أرض الصومال.. حلم الانفصال: الواقع والتحديات
الصومال الجديد
آخر تحديث: 27/08/2018
لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا
التقرير الأسبوعي
الرقم 43
مقدمة
في أعقاب انهيار نظام حكم محمد سياد بري في الصومال أعلنت أرض الصومال استقلالها من طرف واحد، وتحديدا في 18 من مايو/ آيار 1991. ومنذ ذاك الوقت تمارس مهامها لتطوير نفسها كدولة مستقلة، بالرّغم من غياب الاعتراف القانونيّ لها؛ لكنّها لازالت تبحث بكل جدّية الحصول عليه، منذ أول مؤتمر مصالحة عقد في مدينة بربرة من 15 إلى 27 فبراير/ شباط 1991، وكان الهدف من وراء هذا المؤتمر إعادة الثّقة بين العشائر القاطنة في شمال الصومال المعروفة حاليا بأرض الصومال، والّتي كانت ترزح تحت الاستعمار البريطاني.
ويأتي بعد هذا المؤتمر بشهرين مؤتمر ثان عُقّد في مدينة بُرْعُو، استمر قرابة شهر من 27 أبريل/ نيسان إلى 18 مايو/ آيار 1991، واتفق المشاركون فيه، وعلى رأسهم زعماء العشائر الشّمالية، وقيادة الحركة الوطنية الصّومالية بعد مناقشات استمرت شهرين على ضرورة بناء كيان مستقل عن بقية الصّومال. ومن هنا بدأت قصة أرض الصومال كنظام منفصل من الصّومال، ومرت على عدة مراحل متباينة، بدءاً من الاتفاق المبدئي بين المشاركين في مؤتمري برعو وبربرة، ومرورا بمراحل التّطوير الاداريّ، وإقناع جميع شرائح المجتمع القاطن في الحدود الجغرافية التي رسمها الاحتلال البريطانيّ في النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر، والتي تقدّر مساحتها الإجمالية بنحو (137600 كم2 ). فهي الآن تتمتع بعلم ونشيد وطني وتأشيرة دخول ومؤسسات للحكم والإدارة. وتحاول النّخبة الحاكمة بذل كل ما في وسعها للحصول على الاعتراف الدّولي.
هل الانفصال حلم أم حقيقة؟
يرى كثير من المحللين للشأن الصومالي أن الانفصال وان كان حقيقة تد عمها حقائق تاريخية واخرى واقعية في نظر بعض القادة السياسيين وبعض المتحمسين الجدد ممن لا يعرفون غير صوماليلاند لأسباب تعود الى تنشأتهم السياسية أو الى انتمائهم القبلي، الا انه لا يرقي الى مستوى الحقيقة ولا يعدو كونه مجرد حلم، والهدف منه الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني الذي تتمتع به مناطق الإدارة، إضافة الى التعايش السلمي، ومن أهدافه رفع سقف المطالب السياسية للشمال في حال المفاوضات وتقاسم الثروة والسلطة مع باقي أقاليم البلاد. ويستدل هؤلاء المراقبون انتقال السياسيين من الشمال ومشاركتهم في العملية السياسية في مقديشو.
رحلة البحث عن الاعتراف
لم تتوان حكومة أرض الصومال في رحلة البحث عن الاعتراف منذ إعلان استقلالها عن باقي أقاليم الصومال، وكانت تستخدم كل السبل المتاحة. واستطاعت الادارة الانفصالية من تحقيق بعض المكاسب من جذب الاستثمار الأجنبي. ويقول بعض المحللين إن أرض الصومال، التي لها تاريخ متميز ولا تزال أكثر استقرارًا من بقية الصومال، لديها فرصة قوية للاستقلال. ويخشى آخرون أن يشجع الاعتراف الدولي حركات انفصالية أخرى في أفريقيا.
وعلى الرغم من أنه لا توجد دولة أجنبية او منظمة اقليمية أو دولية اعترفت بها كدولة مستقلة لكن عددا من الدول والمنظمات الدولية أو الإقليمية تتعامل معها على اساس أمر الواقع، فقد استطاعت جذب انتباه دعم بعض الخبراء في الدول وبعض المنظمات الدولية، ومنها على سبيل المثال الرأي القانوني لوزارة خارجية جنوب أفريقيا. ففي عام 2003 أصدرت وزارة الشؤون الخارجية في جنوب أفريقيا رأيا قانونيا، ورد فيه أنه: لا يمكن الإنكار بأن أرض الصومال مؤهلة بالفعل لإقامة دولة، ويجب على المجتمع الدولي الاعتراف بها. بحجة إن أي محاولة لإنكار أو تأخير لن تؤدي فقط إلى تعرض المجتمع الدولي لخطر تجاهل المنطقة الأكثر استقرارا في القرن الإفريقي، بل سيسبب مشقة لا توصف على شعب أرض الصومال بسبب إنكار المساعدة الأجنبية التي يستتبعها هذا الاعتراف. كما إن مصلحة السلام والاستقرار العالميين تقتضي ذلك حيثما أمكن.
وتقدمت أرض الصومال طلب الانضمام الى الا تحاد الأفريقي، الا أن الاتحاد علق الطلب وأرسل لجنة لتقصى الحقائق الى هرغيسا عام 2005، وأوصت اللجنة في تقريرها بأن الاتحاد الأفريقي يجب أن “يجد طريقة خاصة للتعامل مع صوماليلاند”.
والجدير بالذكر أن هناك مجموعة من الدول تتعامل مع أرض الصومال بشكل مباشر منها بعض الدول الأوربية مثل السويد والمملكة المتحد والمانيا، بالإضافة إلى دول أفريقية وأسيووية ومنها إثيوبيا التي فتحت قنصليتها في هرغيسا، الا أن هذه الدول لا تعترف بأرض الصومال كدولة مستقلة وذات سيادة.
مسوغات الانفصال لدى أرض الصومال
تستند مطالبة أرض الصومال بالاستقلال في المقام الأول إلى الملكية التاريخية – تاريخها الاستعماري المنفصل، وتقدمها في الحصول على الاستقلال من بريطانيا على استقلال جنوب الصومال من إيطاليا في عام 1960، و أنها دخلت طواعية في اتحادها مع جنوب الصومال بعد استقلاله من إيطاليا في قانون الاتحاد لعام 1960. وعليه فإن استقلال أرض الصومال يعيد الحدود الاستعمارية للمحمية البريطانية السابقة لصوماليلاند، وبالتالي لا ينتهك مبدأ الملكية الشاملة – وهو أنه ينبغي الحفاظ على الحدود الاستعمارية السابقة عند الاستقلال -وهو ما يكرسه القانون الاستشاري للاتحاد الأفريقي. وهناك حقائق تاريخية يمكن الركون والاستناد اليها في انفصال الدول المندمجة عن بعضها البعض، وهذه لها سوابق في أفريقيا، منها على سبيل المثال: انضمت مصر وسوريا باسم الجمهورية العربية المتحدة (1958 – 1971). كانت السنغال ومالي متحدتين كإتحاد مالي (1959 – 1960). تم دمج السنغال وغامبيا في اتحاد سينامبيا (1982 – 1989). إريتريا انفصلت رسميا عن إثيوبيا في عام 1993.
يضاف الى ذلك فإن أرض الصومال لها المقومات الآساسية للدولة مثل: السكان الدائمون، الإقليم المحدد، والحكومة الفاعلة، وهي تجعلها مؤهلة للاعتراف والاستقلال عن جمهورية الصومال الفدرالية.
التحديات الداخلية
هناك تحديات داخلية تقف حجر عثرة في طريق البحث عن الاعتراف ولايمكن تجاوزها بسهولة، ولعل أبرز تلك العقبات كون رغبة الانفصال منحصرا في عشائر “اسحاق” ذات الأغلبية في أقاليم الوسط في الشمال، كما تعارض عشائر “هرتي دارود” ذات الأغلبية في محافظتي سول وسناغ المتنازع عليهما بين إدرتي أرض الصومال وبونت لاند الانفصال، إضافة الى عشيرة “سمرون” وان كانت تشترك الانتماء القبلي مع عشائر أسحاق، الا أنها تعارض أيضا الانفصال، يضاف الى ذلك رفض بعض عشائر اسحاق وخاصة تلك القاطنة في محافظة توغطير.
ومهما يكن من أمر فإن مسألة محافظتي سناغ وسول هي أكبر صعوبة تقف أمام الانفصال خاصة بعد المعارك التي جرت مؤخرا في منطقة توكا راق بين قوات أرض الصومال وبونتلاند، وستظل كذلك طالما تهيمن عشيرة اسحاق على المشهد السياسي في أرض الصومال وتتهمها العشائر الأخرى بالاستحواذ على المناصب الحساسة في الإدارة وتستـأثر لنفسها الموارد الاقتصادية المحدودة للإقليم.
التحديات الخارجية
على الرغم من الاهتمام الذي حظيت بالانتخابات الرئاسية في الادارة الانفصاليه والانجازات التي حققتها في مجالي الأمن والاستقرار السياسي، اضافة الى التقدم الذي احرزته في التنمية الاقتصادية، الا أن دولة من دول العالم لم تعترف بها كدولة مستقلة. ويعتقد بعض الخبرء أن الإتحاد الأفريقي كان من المفترض أن يكون أول جهة تعترف بالدولة الانفصالية، إلا أن الكتلة تخشى أن يشجع الاعتراف الرسمي بها الحركات الانفصالية الأخرى في القارة مثل إقليم “بيافرا” بنيجيريا أو الصحراء الغربية للمغرب على المطالبة بالمثل. منذ إنشاء هذا التكتل القاري في عام 1963 لم يكن هناك سوى تغيرين حدوديين معترف بهما على نطاق واسع في أفريقيا: انفصال إريتريا من إثيوبيا في عام 1993 واستقلال جنوب السودان في عام 2011.
وهناك تحديات أخرى تواجه الانفصال، ومنها -حسب بعض المحللين- فإن الاعتراف بأرض الصومال تشكل صعوبة على الاتحاد الأفريقي، حيث يكون للقومية الصومالية ثلاث مقاعد في منظمة إيغاد والاتحاد الأفريقي مثلا، متمثلة في جيبوتي والصومال وأرض الصومال، إضافة الى أن أزمة انفصال جنوب السودان عن الشمال لايزال صداه يتردد على أسماع دول العالم العربي والإسلامي.
المفاوضات بين الحكومة الفدرالية وأرض الصومال
شهدت مفاوضات بين الحكومة الفيدرالية في مقديشو وإدارة أرض الصومال الانفصالية، ومرت هذه المفاوضات بمراحل مختلفة. يُعتبر لقاء شريف شيخ أحمد الرئيس الصومالي الأسبق، وأحمد سيلانيو رئيس صوماليلاند السابق في دبي في يونيو / حزيران 2012 أول لقاء يجمع الجانبين منذ إعلان صوماليلاند انفصالها في مايو /أيار 1991. وكانت أرض الصومال ترفض مجرد اللقاء مع أي طرف صومالي قبل الاعتراف باستقلالها كشرط مسبق؛ لذا اعتبر مجرد قبول الجلوس والتفاوض مع الحكومة الفيدرالية بحد ذاته موقفًا متقدمًا. وانطلقت المفاوضات بين الطرفين بُعَيد مؤتمر لندن للصومال في فبراير /شباط 2012، وكان قادة الدول المشاركة للمؤتمر قد شجعوا الطرفين على بدء مفاوضات بينهما.
وجرت عدة جولات من المفاوضات بين الطرفين في ظل رئاسة شريف شيخ أحمد وحسن شيخ محمود عقدت في كل من الإمارات العربية المتحدة وجيبوتي وتركيا، لكن المفاوضات بينهما لم ترق إلى مستوى مناقشة القضايا المصيرية والجوهرية، وبالتحديد قضية الوحدة والانفصال. وتوقفت المفاوضات بين الجانبين في عام 2015. ومنذ وصول فرماجو إلى رئاسة الجمهورية في الثامن شهر فبراير عام 2017 لم تتم استئناف المفاوضات، على الرغم من أن فرماجو أعلن عن رغبته في استئنافها. ومن جانبه قال وزير الخارجية في حكومة أرض الصومال سعد علي شرى إن أرض الصومال منفتحة على التعاون مع الصومال فيما يتعلق بقضايا مكافحة الإرهاب والأمن الغذائي، كما شدد على ضرورة اتفاق الطرفين على “الاعتراف المتبادل بينهما كدولتين إفريقيتين منفصلتين عن بعضهما البعض.”
مآلات المباحثات
يشير بعض المحللين إلى صعوبة انطلاق جولة جديدة من المفاوضات بين الحكومة الفيدرالية وإدارة أرض الصومال، بسبب توسع هوة الخلاف والتوتر بين الطرفين، منذ انتخاب فرماجو رئيسا لجمهورية الصومال في شهر فبراير من عام 2017. وتفاقمت العلاقة بين الجانبين تدهورا، عندما بعث وزير التخطيط والاستثمار والتنمية الاقتصادية في الحكومة الفيدرالية الصومالية جمال حسن محمد في شهر يونيو عام 2018 رسالة إلى الدول الداعمة لأرض الصومال رفضت فيها الحكومة تجديد نظام دعم أرض الصومال بشكل منفصل عن باقي الأراضي الصومالية والذي بدأ عام 2013. وأكد بيان مشترك لمجلس تعاون الولايات الإقليمية تأييده لموقف الحكومة الصومالية من المساعدات المقدمة إلى أرض الصومال. وهذا الموقف الذي اتخذته الحكومة الفيدرالية يؤثر سلبا على الجهود الرامية إلى حلحلة الخلاف بينها وبين إدارة أرض الصومال الانفصالية، كما يمكن أن يؤدي إلى تأخر استئناف المفاوضات. وردا على موقف الحكومة تجاه قطع المساعدات الدولية من أرض الصومال حذر نواب في مجلسي الشعب والشيوخ للبرلمان الفيدرالي الصومالي من التأثيرات السلبية التي قد تترتب على إيقاف المساعدات التي يقدمها المجتمع الدولي إلى أرض الصومال الانفصالية. وأعرب النواب الذين ينحدرون من أرض الصومال بعد اجتماعات عقدوها في مقديشو في شهر يونيو 2018 عن استيائهم من اتفاق الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات الإقليمية على وقف المساعدات التي يقدمها العالم إلى أرض الصومال. وقالت نورة فارح جمعالي النائبة في مجلس الشيوخ: “إن دعوة الولايات الإقليمية إلى قطع المساعدات التي يقدمها المجتمع الدولي إلى أرض الصومال تؤدي إلى عواقب وخيمة وتفكك الصومال، أعتقد أنها تجعل حل قضية أرض الصومال أكثر صعوبة”.
أما المانحون وشركاء الصومال الدوليون فردوا كذلك على موقف الحكومة الفيدرالية الصومالية الذي رفضت بموجبه تجديد اتفاقية الترتيب الخاص لمعاملة المجتمع الدولى مع أرض الصومال. وقال الشركاء الدوليون فى بيان صدر فى الـ 13 يونيو الجارى إن وضع أرض الصومال مختلف بعدة طرق عن بونتلاند والولايات الأخرى التى تقع في جنوب ووسط الصومال، مؤكدين أنه من الضروري والمرغوب فيه لمصلحة جميع الصوماليين، ضمان استمرار الترتيبات التي عملت بشكل جيد منذ عام 2013م. وطالب الشركاء والمانحون من الحكومة الفيدرالية الصومالية بعدم اعتراض استمرار هذا الترتيب لأرض الصومال، وعدم تسييس المساعدات الموجهة للشعب الصومالى.
مستقبل الانفصال الى أين؟
يرى بعض المراقبين المراقبين من بينهم سياسيون ونواب ينحدون من أرض الصومال أن الانفصال مجرد حلم صعب المنال، خاصة وأن التطورات الأخيرة في الإقليم الصومالي في إثيوبيا (الصومال الغربي) تحمل في طياتها مؤشرات احتمالية استقلال الإقليم من إثيوبيا، وذلك بعد أن تم تغيير اسم الإدارة إلى “الإقليم الصومالي” فقط بحذف “إثيوبيا” من الاسم الرسمي للإقليم، بالإضافة إلى تغييرات في العلم والأغنية الوطنية تعكس انتماء سكان الإقليم للقومية الصومالية، وهذا التطور الأخير فسره بعض المحللين بأنه بداية أمل وحدة ما كان يعرف بالصومال الكبير؛ الذي قسمه الاستعمار إلى خمسة أجزاء. والأمر الآخر الذي يجعل حلم الانفصال مطلبا صعبا تطورات الأوضاع السياسية في منطقة القرن الأفريقي، وخاصة في إثيوبيا في ظل حكم رئيس الوزراء الحالي الدكتور أبي أحمد علي؛ الذي يسعى إلى تصفير مشاكل أديس أبابا مع دول الجوار، مما يؤثر على علاقة أرض الصومال بإثيوبيا.