اللغة العربية في الصومال بين الماضي والحاضر

عبد الله حسين

آخر تحديث: 8/11/2017

[supsystic-social-sharing id="1"]

مقدمة:
الحديث عن اللغات له مقدماته المتشعبة، والتي قد لا تتسع لهذا المقام، ومن بين تلك المقدمات المثيرة للجدل اختلافهم في حدّ اللغات و أصلها، بالنسبة للحدود تجاوزت العشرات، وانتقاء تعريف منها ليس باليسير؛ نظرا لارتباطها في كثير من العلوم المختلفة.

و من بين التعاريف المذكورة لها بأنها وسيلة للتخاطب والتواصل والتفاهم والتعبير عن المشاعر والأغراض، وبأسلوب آخر فإن اللغة ظاهرة اجتماعية تستخدم لتحقيق التفاهم بين ناطقيها، واللغات متباينة ومختلفة كاختلاف الألوان، ولكل لغة خصائصها التي تميز عن غيرها، وإن كان الجميع يشترك في الوظائف الأساسية.

وتعتبر اللغة أحد أهم الروابط التي تربط بين أبناءها بحيث تحقق لهم التقارب والانسجام دون غيرهم، كما أنها تمثل الوعاء الحقيقي للتاريخ والثقافة، فبدونها لا يمكن لهما البقاء، ولقد أحسن الرافعي حين قال: (إن اللغة مظهر من مظاهر التاريخ، والتاريخ صفة الأمة. كيفما قلّبت أمر اللغة – من حيث اتصالها بتاريخ الأمة واتصال الأمة بها – وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول إلا بزوال الجنسية وانسلاخ الأمة من تاريخها).

وتستمد أي لغة حيويتها وأهميتها سيادة ناطقيها للحضارة الإنسانية التي ورثت جيلا بعد جيل، واللغة العربية بما أنها وعاء الوحي والتراث، وهما من أبرز الركائز الأساسية للحضارة الإسلامية التي سادت العالم أكثر من عشرة قرون، أهّلتها تلك المكانة الدينية لأن تكون أهم اللغات بلا منازع طيلة تلك القرون التي خلت، بيد أن تقهقر الحضارة الشرقية التي تمثلها والتصاعد الحثيث الذي خطت وتخط به الحضارة الغربية “الأنجلوسكسونية” جعلت الإنجليزية ولغات غربية أخرى تحل محلها، وإن كانت لا تزال تتربع في قائمة اللغات الأربع الأولى في العالم، رغم معاناة حضارتها من الانحطاط، ومن ناطقيها من التخلف والتبعية في القرون الأخيرة.

تاريخ اللغة العربية في الصومال:

يعود تواجد اللغة العربية في الصومال إلى وقت مبكر؛ حيث تشير بعض المصادر التاريخية إلى تقدُّم وجودها على ظهور الإسلام بعدة قرون بسبب كون المنطقة هي الأقرب والمتاخمة للجزيرة العربية، وبسبب العامل التجاري الذي ساهم كثيرا في هذا التواجد، يقول ابن خلدون إنّ اللغة العربية دخلت إلى إفريقيا قبل خمسةآلاف سنة، عبر المداخل الجنوبية والشمالية لساحل البحرالأحمر ) لكن العامل الأقوى الذي مهَّد الطريق لانتشارها في ربوع القرن الأفريقي و منحها القبول الواسع لدى سكان المنطقة هو العامل الديني ( الإسلام) إذ كانت العربية اللغة الرسمية للدول الإسلامية المتتابعة في جميع الأقطار التي كانت تنفذها سلطة الإسلام والمسلمين، كما أن الهجرات العربية المتتالية إلى المنطقة كانت مستمرة طوال القرون سبب الاضطرابات الداخلية من الثورات والقلاقل التي كانت مفتعلة في كثير من الأوقات داخل البيت الإسلامي، وحركات الاستيطان والاستقرار لهؤلاء المهاجرين يلعبان دورا كبيرا في تفعيل اللغة العربية في المنطقة.

وكان للمنارات والقلاع العلمية في طول البلاد وعرضها والبعثات الطلابية العائدة من مصر وأرض اليمن والحجاز دورها المرموق في تعميق جذور العربية في المنطقة، كما استغلت العربية الفراغ الجانبي للغات المحلية بخصوص المهارة الكتابية في المنطقة آنذاك؛ حيث لم توضع بعد الحروف الأبجدية لبعض اللّغات المحلية من بينها الصومالية والسواحلية، مما مكّنها من أن تسد مسد ذلك الفراغ، وأوشكت تصبح اللغة الشعبية بسبب الشرائح الكثيرة التي كانت تنطق بها، وصارت مستعملة في مجالات عديدة من أبرزها: التعليم، والثقافة، والتأليف، والأدب، والإدارة، والدواوين، والقضاء، والمراسلات والمعاملات، قبل مجيء الاستعمار .

لكن بعد دخول الاستعمار الأوروبي في كثير من بلدان القارتين الآسيوية والأفريقية، بدأ العد التنازلي لدور اللغة العربية في هذه المناطق؛ حيث تبنى الاستعمار حملات لنشر اللغات الاستعمارية، وإحياء اللغات القومية، لتقليص الدور الطاغي للّغة العربية آنذاك في تلك البلدان، واستخدم لذلك أساليب ناعمة وغير ناعمة.

ففي الصومال تبوأت اللغات الايطالية والانجليزية والفرنسية محل العربية، وصرن تستخدم في مجال الإدارة والتعليم والدواوين الحكومية، واقتصر دور العربية في التعليم الديني بعد أن كانت تشمل كل ذلك، بيد أنّه كان يمشي بجانب هذا المخطط لمحو العربية رفض شعبي كان مدفوعا من قبل علماء الدين والمثقفين، الأمر الذي مكّن العربية من احتفاظ مكانتها في الصومال ولو رمزيا، وأصبحت اللغة الثانية بحكم الدستور، ولم تتوقف الحملات ضد العربية عندها، بل طاولتها اللغة المحلية؛ حيث سعت دول الاستعمار و بذلت جهودا كثيفة لتدوين أحرف اللغة الصومالية باللاتينية، بعد أن كانت تكتب بالعربية من قبل، وتم ذلك عام 1972م في عهد الحكومة العسكرية، الأمر الذي مثّل الاستدارة الظاهرة للعربية والعروبة، لكن الإصرار العربي لتعريب الصومال آنذاك لم ينهزم أمام تلك المحاولات، خصوصا وإن مشروع القومية العربية كان في أوج قوته آنذاك؛ فتم إقناع الصومال بالانضمام إلى جامعة الدول العربية، وانضمت إليها فعلا عام 1974م، وكان ذلك مكسبا سياسيا بالغ الأهمية، أنجزه مشروع التعريب بجانب الجهود الداخلية. وكانت هناك في الصومال مدارس عربية مصرية بالذات، منذ فترة قديمة، إلى جانب إيفاد بعثة معلمين للدراسة في تلك المدارس.

وكانت هناك أيضا بعثات طلابية كان يتم ابتعاثها للدراسة الجامعية في بعض البلدان العربية، من بينها مصر والسعودية بغية إخراج طبقة مثقفة بالثقافة العربية، تلك الخطوات ساهمت في بقاء العربية و تصاعد دورها في مرحلة الانهيار ؛ حيث سدّت الفراغ التعليمي الذي نتج إثر سقوط النظام و غياب دور اللغات المزاحمة لها تحت عباءة النظام، فتم افتتاح مدارس عربية تعتمد على المناهج العربية رغم التباين البيني فيما بين تلك المناهج، مدفوعة بذلك الدعم العربي السخي الذي كان يضخ المال في المؤسسات التي كانت قائمة بهذا الدور، بعد أن كانت تركز على الأدوار الأخرى في المجال الإغاثي؛ فأخرجت تلك المدارس أفواجا من الخريجين متشبعين بالثقافة العربية، والتحق بعضهم بجامعات لبعض الدول العربية، ومنها مصر والسودان واليمن والسعودية، ويمكن القول بأن الفترة ما بين عام 1995م إلى عام 2006م مثلت الفترة الذهبية لدور اللغة العربية في الصومال منذ الاستعمار .

واقع اللغة العربية في الصومال :

مثل بروز ما يسمي باتحاد المحاكم الإسلامية منعطفا تاريخيا ومرحلة مفصلية للصومال؛ حيث تزايد الاهتمام الإفريقي والغربي، مقابل انحسار الدور العربي الرسمي وغير الرسمي المتواجد في الساحة الصومالية، فقوَّى الدور الغربي حضوره في الصومال بعد أن كان مترددا وغير جاد في دعم الحكومات الانتقالية والوقوف بجانبها، فالمنظمات والهيئات الإغاثية الغربية حضرت الصومال بكل ثقلها، وشرعت الحكومات المتتابعة في العمل على واقع الأرض بشكل تدريجي، الأمر الذي أعطى فرصة للناطقين بالإنجليزية عند الجهات الرسمية وملحقيات المنظمات والهيئات الأجنبية.

بدأت بذلك الانجليزية تستعيد مكانتها في الصومال بعد غياب استمر لعقدين، وانطلقت ثورة الاهتمام بتعلم الانجليزية في البلادـ، مما أجبر المدارس والجامعات على تغيير مناهجها تكيفا مع الواقع واستجابة لمتطلبات السوق؛ حيث تم افتتاح معاهد كثيرة لتعلم اللغة الإنجليزية مشجَعة من قبل منظمات، هدفها نشر اللغة الانجليزية على نطاق أوسع؛ فأثر ذلك سلبا على العربية، وأدى إلى عزوف كثيرين عن تعلمها.

ويمكن القول بأن العربية تمر الآن بأسوأ مراحلها في الصومال نظرا للواقع الذي تهيأ لصالح الانجليزية وجعلها الطاغية في الساحة حتى عمَّ استخدامها على مستوى اللافتات التجارية، فضلا عن الأروقة الحكومية.

والشيء الملفت للنظر أيضا تصاعد دور لغات أخرى ومزاحمتها للغة العربية، ومن بين تلك اللغات اللغة التركية التي رافقت مع بروز الاهتمام التركي بالصومال عام 2011م، وتأخذ الآن اللغة التركية طريقها للانتشار في العاصمة بسبب المعاهد والمدارس التركية التي تعمل جاهدة في نشر اللغة التركية في الصومال، وكذلك بسبب البعثات الطلابية الصومالية في تركيا.
المراجع :
1. اللغة العربية ومكانتها بين اللغات, ا . د فرحان السليم .
2. اللغة العربية التحديات والمواجهة, سالم مبارك.
3. واقع اللغة العربية في القرن الإفريقي http://www.baath-party.org/index.php?option=com_content&view=article&id=210:210&Itemid=120&lang=ar

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال