إدارة الديون الإفريقية بين متطلبات التنمية والتزامات تسديد القروض
صفاء عزب
آخر تحديث: 28/12/2019
القاهرة- يعد ملف الديون على رأس الهموم التي تثقل كواهل الدول الإفريقية، وهو من الملفات الشائكة لما يتضمنه من مشكلات وتعقيدات متتالية ومتشابكة مع بعضها البعض نظرا لما تخلفه هذه الديون من أعباء إضافية على الإقتصادات الإفريقية المنهكة التي لم تكن في حاجة إلى مزيد منها. وعلى الرغم من أن الدول الإفريقية قد اضطرت إلى طرق أبواب القروض والإقتراض بسبب تخلف دول العالم المتقدم عن القيام بدورها في دعم اقتصادات الدول الناشئة وعدم وفائها بوعودها في هذا الصدد، إلا أن صندوق النقد الدولي طالب مؤخرا دول إفريقيا المدينة بإدارة عقلانية لديونها في إشارة إلى وجود خلل أو سوء تصرف في التعامل مع هذه الديون وإدارتها بالشكل الصحيح. ودعت مديرة صندوق النقد الدولي كريستيالينا غورغييفا قادة الدول الإفريقية إلى إدارة ديون بلادهم “بعقلانية” مؤكدة أن الدول لن يكون بوسعها تحقيق أهداف التنمية المستدامة لديها بالقروض الكثيرة، وشددت على أن الاقتراض في دولة ما لا يجب أن يكون بلا حدود، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن إفريقيا هي أرض الاستثمارات. وفي الوقت الذي يثني صندوق النقد الدولي على التقدم المذهل الذي حققته القارة السمراء خلال العقدين الماضيين والمتمثل في التناقص الملحوظ لحدة الفقر وتحسن الظروف المعيشية لأبنائها، إلا أن الصندوق طالب الدول المقترضة بالعمل على توفير مزيد من الإيرادات العامة وتعزيز إدارة ديونها العامة، وتحسين إنفاقها الاستثماري، من خلال الإشراف على المشروعات بشكل أفضل.
في هذا الإطار أعلنت اليابان في فترة سابقة عن تنظيم 30 ورشة عمل حول إدارة مخاطر الديون في ثلاثين دولة إفريقية، وذلك على مدار ثلاث سنوات ضمن مساعيها الرامية إلى دعم الجهود التنموية بالقارة الإفريقية والتي تتضمن أيضا ضخ المزيد من الإستثمارات لإفريقيا بقيم تصل إلى 20 مليار دولار.
وتعد مشكلة الديون المتفاقمة من الأزمات المزمنة في إفريقيا من زمن بعيد، لكنها اتخذت توجها جديدا في السنوات الأخيرة عندما شهدت بعض الدول زيادة في ديونها السيادية بما يسبب قلقا شديدا للمؤسسات المالية الدولية وخاصة صندوق النقد الدولي على السياسات المالية والأنظمة الإقتصادية في دول إفريقيا. ووفقا لتقرير أصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية عام 2015 عن الديون الإفريقية حذر خبراء من خطورة تجاهل وقوع إفريقيا في شرك المديونية في ظل مؤثرات متعددة منها عدم استقرار أسعار الصرف وكذلك أسعار الفائدة العالمية وزيادة مستويات الديون بشكل كبير.
وأفاد خبراء بأن تخلف الدول المتقدمة عن الوفاء بوعودها لدعم الإقتصاد الإفريقي اضطر حكومات الدول الإفريقية لطرق باب الديون للحصول على التمويل المطلوب لسد حاجة شعوبها، إلا أن عدم إدارة الديون بكفاءة قد يتسبب في كوارث للدول المدينة خاصة وأنها دول تعتمد في الغالب على تصدير سلع ومنتجات معرضة لهزات تحكمها قواعد العرض والطلب في الأسواق العالمية.
وتعد إفريقيا جنوب الصحراء من أكثر المناطق غرقا في الديون ووصلت الديون لمستويات قياسية جديدة حيث تجاوز متوسط الدين العام فى هذه المنطقة 50% من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2017، وفقاً لمعهد التمويل الدولى. وتشير بيانات بنك التسويات الدولية إلى أن رصيد الديون المسجلة بالفعل لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى قد تضاعف إلى أكثر من 200 مليار دولار من أقل من 30 مليار فى عام 2007. وهو ليس كل شئ، فلا تزال دول القارة السمراء بحاجة إلى مليارات الدولارات خلال الفترة المقبلة للوفاء بالتزامات الديون الحالية إو إعادة هيكلتها، وكذلك لتمويل مشروعات بنية تحتية حيوية لإنجاح خطط التنمية، وهو ما يعني استمرار حركة الإقتصاد الإفريقي في نفس دائرة الديون المفرغة التي تحتاج في نظر البعض إلى معجزة سياسية واقتصادية لكسر قيودها والخروج منها.
ولاتقتصر أزمة الديون على القارة الإفريقية، بل هي ظاهرة تمتد لتشمل مختلف دول العالم حيث كشفت أحدث دراسة لمجموعة البنك الدولي أن ديون اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية قفزت إلى رقم قياسي هو 55 تريليون دولار في 2018 لتسجل قفزةً في غضون ثمانية أعوام هي الأكبر والأسرع والأوسع نطاقا فيما يقرب من نصف قرن، ما دفع الخبراء للمطالبة بالمسارعة إلى تقوية السياسات الاقتصادية لتلك البلدان وتقليل تعرضها للصدمات المالية واستحداث آليات لتسهيل تسوية الديون عند الضرورة، وزيادة الشفافية بشأنها. وتزداد أهمية مطالب الخبراء بالنسبة للدول الإفريقية حيث تشهد نموا سريعا في مجموع الدين الخارجي القائم مقارنة بباقي أنحاء العالم.
لاشك أن الإرتفاع المتزايد في حجم الديون يثقل القارة الإفريقية بمزيد من الأعباء المعرقلة للنمو والتنمية، وتزداد المشكلة تعقيدا في الأنظمة الإقتصادية الهشة التي تخضع بشكل كبير لتأثيرات الأسواق العالمية وافتقادها للمرونة نتيجة اعتمادها على تصدير المواد الخام دون تصنيع والتي تخضع للأسعار العالمية التي تتحكم فيها الدول الكبرى ولعبة العرض والطلب. وتتفاقم الأزمة مع وجود مشكلات سياسية وبيئية تطرأ على تلك البلدان وتتطلب مزيدا من الإنفاق لمواجهتها مثل الأوبئة والكوارث الطبيعية، أو تتسبب في تعطيل حركة التنمية وتوقف عجلة الإنتاج وهروب الإستثمارات كما هو الحال في المناطق التي يتربص بها الإرهاب وتشهد حوادث متفرقة.
إن حل أزمة الديون في إفريقيا لن يتم في يوم وليلة أوبقرار سيادي وإنما يحتاج إلى وعي وحسن إدارة لملف الديون مع ضرورة فتح آفاق اقتصادية جديدة لتنويع مصادر الدخل لتلك الدول المدينة والتشجيع على زيادة الإستثمار في المشروعات التي يكون لها مردودات اقتصادية كبرى على الإقتصاد والشعوب. ولا يمكن إعفاء الدول المقرضة من المسؤولية عن بعض جوانب أزمة الديون في الدول النامية ومنها الدول الإفريقية سيما ما يتعلق باشتراطات القروض المجحفة وفوائدها الباهظة وعليها أن تقلل لأدنى درجة مخاطر عمليات الإقراض غير المدروسة والمتهورة في بعض الأحيان.