أزمة سد النهضة.. ماذا بعد سحب السفير الإثيوبي من القاهرة؟
صفاء عزب
آخر تحديث: 9/03/2020
القاهرة- تطورات سريعة ومتلاحقة شهدتها الفترة الأخيرة لأزمة سد النهضة بعد التصعيد الذي أحدثه موقف إثيوبيا مؤخرا برفضها مشروع قرار مجلس وزراء الخارجية العرب بتضامن جامعة الدول العربية مع موقف مصر والسودان الخاص بسد النهضة الإثيوبي باعتبارهما دولتي المصب، واستدعاء سفرائها في كل من القاهرة والخرطوم، وموسكو، ولندن بعد إعلانها عدم المشاركة في مفاوضات “سد النهضة”، التي كان من المقرر أن تستضيفها واشنطن في شهر فبراير الماضي لدراسة مقترحات وزارة الخزانة الأمريكية حول مسودة الإتفاق الخاص بملء وتشغيل سد النهضة، وهو الموقف الذي انتقدته الحكومة المصرية وأثار غضب كل المصريين خوفا من العطش والمصير المجهول لحصتهم المائية من نهر النيل التي باتت مهددة بسبب السد الإثيوبي الجديد المعروف بسد النهضة.
جدير بالذكر أنه كان من المفترض أن يجتمع الطرف الإثيوبي مع الجانب المصري برعاية أمريكية في واشنطن يومي 28 و29 من فبراير الماضي لاستكمال مفاوضات سد النهضة ومناقشة قواعد ملء السد وتشغيله، إلا أن إثيوبيا فاجأت الجميع بعدم المشاركة في المفاوضات وبررت وزارة المياة والري والطاقة الإثيوبية قرارها بالقول إن “فريق التفاوض لم يكمل مناقشاته مع الخبراء المحليين وأصحاب المصالح في إثيوبيا” وذلك وفقا للبيان الذي نقلته وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية، وهو ما اعتبره المصريون بمثابة استغلال إثيوبي للوقت لفرض سياسة الأمر الواقع حتى يكتمل بناء السد عام 2023 من دون تقديم أية تنازلات.
أثار الموقف الإثيوبي حالة من الإمتعاض والغضب الشديد بين المصريين لتعود من جديد لهجة التصعيد في التصريحات المتبادلة بين الطرفين والمطالبة الشعبية على مواقع التواصل الإجتماعي بضرورة الرد والتلويح باستخدام القوة العسكرية، خاصة بعد إعلان إثيوبيا تدشين حملة لجمع الأموال ومناشدتها لمواطنيها أن يقوموا بتحويل أموالهم عبر هواتفهم المحمولة من أجل استكمال مشروع سد النهضة الذي تبلغ تكلفته خمسة مليارات دولار. وهو ما اعتبره المراقبون بمثابة إصرار وتحد إثيوبي واضح للطرف المصري بتأكيد عزمها على المضي قدما في الاستمرار في بناء سد النهضة بصرف النظر عن أية اعتبارات أو مطالبات دولية أو إقليمية خاصة بحقوق مصر والسودان المائية. ولا شك أن الوضع الراهن يمثل تصعيدا خطيرا في الأجواء الإقليمية بين مصر وإثيوبيا، سيما مع رفض الحكومة الإثيوبية التوقيع على المفاوضات بوساطة أمريكية واتهام الولايات المتحدة بالضغط على إثيوبيا للتوقيع على اتفاق غير مقبول بالنسبة لها، وفقا لتصريحاتها. وقال المجلس الوطني لبناء سد النهضة في إثيوبيا أن أي تحرك “لإجبارنا بما يجب أن نفعل وما يجب ألا نفعله غير مقبول”.
على الجانب الآخر جاء الرد المصري منتقدا للموقف الإثيوبي بشدة حيث أعربت كل من وزارتي الخارجية والموارد المائية المصريتين عن استيائهما الشديد لغياب أديس أبابا عن الإجتماع النهائي في واشنطن واتهام إثيوبيا بتعمد الغياب عن المفاوضات لعرقلة مسارها. كما أعلن الطرف المصري رفضه التام لما ورد في البيان الإثيوبي بالإعتزام على المضي في ملء السد دون الإرتباط بالوصول لاتفاق يراعي مصالح دولتي المصب وهما مصر والسودان، الأمر الذي تعتبره مصر مخالفا للقانون والأعراف الدولية ومخالفا أيضا لاتفاق إعلان المبادئ عام 2015 الذي وقعته إثيوبيا وينص في مادته الخامسة على ضرورة الإتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد. كما عادت الخارجية المصرية وأعربت عن عن رفضها جملة وتفصيلاً لبيان وزارة خارجية إثيوبيا، الصادر يوم ٦ مارس، حول قرار مجلس جامعة الدول العربية الصادر يوم ٤ مارس بشأن سد النهضة الإثيوبي، ووصفته بعدم اللياقة وقالت أنه ينطوي على إهانة غير مقبولة لجامعة الدول العربية وأعضائها.
على الرغم من احتمالات تأثر السودان سلبيا بسد النهضة إلا أنه لم يتخذ موقفا ثابتا ومؤيدا للموقف المصري من سد النهضة بل أبدى ردود أفعال متذبذبة حتى أنه أبدى موقفا متحفظا على مشروع قرار مجلس وزراء الخارجية العرب الداعم للحقوق المائية لكل من مصر والسودان كدولتي مصب، بدعوى أنه لا يجب إقحام جامعة الدول العربية في موضوع السد. ومن هنا يعد الموقف السوداني أحد نقاط الضعف التي تواجه الطرف المصري في مواجهة أزمته مع إثيوبيا، خاصة في ظل الوعود المتبادلة بين الطرفين الإثيوبي والسوداني والمصالح المشتركة التي يتطلعان لتحقيقها من جراء سد النهضة.
في ظل التطورات الأخيرة لأزمة سد النهضة وما لحق بها من تصعيد في مستوى لهجة الحوار بين مصر وإثيوبيا يثور التساؤل حول مصير هذا التصعيد وما يمكن أن يؤول إليه الوضع سيما مع اعتقاد كثير من المصريين وغيرهم من المحللين والمراقبين وخبراء المياه الدوليين أن المفاوضات مع إثيوبيا وصلت لطريق مسدود، فهل حقا يمكن أن يخرج الوضع من إطار التفاوض الهادئ إلى إطار أكثر صخبا وعنفا؟!
لا شك أنه عندما يتعلق الأمر محل الخلاف بقضية حياتية كما هو الحال في أزمة نهر النيل وما يمثله للمصريين من مسألة حياة أوموت، فإن الأجواء تزداد سخونة وميلا نحو التصعيد، ولكن هل يمكن أن يقف كل من المجتمع الدولي والإقليمي صامتا في مواجهة هذا التصعيد وكأن القارة الإفريقية كانت في حاجة إلى توترات جديدة تثقلها بمزيد من الأعباء؟! لذلك تأتي أهمية الضغوط الدولية للدول الكبرى على إثيوبيا للإنصياع للإتفاقيات الخاصة بحقوق دول المصب في نهر النيل، كما يجب أن يبرز الدور الفعال للإتحاد الإفريقي حيث تعد أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا بمثابة اختبار مهم لمدى قدرته في أداء مهامه الأساسية التي قام من أجلها بفاعلية، وأهمها الحفاظ على السلم وروح التعاون بين دول القارة الإفريقية.
على الرغم من التصعيد الحادث إلا أن فريق من العقلاء والحكماء يرون أنه لا بد من التحلي بالنفس الطويل حتى لا يخرج الأمر عن نطاق السيطرة مع استمرار العمل بالضغوط السياسية دون اللجوء للعنف، وهو الموقف الذي لا زالت تتبناه الخارجية المصرية التي أكدت في بيانها أنه لايزال أمام المصريين حل متوازن، يكفل تحقيق المصالح المشتركة لجميع الأطراف من أجل الحفاظ على حياة ما يقرب من ربع مليار إنسان يعيشون في مصر والسودان وإثيوبيا.