حين تصبح الصومال حقل تجارب قانونية للغرب: بين أجندات التمويل وتغييب الشريعة
الصومال الجديد
آخر تحديث: 22/05/2025

بقلم: علي أحمد محمد المقدشي
شهدت الساحة السياسية الصومالية في السنوات الأخيرة ظاهرة مثيرة للقلق، تتمثل في سيل متواصل من “مشاريع قانونية” (hindise sharciyeedyo) التي تُقدَّم من قبل بعض الوزارات إلى مجلس الوزراء، ثم تُرفع إلى البرلمان، رغم تعارض كثير منها مع مبادئ الشريعة الإسلامية، التي يُفترض أن تكون المصدر الأول للتشريع في بلد يدين مطلقا سكانه بالإسلام السني.
كثير من هذه “المشاريع القانونية” لا تأتي استجابة لحاجة مجتمعية محلية أو نتيجة دراسات وطنية، بل هي في حقيقتها مشاريع مكتوبة مسبقا تتم ترجمتها الى اللغة الصومالية، تموّلها جهات أجنبية غير مسلمة، وتُسلّم كوثائق جاهزة للوزارات ضمن ما يُسمى بمشاريع “الإصلاح القانوني والمؤسسي”، مقابل تمويلات ضخمة تُمنح تحت شعار “دعم التنمية”.
لكن الهدف الخفي لا يتعلق بالتنمية الحقيقية، بل بإعادة صياغة البنية القانونية والدستورية للصومال بما يتماشى مع القيم العلمانية الغربية، في مسعى تدريجي لفصل الدين عن الدولة، أو على الأقل إقصاء الشريعة عن مركز التأثير في منظومة التشريع.
اللافت أن هذه القوانين تمر في مجلس الوزراء دون نقاش جاد أو دراسة متأنية. السبب؟ هو أن كل وزير يدعم مشروع زميله على أمل أن يحظى مشروعه بالمثل، ضمن منطق تبادل المصالح. فتصبح الحكومة دائرة مغلقة من “التمرير المتبادل”، يغيب فيها صوت الضمير والمصلحة العامة، ويُهمَّش فيها الدين لحساب مشاريع مدفوعة من الخارج.
عندما تصل هذه القوانين إلى البرلمان، يُفترض أن تكون تلك اللحظة التي تخضع فيها لمراجعة دقيقة وتعديل جاد. لكن الواقع المؤسف أن كثيرا منها يُمرر بسهولة، بل وأحيانا يُصادق عليه بصيغته الأصلية رغم الجدل المجتمعي حوله. فهل هناك من ينتفع من تمرير هذه المشاريع داخل البرلمان أيضا؟ وهل من الممكن أن تتسلل “نعَم” التمويل الأجنبي إلى بعض مراكز التأثير التشريعي؟
من الواجب على العلماء، والمثقفين، والمواطنين، والنواب الأمناء، أن يرفعوا أصواتهم بوجه هذا الانحدار، وأن يطالبوا بمراجعة منهجية لآلية صياغة وتمرير القوانين، تضمن ألا يُعرض أي مشروع قانون على مجلس الوزراء أو البرلمان إلا بعد مراجعة شرعية واضحة وشفافة.
الصومال ليس حقل تجارب قانونية للغرب، ولا ينبغي أن يُختزل تشريعه في مقاييس المانحين. فالصومال بلد مسلم، وشعبه يطمح إلى دولة تحكم بشرع الله، وتصون هويته، وتحترم قيمه، لا إلى دولة تستورد القوانين كما تُستورد السلع، وتستبدل الشريعة بمشاريع مؤقتة، ممولة وموجهة.