من انقسامات بسبب سياسات حكومة الإقليم وقمعها للحريات كما أن هناك صراعات مزمنة بين الصوماليين وقومية الأورمو المجاورة إضافة إلى قضية الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين الانفصالية، فرئيس الإقليم عبدي محمود عمر له أنصار ومعارضون يطالبون بالإطاحة به كجزء من التغيير الذي تشهده إثيوبيا، فهذه القضايا المعقدة تتطلب من رئيس الوزراء حلا جذريا دون الدخول إلى مواجهة مسلحة مع طرف لئلا يستغل ذلك خصومه ويقولوا إنه ينتهج السياسة القمعية لأسلافه أو لئلا يعتبر منحازا إلى قومية على حساب القوميات الأخرى، وقد أشارت آخر التقارير الواردة إلى وصول طائرة تقل وفدا من الحكومة الإثيوبية الاتحادية أمس إلى “جكجكا” ولقائها بالمسئولين الإقليميين، وظهر رئيس الحكومة الإقليمية عبدي محمود عمر بعد ذلك في التلفزيون وأدلى بتصريح مقتضب دعا فيه سكان الإقليم إلى الهدوء والمحافظة على النظام كما تقوم الشرطة المحلية- حسب تلك التقارير- اليوم بضبط الأمن العام في عاصمة الإقليم وهذه مؤشرات إيجابية تدل على التوجه إلى حل الأزمة بالطرق السلمية.