أهمية الاستثمار في الثروة السمكية بالصومال لحل أزمة الغذاء والبطالة
الصومال الجديد
آخر تحديث: 29/04/2023
القاهرة: صفاء عزب
يحظى الصومال بسواحل مترامية الأطراف تعد الأطول على المنافذ البحرية في المنطقة بل والقارة الافريقية، فهي سواحل تطل على خليج عدن والمحيط الهندي في ذات الوقت بطول يتجاوز 3000 كيلو متر، وهي مياه غنية بالثروة السمكية واللؤلؤ والأصناف البحرية والملاحات الطبيعية، بما يمنح الصومال ميزات كبيرة نسبيا في ممارسة الأنشطة البحرية واستخراج الثروات من باطن مياهه الإقليمية وعلى رأسها أنواع مختلفة من الأسماك التي تعد أحد الأركان الرئيسية في حل أزمة الغذاء ومواجهة كوارث المجاعات الناجمة عن الجفاف، كما تعتبر وسيلة سريعة لتوفير الطعام لمن يحتاجون إلى الإغاثة العاجلة من نقص المؤن والمواد الغذائية الضرورية للحياة، وهي المشكلة المزمنة التي يعاني منها شعوب القرن الإفريقي وخاصة الصوماليين. وقد أفادت تقارير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) بتنوع الموائل والحياة البحرية في الصومال حيث تزخر مياهه بسمك التونة ذات الزعنفة الصفراء وأنواع مختلفة من سياف البحر والروبيان. وأنه لا تزال هذه الأنواع مستدامة إلى حد ما بسبب هجرتها من موائلها البحرية باتجاه ساحل الصومال، وهو ما يعني تمتع موارد الصومال البحرية بقيمة اقتصادية كبيرة سواء باستغلالها داخل البلاد أو بتصديرها وتصنيعها وتسويقها عالميا. ومع ذلك فإن استغلال الصومال لهذه الموارد الاقتصادية الحيوية ما زال في مرحلة أولية، ولم يستفد أهل الصومال حتى الآن من ثرواتهم السمكية حيث يعاني هذا المجال من عدم الاهتمام والقصور في مستوى التطوير المطلوب لتعظيم الاستفادة من هذه الثروة وقد لعبت الحروب الداخلية والصراعات السياسية دورها في هذا الأمر طويلا. كما تتعرض المياه الإقليمية الصومالية كثيرا لهجمات من القراصنة وعمليات سرقة بعضها مقصود من قبل بعض الجهات بغرض السطو على مقدرات الصومال المائية مستغلة انشغال أهله في حروبهم وأزماتهم الداخلية، وهو ما كان يحرم الشعب الصومالي من حقوقه وكثير من خيراته التي يحتاجها بشكل ملح لسد احتياجاته ومعالجة أزماته الاقتصادية والاجتماعية.
لذلك كان موقف الرئيس شيخ محمود صارما في مواجهة هذه المشكلة بعد توليه المسؤولية عندما عزم على مواجهة لصوص مياه بلاده الإقليمية. وتم توجيه اتهامات من المسؤولين الصوماليين إلى سفن أجنبية بممارسة صيد الأسماك في المياه الصومالية بطريقة غير شرعية وفق أدلة موثوقة تؤكد أن السفن الأجنبية كانت تعمل منذ شهر يناير 2023 في المنطقة الاقتصادية الخالصة بعد دخولها بشكل غير قانوني إلى مياه الصومال وأنها كانت تقوم بالصيد بدون الحصول على أية رخصة من الحكومة الفيدرالية. يضاف لذلك القيام ببعض الإصلاحات في وزارة الثروة السمكية، والقوانين التي تمت المصادقة عليها، والمشاركة الأممية في التوقيع على قانون لمكافحة الصيد غير المشروع والذي وقعها مؤخرا وزير الثروة السمكية والاقتصاد الأزرق في الحكومة الفيدرالية الصومالية، أحمد حسن آدم خلال مشاركته في مؤتمر العدالة الزرقاء بمقر الأمم المتحدة في كوبنهاجن، الدنمارك بين 23 و24 مارس الماضي.
كما أن الاقتصاد الأزرق أصبح على رأس الاقتصادات العالمية التي تسعى كل الدول إلى استغلاله في تحقيق التنمية وتعظيم مكاسبها منه بما يحمله من مزايا كبيرة مقارنة بالاقتصادات الأخرى التقليدية، ولذلك لم يكن مصادفة أن تكون هناك وزارة صومالية تحمل اسم الثروة السمكية والاقتصاد الأزرق معا، ما يعكس الاهتمام الحكومي الكبير بالتنمية في هذا المجال من خلال الدعوة إلى الاستثمار الأجنبي فيه وإتاحة الفرصة لجلب المزيد منه بدلا من طلب الدعم والمعونة.
من هذا المنطلق كانت أهمية السعي الصومالي الدؤوب لفتح آفاق التعاون في مجال الصيد والثروة السمكية مع مختلف دول العالم، وهو ما كان دافعا قويا لعقد مؤتمر الاستثمار الأجنبي بالصومال ليكشف الفرص الواعدة للمستثمرين في شتى المجالات بما فيها الصيد والثروات البحرية. وقد نجحت الإدارة الصومالية في توقيع العديد من الاتفاقيات الدولية في هذا الصدد، منها إبرام مذكرة تفاهم مع شركة بكين تشاوليانغ هودينغ الصينية في مجال صيد الأسماك. وبموجب الاتفاقية الموقعة بين الطرفين تقوم الشركة الصينية باستثمار إنتاج أسماك التونة الموسمية وإنشاء مرافق للتحهيز.
كما تم عقد اتفاقات مع مسؤولين مصريين للتعاون في مجال الثروة الحيوانية وكذلك السمكية، وتضمنت التعاون فى تقديم الدعم الفنى المصري والتدريب وبناء القدرات الصومالية والاستثمار فى قطاع الاسماك هناك ونقل الخبرة المصرية فى تأهيل الكوادر الصومالية للعمل فى تصدير الاسماك وحماية الشواطئ. وفي نفس الوقت وجه الصومال الدعوة إلى الشركات المصرية للاستثمار والاستفادة من ثروته السمكية. كما توجد هناك تعاونات مزمعة مع دول أخرى منها المملكة العربية السعودية وإثيوبيا وغيرهما من دول المنطقة العربية والقارة الإفريقية.
وكذلك توجه الصومال نحو أوربا من خلال لقاء وزير الثروة السمكية والاقتصاد الأزرق بالحكومة الاتحادية الصومالية، أحمد حسن آدم مع الاتحاد الوطني لشركات الصيد وكبار رجال الأعمال في إيطاليا والوكالات المهتمة بصيد الأسماك. وتم الإعلان عن وجود فرص جيدة للإستثمار الإيطالي في مجال الثروة السمكية بالصومال. وفي نفس الإطار التقى الوزير آدم مع قائد خفر السواحل الإيطالي إنريكو أرينا في إطار متابعة أعمال مراقبة الأنشطة البحرية مثل صيد الأسماك والهجرة ومنع تلويث البحر والشواطئ والاستفادة من كل التقنيات والخبرات الإيطالية، خاصة ما يتعلق بتنمية صيد الأسماك ومنع ومراقبة الصيد غير المشروع. وخلال اللقاء مع نائب رئيس الاتحاد الأوروبي للشؤون السياسية والأمنية ، جوزيب بوريل ، طالب الرئيس الصومالي الاتحاد الأوروبي بالمساهمة بقوة في منع التدهور البيئي والأسلحة غير المشروعة والصيد البحري بشباك الجر الصومالية ، من خلال الإسراع في بناء البحرية ، حتى تتمكن الحكومة من السيطرة على الحدود البحرية لجمهورية الصومال الفيدرالية. وهو الطلب الذي يعكس المشكلة الكبيرة التي تتعرض لها الثروة السمكية في الصومال من سرقة وسطو بسبب الصيد غير الشرعي وبدون إذن السلطات الصومالية والذي يكبد البلاد خسائر اقتصادية كبيرة، إلى جانب الصيد الجائر الذي يهدد بعض الأنواع النادرة من الأسماك بالانقراض.
لذلك تحتاج الثروة السمكية بالصومال إلى إعادة نظر في قواعد وإجراءات التعامل معها لزيادة الاهتمام وتنظيم عملية الصيد وفق قواعد ممنهجة للحفاظ على هذه الثروة والعمل على تعظيم الاستفادة منها من خلال التخطيط لاستثمارات كبيرة وضخمة تقوم على دراسات علمية وافية ودقيقة تضمن الحفاظ على الحياة البحرية في المياه الإقليمية الصومالية وتكفل في نفس الوقت تحقيق مكاسب اقتصادية تسهم في زيادة الدخل القومي، وينبغي تطوير هذا المجال وتحويله إلى صناعة مهمة، خاصة وأن البحار الصومالية غنية بأنواع عديدة من الأسماك ذات الشهرة العالمية مثل التونة، والماكريل، والقرش، بالإضافة للمحار، حيث يمكن استثمار ذلك في إنشاء مصانع لحفظ وتعليب الأسماك وإعدادها للتصدير حتى تزداد القيمة المضافة لصالح الشعب الصومالي. وتبقى مسألة التسويق الجيد للمنتجات الصومالية البحرية وفتح مزيد من الأسواق العالمية الكبرى أمامها بحكم جودتها وما تتمتع به من مزايا نسبية ويجب إبراز ذلك في برامج توعوية ودعائية مدروسة وعلى أيدي متخصصين لتؤتي ثمارها.
من ناحية أخرى يجب الاهتمام بمجال الثروة السمكية باعتباره من المجالات الاقتصادية الحيوية كثيفة الأيدي العاملة وبالتالي يمكن حل أزمة البطالة من خلاله وذلك بإتاحة الفرص أمام الصوماليين الشباب وغيرهم من أبناء الوطن وحثهم على ممارسة العمل في مجال الصيد وصناعات الأسماك بصفة عامة وما يرتبط بها من صناعات جانبية مثل صناعة الشباك والمراكب وأدوات الصيد ومصانع التعليب والحفظ وغيرها بما يسهم في إنعاش حركة الصناعة والتجارة بالبلاد ومن ثم تتحسن الأوضاع الاقتصادية للدولة وشعبها.