واقعية إجراء انتخابات عامة في الصومال
الصومال الجديد
آخر تحديث: 21/12/2019
نشر في موقع بعثة الأمم المتحدة في الصومال في 19 ديسمبر 2019 بيان مشترك أصدرته بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال “أميصوم” وكندا والدنمارك وإثيوبيا والاتحاد الأوروبي وفندلندا وفرنسا وألمانيا ومنظمة الإيغاد وإيطاليا وكينيا والنرويج والسويد وسويسرا والمملكة لمتحدة والأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، وحدد البيان البنود التي يجب الالتزام بها في الاتنخابات الفيدرالية الصومالية المتوقع إجراؤها في البلاد في 2020/2021.
ودعا شركاء الصومال أولا إلى احترام الدستور وإجراء الانتخابات في موعدها، رافضين التمديد للحكومة أو البرلمان الفيدراليين، ومطالبين بضمان حصول الصوماليين على التمثيل العادل ومنح فرصة للشعب في اختيار ممثليه في انتخابات “صوت واحد لشخص واحد”، ومنح دور للاحزاب السياسية وضمان حصول المرأة الصومالية على 30% من نواب البرلمان القادم، وكذلك مشاركة معقولة للنازحين في الداخل في الانتخابات القادمة التي دعو إلى أن تكون تحظى بدعم أصحاب المصلحة السياسية وأن يمكن إجراؤها بالنزاهة والشفافية وتوفير الموارد الاقتصادية لها وأن تسفر عن انتخاب قيادة تتمتع بالشرعية والحفاظ على ولاية اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وطالب الشركاء الدوليون في بيانهم البرلمان الفيدرالي بغرفيته على المصادقة على قانوني الانتخابات والأحزاب قبل نهاية ديسمبر الجاري.
وقد ردت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات على بيان الشركاء الدوليين بخصوص الانتخابات الصومالية القادمة، وقدمت في بيان لها شكرها إلى الأسرة الدولية على دعمها للجنة ولعملية الانتخابات، وأشار البيان إلى أن اللجنة جهزت الأعمال الفنية الضرورية للانتخابات، وشدد على أهمية المصادقة على قانون الانتخابات المطروح أمام مجلس الشعب في موعده، وأن يكون النموذج الانتخابي الذي تتم المصادقة عليه نموذجا يمكن تنفيذه، وموافقا للدستور وقانون الأحزاب ومحترما لحقوق الصوماليين سواء كانوا مرشحين أو ناخبين، ودعا البيان إلى عدم تحميل اللجنة مسئئوليات لا تقدر على النهوض بها مثل تحديد المناطق التي تجري فيها الانتخابات والحفاظ على حصة المرأة، وطالب البيان بأن لا يكون نموذج الانتخابات مؤديا إلى خلافات أو صراعات وأن يكون محافظا على وحدة الصومال أرضا وشعبا وأن يضمن حقوق الشباب وذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا يوجد ممثلون لهم في البرلمان الحالي ، داعيا إلى منح فرصة للجنة في اختيار نوع تسجيل الناخبين الذي يتماشى مع الظروف التي تشهدها البلاد.
وليس إصدار شركاء الصومال البنود التي يجب أن تلتزم بها الحكومة الصومالية في الانتخابات القادمة بمستغرب لدى المتابعين للشأن الصومالي رغم وجود مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية في البلاد، فإن الصومال وإن خرج من المرحلة الانتقالية في عام 2012 الذي تم فيه تشكيل أول حكومة رسمية للبلاد منذ انهيار الدولة الصومالية في مطلع عام 1991، إلا أنه لا يتمتع بمؤسسات دولة فاعلة حتى الآن، فما زال يعتمد في الأمن على القوات الإفريقية كما يعتمد على المساعدات المالية التي يحصل عليها من المانحين الدوليين، الأمر الذي يجعل دور المجتمع الدولي مهما في الانتخابات الصومالية القادمة، خاصة في ظل الأزمة السياسية التي تخيم على البلاد، حيث إن الحكومة الفيدرالية وحدها ليست على قادرة على التحضير للانتخابات إذ أن سلطتها محدودة بالإضافة إلى الخلافات الحادة بينها وبين بعض الولايات الإقليمية والأحزاب السياسية المعارضة، ومن هنا بدأ مبعوث الأمم المتحدة إلى الصومال جيميس سوان وسفراء الدول المؤثرة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة خلال الأسابيع الماضية تحركات تهدف إلى حلحلة الأزمة السياسية في البلاد لئلا تؤثر على انعقاد الانتخابات القادمة وقامت تلك الجهات بزيارات لعواصم الولايات الإقليمية ولقاءات مع مسئولي الحكومة الصومالية والأحزاب المعارضة لإزالة العقبات التي تواجهها الانتخابات المقبلة.
لكن الغريب دعوة شركاء الصومال غير الواقعية إلى إجراء “انتخابات صوت واحد لشخص واحد” في الصومال رغم العقبات الكبيرة التي تجعل تحقيق ذلك مهمة شبه مستحيلة نظرا للوقت القليل المتبقي من الانتخابات القادمة والظروف الأمنية والسياسية التي تشهدها البلاد، ولا يخفى الاهتمام الخاص الذي يعطيه مبعوث الأمم المتحدة جيمس سوان لقضية إجراء انتخابات عامة في البلاد وكذلك التنسيق بين مكتبه وبين اللجنة الوطنية للانتخابات في هذا الصدد، فقد عقد في مقديشو في 17 من ديسمبر الجاري اجتماع ترأسه كل من اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات ومكتب بعثة الأمم المتحدة وشارك فيه المانحون الدوليون وبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال لمناقشة إجراء انتخابات عامة في البلاد، ولكن لو كانت الأمم المتحدة أو الشركاء الدوليون جادين لم يتحركوا بعد فوات الأوان حيث كانوا يتفرجون الأزمة السياسية التي كانت البلاد تعاني منها خلال العامين الأخيرين والتي تسببت في أن لا يوجد تعاون بين الحكومة وبعض الولايات مثل بونتلاند وجوبالاند كما أن العلاقة بينها وبين كثير من الأحزاب السياسية متوترة، فقد أعلن منتدى الأحزاب الوطنية المعارض الذي يتزعمه الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد قبل ثلاثة أيام انسحابه من المحادثات التي بدأها مع الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو الذي اتهمه بيان أصدره المنتدى بأنه لا يرغب في التوصل إلى حلول ترضي أصحاب المصلحة السياسية وأنه يتمسك بنظام انتخابي يتنافى مع الدستور، ومعلوم أن بعض الولايات الإقليمية لا تسمح للأحزاب السياسية بفتح مكاتب في أراضيها، والسؤال كيف يمكن إجراء انتخابات عامة تشارك فيها الأحزاب في ظل هذه العقبات كلها؟ وكيف يتم التوفيق بين الدعوة إلى انتخابات عامة والحفاظ على حصص القبائل الصومالية في البرلمان؟.
الدعوة إلى إجراء انتخابات “صوت واحد لشخص واحد” في الصومال تجاهل للواقع الذي تعيشه البلاد وربما تفكر فيه أطراف سياسية صومالية أو جهات إقليمية ودولية ترى مصلحتها في ذلك، أما تحقيق ذلك فضرب من الخيال اللهم إلا إذا حصل القائمون على التحضير للانتخابات على حلول سحرية يتجاوزون بها العقبات التي تعج بها الساحة الصومالية، فهل تقدر الحكومة الفيدرالية التي لم تنجح حتى الآن على تشكيل إدارة لولاية غلمدغ في وسط البلاد منذ منتصف العام الجاري على إجراء انتخابات في عموم البلاد في أقل من عام ؟ الأيام سوف تجيب على هذا السؤال.