أحلام وطموحات عريضة يعلقها الصوماليون على الانضمام لتكتل شرق إفريقيا
الصومال الجديد
آخر تحديث: 31/01/2023
القاهرة: صفاء عزب
وصول 50 خبيرا من دول شرق إفريقيا برئاسة البوروندية تيري ماري روز إلى الصومال مؤخرا لتقييم وضعيته وأهليته للانضمام إلى التكتل الاقتصادي الكبير في شرق القارة السمراء، كان من أهم الأخبار التي تصدرت المواقع والنوافذ الإعلامية والخبرية الصومالية لما يحمله الخبر من تباشير ورسالة طمأنة للشعب الصومالي باقترابه من تحقيق حلم الانضمام إلى هذا التكتل الإفريقي المهم حيث يعد هذا الاجتماع ختاما لشروط انضمام الصومال إلى مجموعة دول شرق إفريقيا بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الصومالية. وفي هذا الإطار أكد وزير الدولة بوزارة الخارجية الصومالية، علي محمد عمر، إن الاجتماع هو ختام لشروط انضمام الصومال إلى مجموعة دول شرق إفريقيا، مشيرا إلى أن الانضمام مهم للشعب الصومالي فيما يتعلق بتسهيل نقل البضائع بين بلدان المجموعة مما سيعزز اقتصاد البلاد.
وكانت العاصمة مقديشو قد شهدت بدء انطلاق المؤتمر الخاص بعملية التحقق من متطلبات انضمام الصومال إلى التكتل الاقتصادي في شرق إفريقيا، والذي من المقرر أن يستمر لمدة عشرة أيام بمشاركة خبراء ممثلين لمظلة مجموعة دول شرق إفريقيا إلى جانب لجنة فنية صومالية.
تأتي هذه الخطوة تتويجا للإجراءات التي تمت على مدار الفترة الماضية للتأكد من جدارة العضوية الصومالية وذلك بناء على طلب الصومال الانضمام لمجموعة شرق إفريقيا. وكان الصومال قد تقدم بطلب الانضمام للتكتل الإفريقي أكثر من مرة كان آخرها العام الماضي عندما قدم الرئيس حسن شيخ محمود طلبا جديدا في يوليو 2022 خلال قمة EAC في تنزانيا حيث تمت دعوته كضيف خاص. يذكر أن الصومال أعرب عن رغبته في الانضمام إلى مجموعة دول شرق إفريقيا حرصا منه في المساهمة بشكل إيجابي في الكتلة من خلال الأعمال التجارية والزراعي ة وما يتمتع به من مزايا اقتصادية مهمة في مختلف القطاعات الصومالية.
من جانبها أعلنت مجموعة دول شرق إفريقيا عن بدءعملية التحقق لتقييم استعداد الصومال للقبول في التجمع الإقليمي وأن الزيارة جاءت لتحديد مستوى توافق البلاد مع معايير القبول في التكتل، حيث يقوم كبار المسئولين من كينيا وجنوب السودان ورواندا وبوروندي وأوغندا وتنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بتقييم الأطر القانونية والسياسات واستراتيجيات التنمية والبنية التحتية والسلام والأمن في الصومال.
جدير بالذكر أن مجموعة شرق أفريقيا ( EAC) هي منظمة حكومية دولية إقليمية تأسست عام 1967 وحلت عام 1977 وأعيد تأسيسها في 7 يوليو 2000. وفي عام 2005، قامت دول التكتل بالتوقيع على بروتوكول «الاتحاد النقدي»، والسوق المشتركة، وإنشاء اتحاد جمركي، وتوقيع بروتوكول آخر في مجال الدفاع والأمن الإقليميين. وتضم المجموعة سبعة دول واقعة في منطقة البحيرات الكبرى في شرق إفريقيا وهي: بوروندي وكينيا ورواندا وجنوب السودان وتنزانيا وأوغندا وجمهورية الكونغو الديموقراطية، والتي تعد هي آخر دولة انضمت لهذا الكيان عام 2022. ويقع المقر الرئيس لمجموعة دول شرق إفريقيا في مدينة أروشا في تنزانيا، ويبلغ عدد سكان مجموعة دول شرق أفريقيا 300 مليون نسمة، بينما يبلغ إجمالي مساحة دول التجمع نحو 1.820.000 كيلومتر مربع. وتُظهر البيانات الصادرة عن أمانة المجموعة، أن التجارة البينية داخل الكتلة الإقليمية تسير في مسار تصاعدي؛ حيث بلغت 10.17 مليار دولار أميركي بحلول سبتمبر 2022. ووفقا لإحصائية عام 2019 بلغ إجمالي الناتج المحلي 193 مليار دولار أمريكي. ولهذه المقومات التي تتمتع بها المجموعة فهي تحمل أهمية كبرى تتضمن أيضا الأهمية الاستراتيجية والجيوسياسية الحيوية، حيث يطل إقليم شرق إفريقيا على أحد أهم ممرات الملاحة الدولية في العالم وهو البحر الأحمر، الذي يُعد حلقة الوصل بين القارات الثلاث: آسيا وإفريقيا وأوروبا؛ بربطه بحر العرب، والمحيط الهندي، وخليج عدن، ومضيق باب المندب بقناة السويس الممر المائي الاستراتيجي الذي تمر منه 12% من التجارة العالمية و30%من حركة الحاويات الدولية.
كما يكتسب تكتل شرق إفريقيا أهمية كبرى بفضل بعض المزايا التي تتمتع بها دوله، حيث تضم فيما بينها اقتصادات ثلاثة دول من أصل 10 اقتصادات الأسرع نمواً في العالم خلال عام 2020، وهي؛ رواندا، وإثيوبيا، وتنزانيا.. إلى جانب ما تتمتع به دول إقليم شرق أفريقيا من ثروات وموارد طبيعية، تشمل احتياطات هائلة من النفط، والغاز، والزنك، والنحاس، والفضة، والذهب، واليورانيوم، والهيدروكربونات.
يضاف إلى كل ما سبق من مزايا، نجاح تكتل شرق إفريقيا في إدراك أهمية القوانين التظيمية والسياسات التي تسهل عمل الشركات، ونجحت في خلق بيئة تنظيمية تواجه البيروقراطية التي تعيق الشركات. وتعتبر رواندا وكينيا من أكثر الدول الإفريقية من حيث السهولة في ممارسة الأعمال والأنشطة التجارية. كما تمتلك دول شرق إفريقيا قطاعي خدمات وسلع محلية قويين.
لا شك أننا نعيش في عالم تتسيده التكتلات الكبرى خاصة تلك التكتلات ذات الطبيعة الاقتصادية التي تحقق مصالح مشتركة لملايين الشعوب التي تنطوي تحت لوائها ولا سيما بعد أن أصبح الاقتصاد هو عصب الحياة. وتزداد الأهمية لهذه التكتلات في القارة الإفريقية باعتبارها بحاجة إلى تكتل اقتصادي قوي يحقق التكامل ويساعد على الاستفادة من المزايا النسبية لأعضائه بما يسهم في انتعاش الشعوب ورفع مستوى معيشتهم.
وتزداد أهمية لانتماء لمجموعة شرق إفريقيا كجسر للتواصل مع منظمات أخرى مهمة حيث توجد مبادرة ثلاثية لاتفاق التجارة الحرة بين السوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقي ومجموعة شرق إفريقيا ومجموعة تنمية الجنوب الإفريقي، والتي تعد تمهيدا لاتفاق منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وهو ما يعني خلق أسواق واسعة وواعدة مع حركة الانفتاح على سكان مختلف أرجاء القارة وكذلك إتاحة الفرصة لاستثمارات كبرى بمزايا كثيرة منها العمالة الرخيصة والمواد الخام والأراضي الشاسعة والموارد المتنوعة. وهو ما يدفع مقديشو للحرص على تعزيز تعاونها الاقتصادي والتجاري معه وتعظيمه بالانضمام إلى هذه المجموعة.
على جانب آخر تسعى مجموعة شرق إفريقيا إلى التحرك في اتجاه التكامل الاقتصادي من خلال بعض الإجراءات التي يتم اتخاذها في هذا الشأن، حيث أعلن الأمين العام لمجموعة شرق أفريقيا (EAC) بيتر ماثوكي، عن إنشاء معهد النقد لشرق إفريقيا (البنك المركزي لشرق أفريقيا)، الأمر الذي يعد خطوة جيدة، وكان ماثوكي قد كشف في تصريحات صحفية عن أنه من المتوقع أن يحدد مجلس وزراء المجموعة موقع البنك هذا العام، وأن تبدأ المؤسسة عملها بما يسمح بتنسيق السياسات المالية والنقدية للدول الأعضاء، والتوصل في غضون 3 سنوات تقريباً لعملة موحدة للدول الأعضاء. وتمثل العملة الموحدة الركيزة الثالثة لتكامل المجموعة، بعد إنشاء الاتحاد الجمركي وبروتوكول السوق المشتركة. ومن المتوقع أن تساهم العملة الموحدة في تسهيل الأعمال وحركة الأشخاص داخل المنطقة، ما يساهم في تحقيق هدف الكتلة في تحقيق الأهداف المقررة في بروتوكول السوق المشتركة.
إن هذه التطورات العظيمة التي تشهدها المجموعة كفيلة بأن تزيد من حماس الصومال وإصراره على المضي قدما نحو الانضمام إليها والحرص على تحقيق الشروط والمعايير المطلوبة لتحقيق هذا الحلم المهم. من هذا المنطلق تتعلق مصالح الصومال كثيرا بقبول انضمامه إلى تكتل شرق إفريقيا وهو ما يتوقف على تقرير لجنة الخبراء الموجودين حاليا في العاصمة مقديشو. لكل ذلك فإن الإدارة الصومالية الحالية تولي اهتماما كبيرا بهذا الأمر منذ تولى الرئيس حسن شيخ محمود الرئاسة، وهو يبذل جهودا حثيثة من أجل زيادة أسهم بلاده الداعمة لانضمامها لمجموعة شرق إفريقيا بعد تقدمه بطلب الانضمام خلال اجتماعه بالمجموعة في تنزانيا في شهر يوليو الماضي. ومن أجل ذلك قام بتعيين مبعوث خاص للمجموعة في أغسطس الماضي للترويج لبلاده وإدارة حملة لدعم موقفها في أوساط مجموعة شرق إفريقيا، حيث تم اختيار عبد السلام عمر هدليه المعروف بخبرة ومعرفة ومهارات في الدبلوماسية والعلاقات الدولية، حيث كان قد ترأس العديد من المنظمات الوطنية والدولية، وشغل منصب وزير الخارجية والتعاون الدولي في الحكومة الفيدرالية الصومالية ومحافظ البنك المركزي الصومالي، بما يمكنه من تحقيق رؤية الحكومة الصومالية في المهمة الموكلة إليه.
ويمتلك الصومال مقومات كبيرة وهائلة تؤهله لتحقيق العديد من المعايير التي يتطلبها الانضمام للتكتل الإفريقي الكبير في شرق القارة، من أراضي شاسعة خصبة وسواحل مترامية الأطراف وكنوز طبيعية وموارد اقتصادية مهمة وثروة حيوانية قابلة للزيادة مع الاهتمام بتوفير البيئة المناسبة ومعالجة مشكلات الجفاف. وربما تبدو المشكلة الأمنية هي العقبة الوحيدة التي تثير مخاوف دول التحالف الذين أرسلوا مبعوثيهم مؤخرا للصومال لتقييم استعداده للانضمام إلى مظلة مجتمع شرق إفريقيا. ومع ذلك فإن تصريحات الأمين العام للمجموعة الدكتور بيتر ماثوكي بأن المجموعة يمكنها الاستفادة من الساحل الصومالي لتعزيز التجارة وأنهم مستعدون للترحيب بانضمام الصومال إلى مجموعة شرق إفريقيا يثلج الصدور ويشي بارتفاع احتمالات قبول الصومال للانضمام خاصة عندما ألمح ماثوكي إلي أن التحديات الأمنية التي تواجه الصومال يمكن إدارتها في إطار مجموعة شرق إفريقيا لجعل الكتل الإقليمي مركزا سياحيا في القارة.
وكان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود قد أكد مطلع الشهر الجاري على حرص الدولة الفيدرالية خلال عام 2023 على تحقيق عدة ملفات مهمة تتمثل في تحرير البلاد من الإرهابيين، واستكمال الدستور المؤقت، وتحقيق المصالحة الوطنية، وتقديم الخدمات الاجتماعية، واستكمال عملية الإعفاء من الديون. كما أكد على سعيه للقضاء كليا على الخلايا الإرهابية وأن الحكومة تخطط لتسلم زمام الأمن بحلول نهاية ديسمبر 2024 . وقد تأكد صدق التعهدات الصومالية بما تشهده البلاد حاليا من مواجهات شرسة ومعارك قوية وحاسمة ضد قوى العنف وجماعات الإرهاب والنجاح في تصفيتها واسترداد العديد من المواقع. وفي وقت سابق أقامت الإدارة الصومالية مؤتمرا دوليا فريدا من نوعه في مقديشو حول فرص الاستثمار المتاحة للمستثمرين الأجانب وسبل جذب الاستثمارات الخارجية والتشجيع على زيادتها، ما يعني أن الصومال عازم بكل جدية على تحقيق التقدم والتنمية والعمل لتحقيق نهضة البلاد والشعب بما يؤهله للنجاح بجدارة في أي شراكة يدخلها بما في ذلك مجموعة دول شرق إفريقيا وهو ما تثبته الفترة القادمة.