آمال في خروج السوادن من الصراعات السياسية والأزمات الاقتصادية
الصومال الجديد
آخر تحديث: 25/03/2023
القاهرة: صفاء عزب
يترقب السودانيون في كل مكان ما يشهده يوم الأول من إبريل القادم لجني أولى ثمار ما أسفر عنه اجتماع الآلية السياسية المعنية بصياغة الاتفاق النهائي في السودان والإعلان عن قرب تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي وموعد الاتفاق السياسي النهائي والتوقيع على الدستور الانتقالي وكلهم آمال كبيرة في حل أزمة بلادهم السودان السياسية نهائيا.
بعد مرور شهور طويلة بل وسنوات على قيامهم بالثورة التي أطاحت بنظام البشير، أصبح السودانيون قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلم الحكم المدني والاستقرار السياسي والعودة للمناخ الهادئ الذي يساعد على العمل والتنمية ورفع مستوى المعيشة. ولكن كلما بدا هذا الحلم قريبا، سرعان ما تبدد مع غيوم الخلافات والصراعات السياسية الدائمة والمتجددة بين القوى السياسية المختلفة التي تتصدر المشهد السياسي بالسودان وسط اتهامات متبادلة بين الأطراف تعكس حالة من عدم الثقة والخوف من وأد الثورة في مهدها بعودة سيطرة العسكريين على الحكم وذلك على الرغم من تأكيد القيادات العسكرية السودانية على العمل على تأسيس الحكم المدني في بلادهم.
اتفاق سياسي نهائي، ودستور جديد وحكم مدني هي أهم المطالب السياسية للشعب السوداني والتي يكافح من أجلها على مدار الفترات الماضية وراح ضحية الدفاع عنها كثير من الأبرياء خلال المظاهرات والاحتجاجات التي سيطرت كثيرا على المشهد في أكثر من مرحلة بعد اندلاع الثورة وقبلها أيضا. وقد بات السودانيون على أعتاب هذا الحلم بعد الاتفاق الأخير بين القوى السياسية والذي ثمنته أطراف دولية وأشاد به المجتمع الدولي باعتباره بداية لمرحلة جديدة تلبي أهداف الثورة وحلم القوى الثورية نحو الديمقراطية.
من المنتظر في الأول من إبريل القادم أن يتم توقيع الاتفاق السياسي التاريخي ثم التوقيع على الدستور الانتقالي بعده بعدة أيام قبل أن تصل البلاد لتشكيل حكومة مدنية انتقالية يوم الحادي عشر من نفس الشهر. وقد تم تحديد هذه المواعيد خلال اجتماعين شهدهما مؤخرا القصر الرئاسي بالسودان بين القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري وكل من رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان ونائبه قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دجلو حميدتي وبحضور ممثلين عن الآلية الدولية الثلاثية واللجنة الرباعية الدولية.
وقد تمخض الاتفاق عن بعض النتائج بحسب ما أعلن خالد عمر يوسف المتحدث الرسمي باسم العملية السياسية، حيث أفاد بأن الأطراف المجتمعة أجازت تكوين لجنة لصياغة الاتفاق النهائي تتكون من 11 عضوا منهم 40% نساء و9 مدنيون واثنان من العسكريين وهم الذين توكل إليهم مهمة إعداد النسخة الأولية من الاتفاق خلال أسبوع. ووفقا لما كشفه المتحدث الرسمي في تصريحات فإن صياغة الاتفاق تستند إلى أربع مرجعيات هي الاتفاق الإطاري والإعلان السياسي وتوصيات مؤتمرات قضايا الانتقال الخمس ومسودة الدستور الإنتقالي. كما يتزامن تشكيل المجلس التشريعي مع تشكيل الحكومة تجنبا لأخطاء الماضي وبناء نموذج ديمقراطي.
ولا شك أنها نتائج مهمة تحمل رسالة طمأنة للقوى الثورية والشعب السوداني كله بالتحول الديمقراطي ولكنها لم تكن رسالة كافية لأطراف أخرى رافضة لهذا الاتفاق بما يعكس عدم التوافق واستمرار الخلافات بل والصراعات الكامنة في خلفيات المشهد.
فعلى الرغم من حالة التفاؤل الدولي التي أثارها الإعلان عن هذه الاستحقاقات المرتقبة خلال الأيام المقبلة، إلا أن هناك معارضة كبيرة من جانب بعض الأطراف المحسوبة على القوى الثورية وهي تلك المعروفة بقوى الثورة غير الموقعة على الاتفاق الإطاري والتي رفضت المشاركة في الاجتماعين المشار إليهما.
لقد سادت حالة من عدم الرضا بين بعض القوى السياسية السودانية، حيث رفض ائتلاف الكُتلة الديمقراطية، اتجاه القوى المدنية والعسكرية الموقعة على الاتفاق الإطاري لتشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي الشهر المقبل، وهدد بإسقاط ما أسموهم بالمجموعات الساعية للسيطرة على القرار السياسي.
وعلى الرغم من تشديد البرهان على تسليم حكم البلاد لحكومة مدنية مع التأكيد على ضرورة قوى سياسية حقيقية غير مزيفة وفق تعبيره ومدركة لهموم المواطن وتطلعات الشعب، فإن حالة من عدم الثقة لدى بعض السياسيين تحول بين التوافق العام بالسودان، ووجه قياديون من الكتلة الديمقراطية الاتهام لمجموعة المركزي باختطاف القرار السياسي والابتعاد عن التحول الديمقراطي الحقيقي.
من جانبه وصف عضو الهيئة القيادية العليا في تحالف الكتلة الديمقراطية عبد العزيز عُشر ما تم مؤخرا في الاتفاق الإطاري بأنه صفقة خاسرة ستنتهي لتكوين حكومة أقليات تقود البلاد إلى مزيد من الاختلال والأزمات وأعرب عن رفضه له مشيرا إلى أن ما أسماهم “المجموعة الصغيرة المتحالفة مع العسكر” يعملون على تكوين حكومة ستكون هي الأفشل في تاريخ السودان على حد وصفه. وأعرب عن الشكوك العميقة لدى بعض السودانيين في تصريحات القيادات العسكرية المطمئنة وقال في تصريحات معلنة أن هناك محاولات لإخراج دستور تم الاتفاق عليه في الخفاء وفرضه على الشعب مع نية مبيتة لتمديد الفترة الانتقالية لأجل غير محدود، وأنه لا أمل في أن تكون هناك انتخابات في ظل وجود مجموعة لا هدف لها غير الجلوس في كراسي السُلطة.
لاشك أن استمرار الخلافات بين القوى السياسية يؤدي إلى تعقيد الأمور ويحول دون الوصول لمرحلة جني ثمار الثورة كما يعرض البلاد لضغوطات شديدة وخطيرة لا سيما في ظل الازمات الاقتصادية الطاحنة التي تعصف بالمواطنين على مدار سنوات طويلة.
إن السودان يعاني من أزمات كثيرة متشابكة زاد من آثارها استمرار تطبيق العقوبات الاقتصادية والحظر الموقع عليه من قبل المجتمع الدولي، ولذلك فهو ليس في حاجة إلى مزيد من الأزمات بل يحتاج إلى مساهمة كل أبنائه في العمل على تخفيف الأعباء والعبور بالبلاد إلى بر الأمان وتجاوز الأهداف الشخصية والغايات الخاصة إلى مصالح البلاد العليا. لقد كشف رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتس، أن خلافات بعض المعارضين مع موقعي الاتفاق الإطاري، تتعلق بضمان تمثيلهم في السُّلطة، مشيرا إلى الحاجة إلى جهود جماعية من المجتمع الدولي لدعم الحكومة المقبلة لمعالجة القضايا الرئيسية مثل معالجة الأسباب الجذرية للصراع وتنفيذ الترتيبات الأمنية وتحسين حياة السودانيين والتحضير لانتخابات حرة ونزيهة. وأفاد المسؤول الأممي أن إصلاح قطاع الأمن ودمج القوات يُعد من العناصر الأكثر حساسية في العملية السياسية. إلى جانب ذلك فإن الحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها ستواجه تحديات كبيرة سياسية واقتصادية خاصة ما يتعلق بقضايا العدل والديمقراطية وحقوق الانسان، وكلها قضايا شائكة بالنسبة لمجتمع يسعى لتحقيق الاستقرار وجني ثمار مرحلة ما بعد الثورة.
إن الشعب السوداني يمتلك العديد من الكنوز في أراضيه الخصبة وثرواته البيئية كما يحظى بمقدرات ومقومات جيدة لاقتصاد ناهض وصاعد لولا الصراعات السياسية على تقاسم السلطة وتصارع نشطاء الثورة مع القيادات العسكرية وتحولهم في بعض الأحيان إلى فرقاء يسلبون الثورة مكاسبها ويرتدون بالبلاد إلى عصور أسوأ.
يحتاج السودان إلى دعم دولي وفك للحظر الاقتصادي المفروض عليه لمساعدته على العبور إلى مرحلة الانتقال بعد الاتفاق ودعم أولويات الحكومة المتوقعة. كما يحتاج بشكل أكثر إلحاحا إلى تضافر الجهود والتعاون القائم على التوافق في الموافق بين أبناء الوطن وتوحد الفرقاء حتى لا يتحولوا إلى خصوم متصارعة تعوق الاستقرار والتنمية. كما تأتي المهمة الأكبر على عاتق القيادات العسكرية في ضرورة الوفاء بالوعود التي قدموها للشعب نحو تحقيق الديمقراطية وإتاحة الفرصة لقيام الحكم المدني ولتكن هناك فترة من التهدئة لإعطاء الفرصة للقائمين على العملية السياسية للعمل وإثبات الجدارة ثم يتم التقييم والمحاسبة بعد ذلك وهو ما يستوجب التحلي بروح الثقة المتبادلة والنظرة المستقبلية الأبعد وعدم الاقتصار على النظرة القريبة الضيقة وتغليب المصلحة العامة على الأهداف الخاصة حرصا على سلامة الوطن.