القـرن الإفـريقـي: لعبة المصالح الدولية وحسابات دول المنطقـة (1/2)

عبد الله الفاتح

آخر تحديث: 17/01/2018

[supsystic-social-sharing id="1"]

لقراءة التقرير أو تنزيله بصيغة بي دي اف انقر هنا

التقرير الأسبوعي

الرقم 15

مقـدمة:
تنفـرد منطقـة القـرن الإفريـقي بخصـائص جيـوبولتيكيـة بالغـة الأهميـة، نظـراً لموقعهـا الاستـراتيجي الهام ومواردها الاقتصـادية الهائلـة، الأمـر الذي يجعـلها محـطّ اهتمـام القـوى الدوليـة ويدفعهـا نحـو السيطـرة على المنطقـة والتحكم بها.

انطلاقا من الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي بدأت كثيـر من القـوى الدوليـة والإقليميـة الفاعـلة في العمـل على إعـادة تموضعهـا في المنطقـة من أجـل تحقيق مصالحها وتأميـن أمنهـا القـومي عبـر إنشـاء قواعـد عسكـرية ومنصـات لتبـادل المعلومات الاستخبـاراتية مـع دول المنطقـة.

لقـد أصبـح استشـراف المستقبـل والحـديث عن مآلات الخـارطة الجيوبولتيكيـة للمنطقـة يعتمـد بشكـل أسـاسي على العامـل الخـارجي.

يحـاول هـذا التقـرير تسليـط الضـوء على تطـور الصـراع الدولـي والإقليمـي الراهـن في منطقـة القـرن الإفريـقي، وتأثيـره العميـق على عـوامل الاستقـرار في المنطقـة وشكـل التحالفـات بيـن دول المنطقـة والإقليميـة والدوليـة التي تتـم وفقـاً للتحـولات الكبيـرة التي تجـري في المنطقـة.

ويهـدف التقـرير إلى بلورة رؤيـة مستقبليـة لموازين القـوة في المنطقـة على ضـوء صعـود قـوى دوليـة جـديدة متمثلـة بالصيـن وتركيـا وإيـران وغيـرها وأي مـدى يمكـن أن تمثـل هـذه القـوى منافسـاً اقتصـادياً وعسكـرياً قـوياً للقـوى الدوليـة التقليـدية ذات المصـالح في المنطقـة خاصـة الولايات المتحـدة الأمريكيـة والإتحـاد الأوروبي بالإضـافة إلى الدول العـربية.

أولاُ: تحـديد مفهـوم القـرن الإفريقـي:

يعتبـر مفهـوم القـرن الإفريقي (Horn of Africa) إحـدى المصطلحـات الجيوبولتيكيـة المعاصـرة الأكثـر تـداولاً وغمـوضاً في نفـس الوقـت، فهـو ما زال مصطلـحاً متغيـراً يحمـل أكثـر من دلالـة وتعـريف، حيـث لم يتفـق الباحثـون والدارسـون على إيجـاد تعـريف جـامع ومانـع للقرن الإفريـقي، ولعـل تعدد التعـريفات عائد إلى المعاييـر والأطـرت المعـرفية للمعـرَف وكـذلك انعـدام الملامـح الضـرورية لوضـع المنطقـة في إطـار جغـرافي وعـرقي متناسـق.

وعرفتـه موسـوعة ويكيبيـديا “بأنه شبـه جـزيرة تقـع في شرق إفريقيـا في المنطقـة الواقعـة على مضيـق باب المنـدب من السـاحل الإفريـقي ويحـدها المحيـط الهنـدي جنـوباً والبحـر الأحمـر شمـالاً، في حيـن عـرفتـه الموسـوعة العـربية (Arab Encyciopedia) بأنه الجـزء الشـرقي من القـارة الإفريـقية، الذي يبـرز شـرقاً بشكـل قـرن إلى الجنـوب من خليـج عـدن .

أما التعـريف السيـاسي للمنطقـة فإنـه فضـاء يتمـدد وينكمـش وفق المصالـح والأهـداف الماثلـة على خلفيـة الحـراك من تحالفـات ونـزاعات في المنطقـة، ولهـذا أصبحـت إثيـوبيا تاريخيـاً جـزءاً أصيـلاً من القـرن الإفريـقي، باعتبـارها طـرفا فاعـلا ومؤثـرا في الصـراعات الدائـرة في المنطقـة وتشكيـل حـدود دولهـا والتـداخل الإثنـي بيـن العنـاصر المكـونة لهـذه الـدول، وكذلك إرتبـاطها وعـلاقتها مـع دول أخـرى ذات مصـالح في الإقليـم، ونفـس الحال بالنسبـة لكينيـا وإريتـريا.

ومن وجهـة نظـر البروفيسـور حسـن مكـي “فإن القـرن الإفريـقي يضـم كلا من الصـومال وجيبـوتي وإثيـوبيا وإريتـريا إضـافة إلى السـودان وأجـزاء من كينيـا .
لكـن يوسـف روكـز يـرى بأن القـرن الإفريـقي يضـم فقـط الصـول وجيبـوتي وإثيـوبيا وإريتـريا، وقـد سمـي بهـذا الاسـم لأنه يشبـه قـرن “وحيـد القـرن” ويحـده من الشمـال البحـر الأحمـر ومن الشـرق الشمـالي خليـج عدن ومن الشـرق المحيـط الهنـدي ومن الجنـوب كينيـا ومن الغـرب والشمـال الغـربي السـودان، وتبلـغ مسـاحته (1882667) كلـم2.

ويـرى الدكتـور محمـد رضـا فـودة، بأنه يضـم الصـومال وجيبـوتي وإثيـوبيا وإريتـريا إضـافة إلى كـل من كينيـا والسـودان لاعتبـارات جيـواستراتيجيـة وللتداخـل الحـدود والعـرقي .

وبهـذا يمتـد نطـاق منطقـة القـرن الإفريـقي بتداخلاتهـا وتأثيـراتهـا المختلفـة لتشمـل معظـم دول شـرق إفريقيـا والبحيـرات العظمـى ككـل ، كمـا يتـم ربطهـا بشكـل استـراتيجي باليمـن، وهـذا المعنـى الأخيـر هـو الذي تهتـم به استـراتيجيات الدول الكبـرى خاصـة الولايات المتحـدة الأمريكيـة التي وسعـت حـدود المنطقـة وأطلقـت عليـها بالقـرن الإفريـقي الكبيـر (The Greater Horn of Africa).

وهنـاك من تنـاول “مفهـوم الشـرق الأوسـط الكبيـر” وجعـل القـرن الإفـريقي جـزءاً من الشـرق الأوسـط، وهـذا المفهـوم يتنـاغم مـع طبيعـة منطقـة القـرن الإفريـقي التاريخيـة والجيـوبولتيكيـة، لأنهـا كانت ولا زالت جـزءاً من التـدافع البشـري الحضـاري في منطقـة الشـرق الأوسـط، واليـوم تواجـه المنطقـة التحـديات ذاتهـا ممـا يجعـل دول (القـرن الإفريقـي والشـرق الأوسـط) كتلـة واحـدة من حيـث المبـدء والمصيـر ( ).

فقـد اعتبـر الخبيـر الاستـراتيجي السعـودي اللـواء/ أنـور عشقـي، منطقـة القـرن الإفريـقي جـزءاً من العـالم العـربي والشـرق الأوسـط جغـرافياً، ولهـذا ربط إقامـة الصـلح مع إسـرائيـل بإستخـراج النفـط والغـاز في منطقـة الصـومال الغـربي (أوغاديـن) ويؤكـد بأن السـلام في الشـرق الأوسـط لن يتحـقق إلا بتوفـر عدة الشـروط منهـا استخـراج الغـاز في منطقـة (أوغادين) وبنـاء مـدينة النور بيـن جيبـوتي واليمـن، وهـذا الكـلام الخطيـر في دلالاتـه يشيـر إلى عـلاقة المنطقـة بالشـرق الأوسـط.

ومن كل المعطيـات أعلاه يبـدو جليـاً أن مفهـوم القـرن الإفريـقي ليـس له مـدلول واضـح المعـالم جغـرافيـاً وسيـاسياً واقتصـادياً وتاريخيـا، وهـو يعتبـر فرضيـة جيوبولتيكيـة يمتـد مفهـومها الجغـرافي عبـر مسيـرة التفاعـلات الدوليـة الإقليميـة المتسـارعة.

ثانيـا: أهميـة القرن الإفريقـي في الاستراتيجيـة الدوليـة:

تؤكـد كـل شـواهد التاريـخ على أهميـة منطقـة القرن الإفريقـي وفاعليتهـا وحيويتهـا الاقتصـادية والسيـاسية والأمنيـة والعسكـرية، نظـراً لموقعهـا الاستـراتيجي الهام ، وبكـونها تمثـل ممـراً وبوابـة للبحـر الأحمـر وخليـج عـدن بالإضـافة إلى الخليـج العربي والمحيـط الهنـدي، ونقطـة اختنـاق وتحكـم في إنسيـاب حـركة الملاحـة التجـارية والعسكـرية بين الشـرق والغـرب.

ولا تقتصـر أهميـة المنطقـة على اعتبـارات الموقـع فحـسب، وإنما تتعـداها للموارد الطبيعيـة، خاصـة بعـد معـرفة طبيعـة المنطقـة ومواردها طاقاتهـا الماديـة والبشـرية وقـدرتها الكامنـة على النمـو والتطـور، كما اكتسـبت هـذه المنطقـة أهميـة إضافيـة مـع بروز ظاهـرة القرصنـة قبـالة السـواحل الصـوماليـة، وتصـاعد دور التنظيمـات الإسـلامية “المسلحـة” في العـديد من دول المنطقـة، وارتبـاط ذلك بمـا يعـرف “بالحـرب الدوليـة على الإرهـاب” .

ووفقـاً لهـذه المعطيـات تتضـح جليـاً أهميـة منطقـة القـرن الإفريقـي بالنسبـة للاستـراتيجيـة الدوليـة في الوقـت الحـاضر مثلمـا كان الحـال منـذ العهـود الاستعمـارية القديمـة، الأمـر الذي دفـع كثيـرا من القـوى الدوليـة والإقليميـة الصـاعدة إلى التغلغـل في المنطقـة لتأميـن مصالحهـا وتحقيـق أمنهـا القـومي، وذلك عبـر إنشـاء قـواعد عسكـرية وتبادل المعلـومات الاستخبـاراتيـة مـع دول المنطقـة.

ثالثـاً: التـدافع الدولي على القـرن الإفريـقي:

تشهـد منطقـة القـرن الإفـريـقي، تحـولات دراماتيكيـة متسـارعة وحالـة “ثـورة” وغليـان سيـاسـي وأمنـي لبيئتهـا الداخليـة، وذلك بفعـل الأزمـات الداخليـة المزمنـة المتمثلـة في النـزاعات الحـدوديـة والعـرقية والصـراعات المتصـاعدة على الموارد الطبيعيـة داخـل كل دولـة ومع جيـرانها، فضـلاً عن التـدافع الدولـي المحمـوم على المنطقـة نتيجـة لامتـلاك دول المنطقـة موارد طبيعيـة هائلـة وثـراوات معدنيـة تستخـدم في الصنـاعات الثقيلـة والنـووية بالإضـافة إلى موقعـها الجيوبولتيكـي الهـام.

قبـل الحـديث عن طبيـعة الصـراعات في القـرن الإفريـقي المعـذب بالقهـر والتخلـف والمثقـل بآلام الأزمـات، لا بـد من العـودة إلى التاريـخ لسبـر غـور الأسبـاب والجـذور العميقـة لهـذه الصـراعات المزمنـة، واستجـلاء التأثيـر العميـق لدور الـدول الأوروبيـة الاستعمـارية على تشكيـل الأوضـاع والحـدود السيـاسية في المنطقـة، وهـذه القـوى رسمـت حـدود دول المنطقـة وفق مصـالحها الاستراتيجيـة مثيـرة للتناقضـات القبليـة والعـرقية والنـزاعات داخـل كـل دولـة ومـع جيـرانها.

ورغـم كـل المشكـلات والأزمـات المزمنـة التي تعاني منهـا منطقـة القـرن الإفريـقي، إلا أن أهميتهـا بالنسبـة للاستـراتيجيـة الدوليـة، ما زالت تتعاظـم يوما بعـد آخـر في الوقـت الحاضـر مثلمـا كان الحـال في العهـود الاستعمـارية القديمـة.

وبدأت كثيـر من القـوى الدوليـة والإقليميـة الفاعـلة في العمـل على إعـادة تموضعهـا في المنطقـة من أجـل تحقيق مصالحها وتأميـن أمنهـا القـومي عبـر إنشـاء قواعـد عسكـرية ومنصـات لتبـادل المعلومات الاستخبـاراتية مـع دول المنطقـة، وبالتالي أصبـحت موازين القـوة في المنطقـة تتشكـل بفعـل العامـل الخارجـي، وهـو ما سيحـدد بشكـل كبيـر تطـور الأحـداث ومآلاتها المستقبليـة في المنطقـة وذلك وفقاً لمعادلـة دوليـة وإقليميـة جـديدة.

رابعـا: العـوامل المؤثـرة في القـرن الإفريـقي:

لقـد أصبحت منطقـة القـرن الإفريـقي تشكـل منظـومة إقليميـة من عـدم الاستقـرار، نتيجـة لتصـاعد الأزمـات الداخليـة المتمثلـة بالنـزاعات الحـدودية والصـراع على مصـادر الميـاه، فضـلاً عن المشاكـل المرتبطة بالإرهـاب والقرصنـة والتهـريب واللاجئين والهجـرة غيـر الشـرعية وغيـرها، وأفضـت هـذه الكـوارث والأزمـات إلى حـالات من الحرمـان والظلـم تعاني منها كثيـر من الشـرائح الاجتمـاعية الأمـر الذي سـاعد في إذكـاء الصـراعات والنـزاعات الداخليـة وعـدم الاستقـرار السيـاسي في المنطقـة، ممـا مهـد الطـريق لهـذا التدخـل الدولـي الرهيـب الذي يخفـي وراءه العـديد من الأهـداف غيـر المعلنـة.

ومن الملاحـظ أن القـوى الدوليـة والإقليميـة الفاعـلة لم تمهـل دول القـرن الإفريقـي في استـراتيجيـاته المستقبليـة، بل بالعكـس فإن كثـرة المشـاكل وتعقيـداتها المحيطـة بالمنطقـة قـد سلطـت الضـوء بشكـل أكثـر سطـوعاً على ضـرورة الاهتمـام بدول المنطقـة وإدمـاجها في فضـاءات الاستراتيجيـات الدوليـة .

وثمـة العـديد من العـوامل تؤثـر في منظـومة الأمـن والاستقـرار في المنطقـة من جهـة وتصـاعد وتيـرة الاهتمـام الدولـي بها من جهـة أخـرى، لعـل أهمهـا:
الموقـع الاستـراتيجي الهـام لمنطقـة القـرن الإفريقي وقـربها من مصـادر الطاقـة في الخليـج العـربي، وامتـلاكها موارد اقتصـادية وثـروات طبيعيـة هائلـة علاوة على النـزاعات الحـدودية والمشـاكل المحيطـة بالوضـع الخاص بمحـاربة القـرصنة والإرهـاب ومنـع انتشـاره في مناطق استـراتيجيـة لحـركة الملاحـة الدوليـة، بالإضـافة إلى إرتباط القـرن الإفريقي الوثيـق بالعـديد من الصـراعات الدوليـة والإقليميـة.

المراجع:

1. ويكبيديا
2. الموسوعة العربية في الإنترنت.
3. حسن مكي، ثلاثية القبيلة والثورة والدولة في القرن الإفريقي، مجلة المرصد، العدد 28، الخرطوم، نوفمبر 2009م.
4. علي حـسن الخولاني، تحديد أهمية القرن الإفريقي، موقع التغيير نت، 2015م.
5. عبـد الرحمـن سليمان بشيـر، القرن الإفريـقي إلى أين؟،
6. عاصم فتح الرحمن، تغيير موازين القوة في القرن الإفريقي، مركز دراسات المستقبل، الخرطوم، 2012.
7. د. حسـن بشير محمـد نور، أهمية القرن الإفريقي للاقتصـاد السودان، المجلة السودانية للدراسات الدبلوماسية، العدد التاسع، الخرطوم، 2011م.
8. د. حسن بشير محمد نور، المصدر السابق.

قضايا ساخنة

هل تستمر الدوحة في التأثير على الانتخابات الصومالية بالمال السياسي؟

المرشح البغدادي في حديث خاص للصومال الجديد

بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها

خطاب الرئيس دني .. مخاوف وأسرار

الاتفاقيات حول النفط الصومالي .. تقض مضاجع الخبراء في الصومال